نصحيتي لنفسي ولك أن نبني تصوراتنا للكون والحياة والنجاح من القرآن، وعلينا أن نعظم ما عظمه الله ورسوله ، وتحقر ما حقره الله ورسوله.
ثمة همةٌ لا يحدثك عنها أحد من المتاجرين في مفهوم النجاح في قاعات الفنادق وغيرهم، فهي همة قل أن يُنبه عليها، لأن بابها التوفيق الإلهي والاصطفاء، ولأن ثمرتها آجلة تحتاج إلى يقين يرى وعد الله رأي العين، وما عظمت منزلة اليقين إلا بذلك.
نعم، إن أعلى الهمم هي الهمة التي سمت إلى رضوان الله وطلب الفردوس الأعلى ورؤية وجه الله الكريم في الآخرة.
ولك أن تتخيل أنك تعيش حياتك الأبدية في الفردوس الأعلى متنعمًا بالنعيم الذي لا عين رأته، ولا أذن سمعته، ولا خطر على قلب بشر. أليس أعقل الناس وأكيسهم من سعى لذلك وشمّر إليه، وكم يعجبني قول الإمام الشافعي: (لو أوصى رجل لأعقل الناس لصرف للزهاد).
إي وربي.. وهل هناك أعقل ممن سعى لعمارة مستقبله الأبدي، والنجاة من جحيم جهنم. فحينما نرى رجلًا يواصل سواد الليل ببياض النهار في تحصيل علم دنيوي أو براءه اختراع أو تحصيل شهادة عالية، وهجر لأجل ذلك الملذات والمسامرات نصفه بأنه عالي الهمة وصاحب عقل أليس كذلك؟
قرأت سيرة ذاتية لعالم عربي نال جائزة نوبل، وحصد كثيرًا من الجوائز، وكيف أنه بذل جهدًا عظيمًا ودأبًا منقطع النظير لنيل هذه الجائزة، وتسجيل اسمه في قائمة من ظفروا بها، كنت أتعجب من
جلده وصبره وتضحيته لأجل ذلك، ولاريب أن التضحية لأجل معالي الأمور في طلب علم أو تحصیل رزق وغيره مما تتطلبه الحياة أمر محمود، وإذا استُحضرت النية في ذلك كان نورًا على نور. بيد أن هناك خللا في تفكير بعض الناس، وغفلة نسجها الشيطان حول تصوراتهم وهو حصر الهمة العالية في هذا الأمر، وأنه النموذج الأعلى للنجاح.
حسنًا، لنرى ما هو النموذج الذي ذكره الوحي ونوه به للفوز والنجاح…
قال الله: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدخِلَ الجَنَّةَ فَقَد فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنيا إِلَّا مَتَاعُ الغُرورِ}. وقال الله: {وَعَدَ اللَّهَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجري مِن تَحْتِهَا الأَنهارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً في جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضوانٌ مِنَ الله أَكبَرُ ذَلِكَ هُوَ الفَوزُ الْعَظِيمُ} نصحيتي لنفسي ولك أن نبني تصوراتنا للكون والحياة والنجاح من القرآن، وعلينا أن نعظم ما عظمه الله ورسوله ، وتحقر ما حقره الله ورسوله.
إن هذه الدنيا التي جعلوها غاية ومقصدًا هي في الحقيقة فتنة واختبار قال اللَّهِ {إِنَّا جَعَلنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لهَا لِنَبْلُوَهُم أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلًا} استحضر دومًا هذا المعنى، وانقش هذه الآية في سويداء قلبك، ولا يستخفنّك الذين لا يوقنون.
________________________________________
الكاتب: طلال الحسان
Source link