يرى الإسلام أن إطعام الطعام صنيعا محببا، فعندما سأل رجل النبي عليه الصلاة والسلام: أي الإسلام خير ؟ قال عليه الصلاة والسلام (« تطعم الطعام وتقرئ السلام على من عرفت ومن لم تعرف»
كتب الأستاذ: أشرف شعبان أبو أحمد
بسم الله الرحمن الرحيم
يرى الإسلام أن إطعام الطعام صنيعا محببا، فعندما سأل رجل النبي عليه الصلاة والسلام: أي الإسلام خير ؟ قال عليه الصلاة والسلام (« تطعم الطعام وتقرئ السلام على من عرفت ومن لم تعرف» وللعسقلاني في شرح هذا الحديث لفته حيث يقول : لم يقل علية الصلاة والسلام ( توكل الطعام ) لأن لفظ الإطعام يشمل الأكل والشرب والذواق والضيافة والإعطاء وغير ذلك….(1) بل يرى الإسلام إن إطعام الطعام من موجبات المغفرة واستحقاق نيل نعيم الجنة روى المقدام بن شريح عن أبية عن جده قال قلت يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة قال عليه الصلاة والسلام ( « إن موجبات المغفرة بذل الطعام وإفشاء السلام وحسن الكلام » )….(2) وقال عليه الصلاة والسلام ( « أيما مؤمن أطعم مؤمنا على جوع أطعمه الله يوم القيامة من ثمار الجنة وأيما مؤمن سقي مؤمنا على ظمأ سقاة الله من الرحيق المختوم وأيما مؤمن كسا مؤمن على عرى كساه الله من حلل الجنة » )….(3) وقد اعتبر عبد الله بن المبارك إطعام صبيين جائعين أفضل من التقرب إلى الله بحجه هو ومن معه فقد أعطاهم ما كان يدخره لنفقات الحج ثم قفل عائدا إلى بلدة وقال ( هذا افضل مما قصدنا إلية ) فقد رأى إن صيانة طفلين من الجوع والعرى والتشرد أفضل من التنفل بالطواف بالبيت والصلاة بالمسجد الحرام والوقوف بعرفات….(4)
وقد جأت آيات القرآن الكريم تنذر بالويل وتهدد بالعذاب في الدنيا والآخرة كل من لا يطعم المسكين أو يقسو على الفقير والمحروم ففي سورة المدثر وهي من أوائل ما نزل يعرض لنا القرآن مشهد من مشاهد الآخرة مشهد أصحاب اليمين من المؤمنين في جناتهم يتساءلون عن المجرمين من الكفرة والمكذبين وقد أطبقت عليهم النار فيسألونهم عما أنزل بهم من العذاب فكان من أسبابه ومن موجباته حسب إقرارهم إضاعة حق المسكين وتركه لأنياب الجوع والعرى تنهشه وهم عنه معرضون في ذلك يقول تعالى ( {كل نفس بما كسبت رهينة ألا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نكن من المصلين ولم نكن نطعم المسكين } ) [سورة المدثر الآيات 38-44 ] ولم يكتفي القرآن بالدعوة إلى إطعام المسكين ورعايته والتحذير من إهماله وإضاعته بل زاد على ذلك فجعل في عنق كل مؤمن حقا للمسكين إن يحض غيره على إطعامه والقيام بحقه وجعل ترك هذا الحق قرين للكفر بالله العظيم وموجبا لسخطه وعذابه في الآخرة في نار جهنم فيقول تعالى في شأن أصحاب الشمال في سورة الحاقة الآيات 25-29 {وأما من أوتى كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابية يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عني مالية هلك عني سلطانية } ثم يقضي فيه أحكم الحاكمين قضاءه العادل بالعقاب الذي يستحقه {خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه} [سورة الحاقة الآيات 30-32] ثم يذكر أسباب هذا الحكم الصارم فيقول {إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين } [سورة الحاقة الآيات 33-34 ] أي لا يحث غيره من أعضاء المجتمع على إطعام المسكين وإشباع حاجاته0 وقد جعل الله تعالى من علامات التكذيب بالدين قهر اليتم وعدم الحض على إطعام المسكين فقال عز وجل في [ سورة الماعون 1-3 ] {أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين } وفي سورة الفجر خاطب الله تعالى المجتمع الجاهلي المتظالم بقوله ( كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحاضون على طعام المسكين ) سورة الفجر الآيات 17-18 والتحاض تفاعل من الحض فمعنى لا تحاضون أي لا يحض بعضكم بعضا وفيه دعوه المجتمع كافه إلى التعاون والحض بل وإطعام المسكين وإذا كان أصحاب الشمال والجاهليون والمكذبون بالدين لا يحضون على طعام المسكين ولا يعنون بأمره فمن واجب المؤمنين والمصدقين بالدين إطعام المسكين والحض على اطعامه….(5) وإذا بات فرد واحد جائعا فالأمة تبيت آثمة ما لم تتحاض على اطعامه.
يقول علية الصلاة والسلام «ما آمن بي من بات شبعان وجاره إلى جانبه طاو- أي جائع-» ويقول صلى الله عليه وسلم «أيما آهل عرضه اصبح فيهم امرؤ جائعا فقد برئت منهم ذمه الله» وقال « أي رجل مات ضياعا بين أغنياء فقد برئت منهم ذمه الله ورسوله» فكل أهل بلد مسئولين مسئولية مباشرة عمن يتلفه الجوع مسئوليه جنائية يؤدون فيها الدية بوصفهم قتلة لذلك الذي أتلفه الجوع وهو بينهم مقيم.
وروى ابن الجوزي المتوفى عام 597هـ في كتابه عن سيرة عمر إن رجلا أتى أهل ماء فأستقساهم فلم يسقوه حتى مات عطشا فالزمهم الخليفة الفاروق دية على أساس إنهم إذا مانعوه عن حقه في ماء الله قتلوا نفسا ذكية دون حق.
فمن أشتد جوعه حتى عجز عن طلب القوت ففرض على كل من علم به أن يطعمه أو يدله على من يطعمه فإن امتنعوا عن ذلك اشتركوا جميعا في الإثم، فإذا جاع إنسان أو عطش أو مرض بحيث أشرف على الهلاك وجب على من يعلم بحاله أن يبادر إلى إنقاذه فان كان عنده فضل من طعام أو شراب أو دواء أو مال يشترى به ما يدفع الهلاك عن ذلك الإنسان وجب أن يدفعه إليه، فإذا امتنع كان لذلك المضطر أن يأخذه عنوة ويقاتله عليه فإن قتل كان على المانع القصاص وإن قتل المانع لم يكن على قاتله المضطر شئ، وعلى هذا اتفق العلماء قال ابن حزم: من عطش فخاف الموت فرض عليه أن يأخذ الماء حيث وجده وأن يقاتل عليه ولا يحل لمسلم اضطر أن يأكل ميته أو لحم خنزير وهو يجد طعاما فيه فضل عن صاحبه لأن فرضا على صاحب الطعام إطعام الجائع فإذا كان ذلك كذلك فليس بمضطر إلى الميتة ولا إلى لحم الخنزير وله أن يقاتل عن ذلك فإن قتل الجائع فعلى قاتله القود أي القصاص وإن قتل المانع فإلى لعنة الله لأنه منع حقا وهو طائفة باغية قال تعالى في سورة الحجرات آية 9 {فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله} ومانع الحق باغ على أخيه الذي له الحق….(6) ومعنى ذلك إن الإسلام أباح للفرد إن يقاتل ويقتل من في يده طعامه أو شرابه إذا منعه عنه وهو في حاجه ماسة إليه لأنه كحق الدفاع عن الحياة وقد ذهب الأمام ابن حزم إلى أكثر من ذلك حيث اعتبر إن أهل المحلة التي يموت فيها فرد من الجوع كلهم قتله له تؤخذ منهم ديته بوصفهم هذا لأن الجماعة ملزمة بكفالة كل فرد فيها وتوفير الكفاية المعيشية له عن طريق الإلزام لا عن طريق الإحسان….(7)
والإنسان يأثم إذا ما فرط في توفير مقومات الحياة له من غذاء وكساء حتى ولو اضطر في سبيل ذلك إلى القتل والقتال فهو فائز بإحدى الحسنتين إن انتصر كان مأجورا بأدائه واجبا شرعيا هو الحفاظ على حياته وإن قتل فهو شهيد….(8) المالكية والظاهرية رأوا إن الفقراء ينبغي عليهم إن يطالبوا بحقهم في المال فإذا لم يعطوا ذلك الحق فلهم إن يثوروا استنادا إلى الحديث النبوي ( إذا بات مؤمن جائعا فلا مال لأحد ) روى يحيي ابن أدم في كتابه الخراج إن قوما اشتكوا إلى عمر أعرابا في الصحراء لم يعطوهم دلوا ولا رشاءا ولم يدلوهم على الماء فقال لهم عمر: أفلا وضعتم فيهم السلاح؟! وروى الفقيه أبو بكر أحمد بن علي المعروف بالجصاص المتوفى عام 370هـ إن عمرا كتب لعماله يقول في جائع سرق من بيت المال: ليس عليه قطع له فيه نصيب ومنطق عمر في هذه السابقة إن بيت المال يملكه فقراء المسلمين فكيف تقطع يد فقير جائع إذا امتدت يده إلى نصيبه في بيت المال الذي يملكه وأمثاله من الجوعي والمساكين….(9) وبعد هذا الموجز المبسط عن مكانه إطعام الطعام في الإسلام يتضح لنا إن موت العشرات أو حتى الآحاد يوميا من الجوع ليس من الإسلام في شيء وسنأثم جميعا عن ذلك.
المراجع
(1) دراسة إسلامية في العمل والعمال لبيب السعيد ص77-78
(2) إحياء علوم الدين أبى حامد الغزالي ج3 ص229
(3) الحرمان والتخلف في ديار المسلمين نبيل صبحي الطويل ص62
(4) اشتراكية الإسلام مصطفي السباعي ص392
(5) مشكله الفقر وكيف عالجها الإسلام يوسف القرضاوي ص112-116
(6) العدالة الاجتماعية في الإسلام سيد قطب ص76وص152 & اشتراكية الإسلام مصطفي السباعي ص191-193 & العدالة الاجتماعية في الإسلام سيد قطب ص245 & لا للفقر في ظل القرآن أحمد سعيد ص275-276
(7) السلام العالمي والإسلام سيد قطب ص141
(8) الغزو الفكري وهم أم حقيقة محمد عمارة ص129
(9) لا للفقر في ظل القرآن أحمد سعيد ص275-276
Source link