نعمل الخير بأيدينا وأيادي غيرنا (خطبة) – محمد سيد حسين عبد الواحد

اَلْعَمَلُ الصَّالِحُ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بَحْرٌ وَاسِعٌ : هُوَ كُلُّ قَوْلٍ يُرْضِي اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، هُوَ كُلُّ فِعْلٍ يُرْضِي اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .

اَلْعَنَاصِرُ الْأَسَاسِيَّةُ :
الْعُنْصُرُ الْأَوَّلُ : سَعَةُ وَكَثْرَةُ أَبْوَابِ الْخَيْرِ .
الْعُنْصُرُ الثَّانِي : بَرَكَةُ الدَّلَالَةِ عَلَى الْخَيْرِ .
الْعُنْصُرُ الثَّالِثُ : صُحُفُ الْأَعْمَالِ الَّتِي لَا تُغْلَقُ .
                    الْمَوْضُوعُ :
وَرَدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إِلَّا كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةً، وَمَا سُرِقَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ مِنْهُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا أَكَلَتِ الطَّيْرُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَلَا يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ » .

✍: أَيُّهَا اَلْإِخْوَةُ اَلْكِرَامُ : إِنَّ أَبْوَابَ اَلْخَيْرِ أَوْسَعُ مِمَّا تَتَخَيَّلُونَ ، وَإِنَّ مَصَارِيعَ أَبْوَابِ اَلْعَمَلِ الصَّالِحِ أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ مِنْ الْعَمَلِ مَا قَلَّ فَيُثِيبُهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ إِذْ لَا يَضِيعُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى شَيْءٌ . .

سَأَلَ أَحَدُ الصَّحَابَةِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَعْرُوفِ ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : « ” لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تُعْطِيَ صِلَةَ الْحَبْلِ، وَلَوْ أَنْ تُعْطِيَ شِسْعَ النَّعْلِ، وَلَوْ أَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ الْمُسْتَسْقِي، وَلَوْ أَنْ تُنَحِّيَ الشَّيْءَ مِنْ طَرِيقِ النَّاسِ يُؤْذِيهِمْ، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ وَوَجْهُكَ إِلَيْهِ مُنْطَلِقٌ، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ، فَتُسَلِّمَ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَنْ تُؤْنِسَ الْوَحْشَانَ فِي الْأَرْضِ، وَإِنْ سَبَّكَ رَجُلٌ بِشَيْءٍ يَعْلَمُهُ فِيكَ وَأَنْتَ تَعْلَمُ فِيهِ نَحْوَهُ، فَلَا تَسُبَّهُ فَيَكُونَ أَجْرُهُ لَكَ وَوِزْرُهُ عَلَيْهِ، وَمَا سَرَّ أُذُنَكَ أَنْ تَسْمَعَهُ، فَاعْمَلْ بِهِ، وَمَا سَاءَ أُذُنَكَ أَنْ تَسْمَعَهُ فَاجْتَنِبْهُ “» .

اَلْعَمَلُ الصَّالِحُ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بَحْرٌ وَاسِعٌ : هُوَ كُلُّ قَوْلٍ يُرْضِي اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، هُوَ كُلُّ فِعْلٍ يُرْضِي اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .

الْعَمَلُ الصَّالِحُ : هُوَ أَنْ تَأْتِيَ السُّلُوكِيَّاتُ وَالْمُعَامَلَاتُ وَالْعَادَاتُ وَالْعِبَادَاتُ خَالِصَةً لِوَجْهِ الْكَرِيمِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وَتَأْتِيَ أَيْضًا مُوَافِقَةً لِهَدْيِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

الْعَمَلُ الصَّالِحُ : هُوَ كُلُّ نِيَّةٍ صَادِقَةٍ ، هُوَ كُلُّ خُطْوَةٍ مُبَارَكَةٍ ، هُوَ كُلُّ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ . .

اَلْعَمَلُ اَلصَّالِحُ : هُوَ كُلُّ جُهْدٍ تَبْذُلُهُ ، وَكُلُّ طَاقَةٍ تَصْرِفُهَا فِي طَاعَةِ اَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .

الْعَمَلُ الصَّالِحُ : هُوَ أَنْ تَسْعَى لِتَنْفَعَ نَفْسَكَ وَتَنْفَعَ غَيْرَكَ ، وَتَقْضِيَ حَاجَتَكَ وَتَقْضِيَ حَوَائِجَ النَّاسِ . .

قُلْتُ : وَهَذَا جَانِبٌ مِنْ جَوَانِبِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي نَعْرِفُهُ وَهُوَ جَانِبُ ( الْفِعْلِ ) . .

وَلِلْعَمَلِ الصَّالِحِ جَانِبٌ آخَرُ وَهُوَ جَانِبُ ( اَلتَّرْكِ ) ، لِيَأْتِيَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِي كُلِّ ذَنْبٍ تَتَّقِيهِ ، وَفِي كُلِّ جَرْمٍ تَمْسِكُ عَنْهُ وَتَكُفُّ عَنْهُ خَوْفًا وَحَيَاءً وَخَشْيَةً لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .

هَذَا هُوَ مَفْهُومُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي نَعْرِفُهُ جَمِيعًا ، وَلَا نَخْتَلِفُ عَلَيْهِ ( أَنْ تَعْمَلَ خَيْرًا طَلَبًا لِثَوَابِ اللَّهِ ) وَهَذَا تُثَابُ عَلَيْهِ ، أَوْ ( أَنْ لَا تَفْعَلَ سُوءً خَوْفًا مِنْ عِقَابِ اللَّهِ ) وَهَذَا أَيْضًا تُثَابُ عَلَيْهِ . 

وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «قَالَتْ الملائِكَةُ: رَبِّ، ذاكَ عَبْدُكَ يُرِيدُ أنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً، (والله أبْصَرُ به) فقالَ الله للملائكة : ارْقُبُوهُ فإنْ عَمِلَها فاكْتُبُوها له بمِثْلِها، وإنْ تَرَكَها فاكْتُبُوها له حَسَنَةً، إنَّما تَرَكَها مِن جَرَّايَ» .

وقولُهُ عز وجل : ««إنَّما تَرَكَها من جَرَّايَ»، أي: من أجْلي، فصارَ تَركُه للسيئة -خوفًا منَ اللهِ تعالى ، ومُجاهَدةً لِنفسِه الأمَّارةِ بالسُّوءِ، وعِصيانًا لِهَواهُ- حَسنةً ، من أجل ذلك قال الله ” وإنْ تَرَكَها فاكْتُبُوها له حَسَنَةً، إنَّما تَرَكَها مِن جَرَّايَ “» .

أَنْ تَعْمَلَ خَيْرًا بِيَدَيْكَ هَذَا عَمَلٌ صَالِحٌ ، أَنْ تَجْتَنِبَ السُّوءَ اسْتِحْضَارًا لِعَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا أَيْضًا يَدْخُلُ مِنْ أَبْوَابِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي يُؤَجِّرُ صَاحِبُهُ . .

وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : {{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}} [سُورَةُ النَّحْلِ] .

لَكِنِّي الْيَوْمَ أَوَدُّ أَنْ أُحَدِّثَكُمْ وَأَدُلَّكُمْ عَلَى بَابٍ آخَرَ مِنْ أَبْوَابِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ :

وَهُوَ بَابُ الدَّلَالَةِ عَلَى الْخَيْرِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الدَّالَّ عَلَى الْخَيْرِ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ . .

قُلْتُ : وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَةُ سُورَةِ التَّوْبَةِ {{لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَىٰ وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}} [سورة التوبة] . 

نُزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْعَامِ التَّاسِعِ مِنْ الْهِجْرَةِ ، وَبَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ يُعِدُّ الْعُدَّةَ لِغَزْوَةِ الْعَسْرَةِ . . نَزَلَتْ الْآيَةُ فِي بَعْضِ الْفُقَرَاءِ وَالضُّعَفَاءِ وَأَصْحَابِ الْأَعْذَارِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ . .

قَعَدَ بِهِمْ الْفَقْرُ عَنْ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي مَوْضِعٍ ، وَقَعَدَ بِهِمْ الضَّعْفُ وَالْعُذْرُ عَنْ الْخُرُوجِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَكِنَّهُمْ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ لَمْ يَعْدِمُوا الْخَيْرَ وَلَمْ يَسْتَسْلِمُوا لِفَقْرِهِمْ وَضَعْفِهِمْ فَسَلَكُوا طَرِيقًا آخَرَ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ وَهُوَ أَنْ يَدُلُّوا غَيْرَهُمْ عَلَى الْخَيْرِ وَهَذَا مَا أَكَّدَتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ :
{{لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَىٰ وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ }} [سورة التوبة] . 

أَنْ تَدُلَّ غَيْرَكَ عَلَى الْخَيْرِ فَيَفْعَلُونَهُ فَيُثَابُونَ عَلَيْهِ وَتُثَابُ عَلَيْهِ مَعَهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْقِصَ مِنْ ثَوَابِهِمْ شَيْئًا ، أَنْ تَعَلَمَ غَيْرَكَ عَمَلَ الصَّالِحَاتِ فَيَعْمَلُونَهَا فَيُؤْجَرُونَ وَتُؤْجَرُ مَعَهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْقِصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ، مِنْ صَالِحِ الْعَمَلِ أَنْ تَأْخُذَ بِيَدِ غَيْرِكَ إلَى مَرْضَاةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . .

{{ لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}} [سورة النساء] .

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَامُ : مِنْ جَوَانِبِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ : دَلَالَةُ الْغَيْرِ عَلَى الْخَيْرِ . .

أَنْ تَدُلُّ غَنِيًّا عَلَى مَوْضِعٍ فِيهِ يَتِيمٌ يَكْفُلُهُ . .

أَنْ تَدُلُّ مَيْسُورًا عَلَى مَوْضِعٍ فِيهِ أَرْمَلَةٌ أَوْ فِيهِ مِسْكِينٌ فَيُوَاسِيهِ . .

أَنْ تَدُلُّ قَوِيًّا عَلَى مَوْضِعٍ فِيهِ ضَعِيفٌ يُسَاعِدُهُ . .

أَنْ تَدُلُّ طَالِبَ عِلْمٍ عَلَى مَجْلِسِ عِلْمٍ يَأْتِي إِلَيْهِ فَيَتَعَلَّمُ . .

أَنْ تَدُلَّ أَحَدَهُمْ عَلَى مَكْسُورٍ فَيُجْبِرَ خَاطِرَهُ . . 
أَنْ تَدُلَّ أَحَدَهُمْ عَلَى مَرِيضٍ فَيَعُودَهُ . .

 أَنْ تَدُلَّ أَحَدَهُمْ عَلَى مَكْرُوبٍ فَيَكْشِفَ عَنْهُ وَيُفْرِجُ عَنْهُ . .

هَذَا يُصَنَّفُ فِي خَانَةِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ أَنْ تَدُلَّ غَيْرَكَ عَلَى الْخَيْرِ فَيَفْعَلَهُ فَيُثَابُ هُوَ لِأَنَّهُ فَعَلَ وَتُثَابُ أَنْتَ لِأَنَّكَ هَدَيْتَهُ إِلَيْهِ . .

وَرَدَ عِنْدَ أَصْحَابِ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثٍ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ يَسْتَحْمِلُهُ، فَلَمْ يَجِدْ رسول الله عِنْدَهُ مَا يَحْمِلُهُ عليه ، فَدَلَّهُ رسول الله عَلَى رجل آخَرَ فَحَمَلَهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ أنه حمل ، فَقَالَ عليه الصلاة والسلام : ” إِنَّ الدَّالَّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ “

قُلْتُ : هَذِهِ دَعْوَةٌ لِأَنْ تَعْمَلَ الْخَيْرَ بِيَدَيْكَ وَبِيَدِ غَيْرِكَ ، وَأَنْ تُنْفِقَ النَّفَقَةَ مِنْ جَيْبِكَ وَمَالِكَ وَمِنْ جَيْبِ الْآخَرِينَ وَمِنْ مَالِ الْآخَرِينَ ، وَأَنْ تَكْسِبَ الْحَسَنَةَ بِجَهْدِكَ وَبِجُهُودِ غَيْرِكَ بِسَبَبِ أَنَّكَ أَنْتَ الَّذِي هَدَيْتَهُمْ وَأَنْتَ الَّذِي عَلَّمْتَهُمْ ، وَأَنْتَ الَّذِي أَخَذْتَ بِأَيْدِيهِمْ إِلَى هَذِهِ الصَّالِحَاتِ . .

وَلَيْسَ ثَمَّةَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْخَيْرِ أَنْفَعُ وَلَا أَبْقَى وَلَا أَعْظَمُ فِي أَثَرِهِ وَبَرَكَتِهِ مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَى كَمَالِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
أَنْ تَكُونَ سَبَبَ هِدَايَةٍ لِغَيْرِكَ . .

عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ :النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «” فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ “» .

أَنْ تَمْلَأَ قَلْبَ أَحَدِهِمْ أَمَلًا فِي اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، أَنْ تَضَعَ يَدَ أَحَدِهِمْ عَلَى سَعَةِ رَحْمَةِ اَللَّهِ تَعَالَى ، أَنْ تَأْخُذَ بِيَدِ أَحَدِهِمْ إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اَللَّهِ ، أَنْ تَجْلِسَ بِأَحَدِهِمْ فِي مَجْلِسٍ يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَيُصَلَّى فِيهِ وَيُسَلَّمُ عَلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . .

{{لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَىٰ وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ }} [سورة التوبة] . 

نَسْأَلُ اللَّهَ اَلْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ أَنْ يَرْزُقَنَا الْإِخْلَاصَ ، وَأَنْ يَتَقَبَّلَ مِنَّا جَمِيعًا صَالِحَ الْعَمَلِ . .

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
بَقِيَ لَنَا فِي خِتَامِ الْحَدِيثِ عَنْ الْعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي نَعْمَلُهُ بِأَيْدِينَا وَبِأَيْدِي غَيْرِنَا ، وَعَنْ النَّفَقَةِ الَّتِي نُنْفِقُهَا مِنْ جُيُوبِنَا وَمِنْ جُيُوبِ غَيْرِنَا بِالدَّلَالَةِ عَلَى الْخَيْرِ . . بَقِيَ لَنَا أَنْ نَقُولَ :

إِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَمُوتُ فِي يَوْمِهِ الْمَوْعُودِ وَبعد أَجَلِهِ الْمَحْدُودِ وَتَبْقَى صَحِيفَةُ عَمَلِهِ مَفْتُوحَةً يُكْتَبُ لَهُ فِيهَا مَعَ كُلِّ طَلْعَةِ شَمْسٍ وَمَعَ غُرُوبِهَا أَعْمَالٌ صَالِحَةٌ هَذِهِ الْأَعْمَالُ كَانَ يَعْمَلُ قَبْلَ الْمَوْتِ مِثْلَهَا ، ثُمَّ إِنَّهُ دَلَّ النَّاسَ عَلَيْهَا قَبْلَ مَوْتِهِ . .

يَمُوتُ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ يَوْمَ يَمُوتُ وَلَمْ تَزَلْ صَحِيفَةُ عَمَلِهِ لَا تُغْلَقُ بَلْ يُدَوِّنُ فِيهِ حَسَنَاتٍ مِثْلَ حَسَنَاتِ مَنْ عَلِمَهُمْ وَمَنْ هَدَاهُمْ وَمَنْ دَلَّهُمْ عَلَى الصَّالِحَاتِ . .

قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ” إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له ” .

قال جرير بن عبد الله : كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِ النَّهَارِ، فَجَاءَ قَوْمٌ عُرَاةً حُفَاةً مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ، بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ، فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ، فَأَقَامَ الصَّلَاةَ فَصَلَّى، ثُمَّ خَطَبَ، فَقَالَ : 
” {{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا }} ، وَ قرأ {{ اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ }}  
ثم رغب في الصدقة فقال : تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ “. حَتَّى قَالَ : ” وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ “. 

قال جرير : فَحَثَّ النَّاسَ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَأَبْطَئُوا حَتَّى بَانَ فِي وَجْهِهِ الْغَضَبُ،ثم جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، بَلْ قَدْ عَجَزَتْ، ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ ..
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ..

بَعْدَ سَمَاعِ هَذَا الْحَدِيثِ أَسْأَلُ هَذَا السُّؤَالَ : مَنْ ذَا الَّذِي سَنَّ هَذِهِ السَّنَةَ وَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا ؟ج / هو الرَّجُلُ الْأَنْصَارِيُّ الَّذِي جَاءَ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا ، بَلْ قَدْ عَجَزَتْ . .

لِمَاذَا هُوَ ؟
لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي فَتَحَ بَابَ الصَّدَقَةِ لِغَيْرِهِ ، جَاءَ بِشَيْءٍ قَلِيلٍ فَشَجَّعَ غَيْرَهُ ، فَلَمَّا رَأَوْهُ تَتَابَعُوا يَأْتُونَ بِصَدَقَاتِهِمْ . .

قَالَ جَرِيرٌ : حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ، وحَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «” مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ..»

نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ أَنْ يُشَرِّحَ صُدُورَنَا لِطَاعَتِهِ وَأَنْ يَرْزُقَنَا خَشْيَتَهُ إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَمَوْلَاهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .

——————————-
– جَمْعُ وَتَرْتِيبُ الشَّيْخِ / مُحَمَّدِ سَيِّدِ حُسَيْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ .
– إِدَارَةُ اوقاف القناطر الخيرية. 
– مديرية أَوْقَافِ الْقَلْيُوبِيَّةِ . مِصْرُ .
 


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

علِّق قلبك بالله واطمئنَّ – فاطمة الأمير

منذ حوالي ساعة كم مرة خِفنا من فقدان شيء نملكه، ونسينا أن المالك الحقيقيَّ هو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *