فضل الصدقة على الأقارب – طريق الإسلام

إن الصدقة على الأقارب من أعظم أنواع الإحسان والبر، فهي طريق إلى رضا الرب سبحانه، وزيادة في البركة في الحياة، وهي تزيد المحبة والتآلف بين الأقارب، وتعزز الروابط والعلاقات الأسرية…”

قال تعالى: {قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة: 215]، وأخرج البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما أنفق الرجل على نفسه وأهله وولده وخادمه فهو صدقة»؛ (رواه ابن ماجه).

 

الصدقة كلمة مأخوذة من الصدق، وهي دليل على صدق صاحبها في إيمانه، وهي: أن ينفق المرء من ممتلكاته في سبيل الله عز وجل، وهي غير محددة بقدر معين، بل بحسب رغبة المتصدِّق محتسبًا الأجر عند الله تعالى.

 

وللصدقة شروط وآداب، منها: أن تكون الصدقة لمن يستحقها؛ سواء كانت للأقارب أو لغيرهم من الفقراء، وألا يستصغر المؤمن مقدار صدقته حتى لو كانت بمقدار شق تمرة، ومنها: أن يخفيها ولا يتظاهر ويتفاخر بها، وأن تكون الصدقة بنية التطوع والتقرب إلى الله، وألَّا يتبعها منًّا ولا أذى، قال صلى الله عليه وسلم: «الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي القرابة اثنتان: صدقة وصلة»؛ (صحيح ابن ماجه).

 

تقول فتاة: توفي زوجي وعندي منه ثلاثة أطفال، حالتنا صعبة جدًّا بسبب تراكم الديون على زوجي المتوفى، بدأت مصاريف البيت والأولاد تتزايد عليَّ، أعلم أن أخي غني ويملك ما يكفيه وزيادة، لكني أستحي أن أطلب منه المساعدة؛ لأني لا أذكر منذ تزوَّجت أنه سألني مرة عن حالي وحال زوجي وأولادي؛ لذا اضطررت للعمل في بيوت الناس من أجل لقمة الأولاد وسداد ديون زوجي.

 

يا الله، أين هذا الأخ عن أخته، وأين الأب عن ابنته، وأين الابن عن أمه، وأين هؤلاء عن أقاربهم الفقراء، كيف يهنأ بطعام ونوم وقريبته تتضور جوعًا، وتنام خوفًا، وتصحو بألم وقساوة، أين هؤلاء من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة قاطع»؛ (رواه مسلم)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَرَّه أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصِلْ رحمه»؛ (رواه البخاري).

 

أيها الشباب، جاء في صحيح مسلم، عن زينب امرأة عبدالله بن مسعود أنها: سأَلت رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ: أيجزئُ عنِّي منَ الصَّدقةِ النَّفقةُ على زَوجي، وأيتامٍ في حجري؟ قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ: «لَها أجرانِ: أجرُ الصَّدقةِ، وأجرُ القرابةِ»، وأقرب القربى هما الوالدان ثم الأقرب فالأقرب، قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة: 215]، ومن القربى: النفقة على العيال، كما قال صلى الله عليه وسلم: «أفضل دينار ينفقه الرجل، دينار ينفقه على عياله»؛ (رواه مسلم)، بل حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من التقصير في النفقة عليهم، بقوله: «كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت»؛ (رواه أبو داود).

 

إن الصدقة على الأقارب من أعظم أنواع الإحسان والبر، فهي طريق إلى رضا الرب سبحانه، وزيادة في البركة في الحياة، وهي تزيد المحبة والتآلف بين الأقارب، وتعزز الروابط والعلاقات الأسرية، وهي أفضل من الصدقة على غيرهم، سواء كان الأقارب ممن تجب نفقتهم كالأبناء أو ممن لا تجب نفقتهم.

 

والصدقة على الأقارب لها أنواع عدة مثل:

• الصدقة الخفية والتي لا يعلمها إلا الله، وهذا النوع لن يجعل صاحبه يشعر بالخجل عند الحصول عليه، قال تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271].

 

• الصدقة في الصحة، وهو أن يتصدَّق الرجل وهو صحيح وسليم، جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قالَ: «أَنْ تَصَدَّقَ وأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الفَقْرَ، وتَأْمُلُ الغِنَى، ولَا تُمْهِلُ حتَّى إذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ: لِفُلَانٍ كَذَا، ولِفُلَانٍ كَذَا، وقدْ كانَ لِفُلَانٍ»؛ (رواه البخاري).

 

• الصدقة بعد تأدية الواجب من الزكاة، وهنا على المسلم أن يحرص على ما أمره الله من واجب الزكاة، ثم يتخير ما شاء من الصدقة.

 

• الصدقة بما يستطيع وإن كان قليلًا، كما قال صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة جهد المقل، وابدأ بمن تعول»؛ (أخرجه أبو داود).

 

• الصدقة على الجار القريب، فهو أولى من الغريب، قال تعالى: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ} [النساء: 36].

 

• الصدقة الجارية من أعظم البر، وهي التي تبقى بعد الموت ويستمر أجرها، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»؛ (رواه مسلم).

 

أخيرًا، لا تنسَ أيها المتصدِّق أن للصدقة فضلًا كبيرًا وفوائد عظيمة، منها: أنها تطفئ غضب الرب، وتمحي الخطيئة، وتقي المرء من دخول النار، والمسلم يكون يوم القيامة تحت ظل صدقته، وهي دواء لأمراض الجسم وقسوة القلب، والصدقة ترفع البلاء عن المسلم، وهي وسيلة لتطهير الأموال.

 

أسأل الله تعالى أن يكرمنا وإياكم بكل خير، وأن يعيننا على اغتنام أوقاتنا وأعمارنا وصحتنا وشبابنا فيما ينفعنا، وأن يجعلنا من المتَّبِعين لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يصلح لنا ولكم الذرية، وصلى الله على سيدنا محمد.

______________________________________________________
الكاتب: عدنان بن سلمان الدريويش


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

حُفاة القلوب – حميد بن خيبش

منذ حوالي ساعة وكيف يتردد ذكر هذه المضغة في أزيد من مئة وتسعين موضعا من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *