الزكاة: فضائلها ومستحقيها – طريق الإسلام

الزكاةَ هيَ الرُّكْنُ الثالثُ مِن أركانِ الإسلام، ولا تَصلُحُ حياتُنا إلاَّ بها، فبالزكاةِ تَسُودُ الْمَحبَّةُ والإخاءُ، وبها تختفي الشحناءُ والبغضاءُ، وعدمُ إخراجها طريقُ الفَسَادِ وهلاكُ العبادِ وخرابُ البلادِ وسَخَطُ ربِّ العبادِ..”

إِنَّ الحمدَ للهِ نَحمَدُه ونستعينُه، مَن يَهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومَن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأنَّ مُحمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم.

 

أما بعد: فاتقوا الله عبادَ اللهِ، وتذكَّرُوا أن الزكاةَ هيَ الرُّكْنُ الثالثُ مِن أركانِ الإسلام، ولا تَصلُحُ حياتُنا إلاَّ بها، فبالزكاةِ تَسُودُ الْمَحبَّةُ والإخاءُ، وبها تختفي الشحناءُ والبغضاءُ، وعدمُ إخراجها طريقُ الفَسَادِ وهلاكُ العبادِ وخرابُ البلادِ وسَخَطُ ربِّ العبادِ، قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ آتاهُ اللهُ مالًا فلمْ يُؤَدِّ زكاتَهُ مُثِّلَ لهُ مالُهُ شُجاعًا أَقْرَعَ، لهُ زَبيبَتانِ يُطَوَّقُهُ يومَ القيامةِ، يَأخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ –يَعني بشدْقَيْهِ– يقولُ: أنا مالُكَ أنا كَنزُكَ، ثمَّ تلا هذهِ الآيةَ» : {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [آل عمران: 180]) (رواه البخاري).

 

عبادَ الله: لأداءِ الزكاةِ فضائلُ كثيرة، منها:

 

أولًا: أنك تُؤدِّي رُكْنًا مِن أركانِ الإسلامِ الخمسة، قالَ صلى الله عليه وسلم: (‌ «بُنِيَ ‌الإِسْلامُ على خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إلاَّ اللهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رسُولُ اللهِ، وإقَامِ الصَّلاةِ وإِيتَاءِ الزَّكَاةِ والْحَجِّ وصَوْمِ رَمَضَانَ» (رواه البخاري ومسلم).

 

 

ثانيًا: أن اللهَ أنزلَ الْمَالَ عليكَ لِتُؤْتِيَ زكاتَهُ، قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ قالَ: إنَّا أَنزَلنا الْمالَ لإقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، ولَو كانَ لابنِ آدَمَ وادٍ، لأحَبَّ أن يكونَ إليهِ ثانٍ، ولو كانَ لهُ وادِيَانِ، لأَحبَّ أن يكونَ إليهما ثالثٌ، ولا يَمْلأُ جَوْفَ ابنِ آدمَ إلا التُّرابُ، ثمَّ يَتُوبُ اللهُ على مَن تابَ» (رواه الإمام أحمد وصحَّحه العراقي).

 

 

ثالثًا: الْمُؤْتُونَ للزكاةِ هم الْمُتقونَ الْمُفلحون، حيث ذكَرَ اللهُ في بداية سورةِ البقرةِ أن مِن صفاتِ المتقين المفلحين: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: 3]، قال ابنُ عَبَّاسٍ: (يُؤْتُونَ الزكاةَ احْتِسابًا بها)؛ (رواه ابن جرير).

 

 

رابعًا: تكفيرُ السيئاتِ ودُخولِ الْجنةِ، قال تعالى: {وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [المائدة: 12].

 

 

خامسًا: أنهم الْمُهتدون، قال تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة: 18].

 

سادسًا: أنهم أهلُ البرِّ والصِّدقِ والتقوى، قال تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177].

 

 

سابعًا: أنهم أهلُ البَرَكَةِ والْخَلَفِ، قال تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276].

 

 

ثامنًا: لا خوفٌ عليهم ولاهم يَحْزنُون، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 277].

 

 

تاسعًا: أنهم يُطَهِّرون أنفُسَهُم وأَموالَهُم: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103].

 

 

عاشرًا: أن اللهَ سيُؤْتيهم أَجْرًا عظيمًا، قال تعالى: {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 162].

 

 

الحاديَ عشر: أنهم الْمَرْحُومُون، قال تعالى {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 156].

 

 

الثانيَ عشر: أداءُ الزكاةِ سَبَبٌ للنجاةِ مِن عذابِ القبرِ، قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الْميِّتَ إذا وُضِعَ في قبرِهِ إنهُ يَسْمَعُ خَفْقَ نعالهم حينَ يُولُّونَ عنهُ، فإنْ كانَ مُؤمنًا كانتِ الصلاةُ عندَ رَأْسِهِ، وكانَ الصيامُ عَن يَمينِهِ، وكانتِ الزكاةُ عن شِمالِهِ، وكانَ فعلُ الخيراتِ مِنَ الصدقَةِ والصِّلَةِ والمعرُوفِ والإحسانِ إلى الناسِ عندَ رجليهِ، فيُؤْتَى من قِبَلِ رأسِهِ، فتَقُولُ الصلاةُ: ما قِبَلِي مَدخَلٌ، ثمَّ يُؤتى عن يَمينهِ، فيقولُ الصيامُ: ما قِبَلِي مَدخَلٌ، ثمَّ يُؤتى عن يَسارهِ، فتقولُ الزكاةُ: ما قِبَلِي مَدخَلٌ، ثم يُؤتى من قِبَلِ رِجلَيْهِ، فتقُولُ فعلُ الخيراتِ من الصدقَةِ والصِّلَةِ والمعروفِ والإحسانِ إلى الناسِ: ما قِبَلِي مَدخَلٌ» (الحديث رواه ابن حبان في صحيحهِ وحسَّنه الهيثميُّ والألباني).

 

الثالثَ عشر: الْمُؤْتُونَ للزكاةِ هُم أهلُ التمكينِ في الأرضِ، قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 41].

 

 

الرابعَ عشر: هُم أهلُ الشهادةِ على الناسِ يومَ القيامةِ، قال تعالى: {وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الحج: 78].

 

 

الخامسَ عشر: هُم أهلُ الْمُضاعفةِ عندَ اللهِ، قال تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الروم: 39]، قال ابنُ كثير: (أي: الذينَ يُضاعِفُ اللهُ لهمُ الثوابَ والجزاءَ).

 

 

السادسَ عشر: الْمُؤْتُونَ للزكاةِ هُم أهلُ القُرْبِ مِن الجنةِ، (جاءَ رجُلٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ: دُلَّني على عَمَلٍ أعْمَلُهُ يُدنيني مِن الجنَّةِ ويُباعِدُني من النارِ، قالَ: « «تَعْبُدُ اللهَ لا تُشرِكُ بهِ شيئًا، وتُقِيمُ الصلاةَ، وتُؤتي الزكاةَ، وتَصِلُ ذا رَحِمَكَ» »، فلَمَّا أَدْبَرَ قالَ رسولُ اللهَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: « «إنْ تَمَسَّكَ بما أُمِرَ بهِ دَخَلَ الْجنةَ» (رواه مسلم).

 

 

السابعَ عشر: هُم مِن خيرِ أحوالِ الناس عَيْشًا، قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «مِن خَيْرِ مَعاشِ الناسِ لَهُمْ، رَجُلٌ مُمسِكٌ عِنانَ فرَسِهِ في سبيلِ اللهِ، يَطيرُ على مَتْنِهِ، كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً أو فَزْعَةً طارَ عليهِ، يَبتغي القَتْلَ والْمَوْتَ مَظَانَّهُ، أو رَجُلٌ في غُنَيْمَةٍ في رأسِ شَعَفَةٍ من هذهِ الشَّعَفِ، أو بَطْنِ وادٍ مِن هذهِ الأوديةِ، يُقيمُ الصلاةَ، ويُؤتي الزكاةَ، ويَعبُدُ ربَّهُ حتى يَأتيَهُ اليقينُ، ليسَ مِنَ الناسِ إلا في خَيْرٍ» (رواه مسلم).

 

-اعلموا أن الزكاةَ لا تبرأُ بها الذمَّةُ حتى تُصرفَ فيمن فَرَضَ الله تعالى صَرْفَها فيهم، ولم يَكِلْهُ إلى أَحَدٍ، فقال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60]، فَمَن صَرَفَها في غيرِ هذهِ الأصنافِ الثمانيةِ لم تُقبل منه، ولم تبرأ ذِمَّتُه مِن فريضةِ الزكاة، قالت اللجنةُ الدائمةُ للإفتاءِ برئاسة الشيخ ابن باز رحمه الله في تفسير أصناف الزكاة الثمانية: (الفقيرُ: الذي يَجدُ بعضَ ما يكفيه، والْمِسكينُ: الذي لا شيءَ له، وقال بعضُ العلماء بالعكسِ وهو الراجح، والمرادُ بالعاملينَ عليها: السُّعاةُ الذين يَبعثهُم إمامُ المسلمين أو نائبُه لجبايتها، ويَدخلُ في ذلك كاتبُها وقاسِمُها، والمرادُ بالْمُؤَلَّفَةِ قلوبُهم: مَن دَخَلَ في الإسلام وكان في حاجةٍ إلى تأليفِ قلبهِ لضعفِ إيمانهِ، والْمُرادُ بقولهِ تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60]: عِتقُ الْمُسلمِ مِن مالِ الزكاةِ عَبْدًا كان أو أَمَةً، ومِن ذلكَ فَكُّ الأَسَارَى ومُساعدةُ الْمُكاتَبين، والْمُرادُ بالغارِمين: مَن استدانَ في غيرِ معصيةٍ، وليس عندَهُ سَدادٌ لِدَيْنهِ، ومَن غَرِمَ في صُلْحٍ مشروعٍ، والْمُرادُ بقوله تعالى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60]: إعطاءُ الغُزاة والمرابطينَ في الثغورِ مِن الزكاةِ ما يُنفقونهُ في غَزْوِهم ورِباطِهِم، والْمُرادُ بابنِ السبيلِ: الْمسافِرُ الذي انقطعتِ به الأسبابِ عن بلدهِ ومالهِ، فيُعْطى ما يَحتاجُه مِن الزكاةِ حتى يَصِلَ إلى بلدِه ولو كان غنيًَّا في بلَدهِ) (انتهى).

 

فاحتسبُوا عبادَ اللهِ في إخراجِ الزكاةِ، ومَن كانت عنده أموالٌ مُتنوِّعةٌ قد أعدَّها للبيعِ والشراءِ فعليهِ إذا حالَ الحولُ ألاَّ يَستقصيَ في تقويمها، ولا يَعتبر ما اشتراها به، بل يَنظر إلى قيمتها وقْتَ إخراجهِ للزكاةِ، ومَن كانت عنده دُيونٌ عند الناسِ أو مُضارباتٌ فعليهِ أن يُخرِجَ عن أصلها ومكسبها وفائدتها، فإن جَهِلَ مِقْدارَ ما كَسَبَت فعليهِ أنْ يَحتاطَ حتى يَعْلَمَ براءةَ ذِمَّته، عَصَمَنا اللهُ وذُرِّيَّاتِنا مِن الْحَرَامِ، وهَيَّءَ لنا الرِّزقَ الْحَلالَ، ووَهَبَ لنا ولوالدينا وأهلينا والمسلمين مِن لَدُنه رَحْمَةً إنه هو الوهَّاب، آمين.


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

ألهاكم التكاثر

فَقَدْ ذَمَّ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ التَّبَاهِيَ وَالتَّفَاخُرَ بَيْنَ النَّاسِ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْعَدَدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ حُطَامِ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *