متى غُسلت؟ متى ودّعوك؟ متى استُخرجت التصاريح؟ متى حدث كل هذا؟
في غمضة عين…
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله:
كاتبني في تمام الثانية وأربع وعشرين دقيقة يستأذن في النظر إلى مقال ونشره ، والمقال ما هو إلا تعبير عن موقف كتبه بفؤاده قائلا:
في المستشفى بالأمس، وبين وجوه الألم، لمحتُ سيدة مسنّة، من ملامحها وهيئتها بدا واضحًا أنها ليست على دين الإسلام. كانت شاحبة الوجه، تائهة النظرات،تحملها المرافقين وكأنها على مشارف الرحيل عن هذه الدنيا…
تساءلتُ في قلبي:
* ماذا لو نطقت الشهادة قبل أن يُغلق باب التوبة؟
* ماذا لو كانت هذه اللحظة فرصتها الأخيرة؟
هي نموذج لـ 150,000 إنسان يموتون يوميًا…
نسبة المسلمين فيهم ما يقارب 25% فقط ، أي أن أكثر من مئة ألف نفسٍ تُغادر الحياة دون أن تهتدي لدين الإسلام.
تذكرتُ حرص رسول الله ﷺ على كل نفس بشرية.
فحين مرّت به جنازة يهودي، قام لها، فقيل له: إنها جنازة يهودي!
فقال: «”أليست نفساً؟”» [رواه البخاري].
نعم، أليست نفساً؟
كل نفس لها حق أن يُعرض عليها نور الإسلام.
بل انظر إلى رحمته ﷺ، حين زار غلامًا يهوديًّا يخدمه وكان مريضًا، فجلس عند رأسه وقال له: «”أسلم”، فنظر الغلام إلى أبيه، فقال له: أطع أبا القاسم. فأسلم الغلام، فخرج النبي ﷺ وهو يقول: “الحمد لله الذي أنقذه من النار“» [رواه البخاري].
تأمل حرص الرسول على أن يهدي به الله إنسان حتى لو كان غلام يهودي صغير .
تأملتُ بعدها في نفسي…
* ربما لم تُسلِم هذه العجوز… ليس لأنها لم تسمع، بل لأنها لم ترَ الإسلام فينا كما ينبغي!
* ربما لم تجد في تعاملنا صدق الرحمة، ولا جمال الأخلاق، ولا وضوح الدعوة.
* ربما قصّرتُ أنا وغيري من المسلمين ، في أن نُظهر لها الإسلام كما جاء به محمد ﷺ.
إننا كمسلمين مسؤولون عن تبليغ هذا الدين، لا بالكلام فقط، بل بالخلق، والرحمة، والمعاملة الطيبة .
رب كلمة بسيطة تُنقذ إنسانًا، ورب صمت يُفوّت فرصة لا تُعوّض.
اللهم استعملنا ولا تستبدلنا.
اللهم اجعلنا سبباً في هداية من ضل، ونورًا في طريق من يبحث عن الحق. أ هـ
بعدما تم نشر المقال فوجئت بمن يخبرني بأن صاحب المقال دفن بعد صلاة المغرب أي أنه كتب هذه الكلمات قبل وفاته بدقائق لتكون حجة له عند الله يوم القيامة ونحسبها حسن خاتمة، مع العلم أن كاتب السطور في التاسعة والأربعين وكان يمر بوعكة عادية.
رثاه من أخبرني بوفاته المفاجئة وهو المهندس علي السيد كاتباً:
على غير العادة
كم كان فراقك سريعًا…
هل كنت تدري أن ملك الموت سيكون على عتبة بابك بعد دقائق معدودات؟
أتخيّل، ما هذه الدفنة التي جاءت بهذه السرعة!
آخر رسالة بعثتها لي كانت قبل العصر بأربعين دقيقة فقط.
وبعثت لك رسالتين في حوالي الساعة الخامسة منتظر ردك
اتخيل في هذا الوقت على أي حال كنت
هل كنت ودعت هذا العالم الذي كنت فيه بيننا تنشر رسالتك وعلمك
كنت أنتظر كالعادة أن ترد علي في اليوم التالي وتقول لي:( عودة بقوة وكان تعب شديد شوية ولكن الحمدلله نرجع أقوى والحمدلله ودعواتك)
ولكن على غير العادة – فقد كنت أقرأ منشورا مكتوبا على صفحتك كالعادة تنشر شيئا قبل أن ترد على رسائلنا –
وكنت أردد في خاطري يااه ياهندسه لو ترد علينا قبل ما تكتب البوست .
لكن لم أكن أعلم أنه قبل أن أقرأ البوست
أنه ستكون أنت خبر اليوم سيكون حسابك وصورتك ولكن ليس أنت من كتبت
متى غُسلت؟ متى ودّعوك؟ متى استُخرجت التصاريح؟ متى حدث كل هذا؟
في غمضة عين…
كنت بيننا قبيل العصر،
وها نحن، مع أذان المغرب، قد كانت دفنتك وجثمانك الطاهر.
رحم الله الفقيد، وأسكنه فسيح جناته، وجعل قبره روضة من رياض الجنة
فاللهم أحسن خاتمتنا أجمعين.
صفحة الأستاذ إبراهيم حسن صالح رحمه الله :
Source link