هَمَسات .. في كلمات … (35) – سالم محمد

سلسلة (هَمَسات .. في كلمات) في إطلالتها الـ (35) بفضل الله العليم الخبير سبحانه

 

سلسلة (هَمَسات .. في كلمات) في إطلالتها الـ (35) بفضل الله العليم الخبير سبحانه:

الشركات عندما تفتح باب التسجيل للوظائف الشاغرة فإن تهتم بجانب الخبرة بالإضافة إلى الشهادة، فكثير من الأعمال تتطلب الخبرة ولا تحتاج إلى شهادة، وغني عن التعريف الأهمية القصوى للخبرة في أي مجال، والحديث هنا موجه إلى الآباء، فأبناؤهم مقبلون على دخول معترك الحياة الصعب والمعقد ولكي يتسلح الابن بالخبرة اللازمة لخوض غمار الحياة، فيحتاج مخالطة الناس والتعلم ميدانيًا من خلال التجربة في أرض الواقع، ومن الأفكار الجميلة أن يختار ولي الأمر عملًا مناسبًا لولده عند أشخاص أمناء ثم لا بأس أن يدفع هو المال إلى صاحب العمل دون أن يشعر الابن، فيأخذ الابن المال من أبيه بطريقة غير مباشرة بالإضافة إلى اكتسابه مهارات عديدة كالاستقلال في تحصي المال وترك حياة اللهو واللعب والتعامل مع أصناف مختلفة من الناس ومعاشرتهم وغير ذلك من الفوائد وهذا مفيد جدًا للابن في مستقبل عمره، فهو يكسب الابن فوائد كثيرة بأثر عميق ومؤثر، ولنا في المربي الأعظم صلى الله عليه وسلم الأسوة فقد اشتغل بالرعي صغيرًا وسافر وعمل بالتجارة يافعًا، وشارك في الحروب شابًا.

********

إذا أردت أن تعطل طاقة ما سواء لفرد أو جماعة أو حتى طاقة أمَّة، فعليك أن تزرع في نفوسهم اليأس، فهو كفيل بأن يكبل طاقاتهم بل ربما دفعهم إلى تثبيط غيرهم، والمسلون اليوم في حالة من الضعف الشديد والهوان المرير، فدماؤهم أرخص الدماء، وأعراضهم أبخس الأعراض، وأرضهم مستباحة، وثرواتهم منهوبة، ولا يتحكمون حتى في وضع قوانينهم، وهذا الواقع المرير ليس علاجه باليأس والقنوط والقعود والتثبيط، ولكن بالأخذ بالأسباب المتاحة مهما كانت ضعيفة واليقين بوعد الله والالتجاء إليه، فالحل الأمثل للواقع المرير هو العمل لا اليأس، ونحن مأمورون بالمشي في الطريق لا الوصول إلى غايته، فكل فرد منا يستطيع عمل الكثير والكثير، فعليه أن  يبدأ بنفسه ويثنِّي بمن له عليه ولاية من أبناء وزوجه وعمال وغيرهم، فاليأس يزيد الأمر سوءً والأعداء تمكنًا، والطاقات تعطيلًا، فلا تيأسوا من نصر الله فالعاقبة للمتقين،  { وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ}   [الأنعام: 34)]

********

لو نظرنا إلى القرآن الكريم كتاب الله الذي فيه كلامه وأنزله هداية للناس وجعل اتِّباعَه أمان لهم من الشقاء والضلال وحياة طيبة في الدنيا وسعادة أبدية في الآخرة، لوجدنا ما يقارب الثلث منه قصص بمعنى آخر تاريخ، وبهذا نعرف المكانة الجليلة والمنزلة الرفيعة لعلم التاريخ، وبفضل الله تزخر المكتبة الإسلامية بمؤلفات عديدة حوت أحداثًا تاريخية منها مثلا كتاب البداية والنهاية لابن كثير رحمه الله، لكن ماذا لو عمد طالب علم أو باحث إلى كتاب تاريخ مثل الكتاب المذكور آنفًا، بحيث يأخذ كل حدث ويعلق عليه بأهم الفوائد والعبر وماذا كان ينغي فعله أو لا ينبغي فعله في واقعة ما، وما هي المخالفات الشرعية في الحدث التي تسببت في وقوع مكروه أو مأساة ما، ثم ذِكْر الموقف الشرعي الصحيح الذي كان ينبغي العمل به، بهذه الطريقة يكون التاريخ روحًا تنبض بالحياة ونبراسًا لحاضر الأمة ونورًا لمستقبلها وتتجنب به تكرار الوقوع في الأخطاء، كما أن دليل لكل أحد خصوصًا المصلحين والحكام للتصرف المناسب في المواقف المشابهة، فنسأل الله أن يقيض لكتب التاريخ من يجعل عبرها ودروسها مصابيح في متناول  الجميع.

********

إذا ذُكِرت الصدقة تتجه أذهان الكثير إلى الجيوب والأرصدة وما فيها من مال، أي أنهم يضيِّقون مفهوم الصدقة بالنوع المالي، والجُود بالمال من أفضل أنواع الصدقة إلا أن للصدقة أنواعًا كثيرة غير بذل الدراهم والدنانير، والإشارة هنا ستكون لنوع قلَّ أن يحسبه الناس من الصدقة، حيث لا مال ينفق، ولا جهد يبذل، ولا حتى لسان يتحرك، فقط «(تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ)»   نعم هكذا قال المصطفى صلى الله عليه وسلم ثم أردف بقوله: «(فإنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقُ بهَا علَى نَفْسِكَ)»   فسبحان الله! ما عظم الإسلام، إنك عندما (تَدَعُ النَّاسَ مِنَ الشَّرِّ فإنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقُ بهَا علَى نَفْسِكَ) ما نقص مالك، وما أتعبت نفسك وما تفوهت بكلمة، فما أيسر هذه الصدقة على من يسرها الله عليه فهي مما لا يَعجِزُ عنه أحَدٌ، حتى لو كان لا يجد قوت يومه، كما أن انتشار هذه الصدقة بين الأسر وفي المجتمعات يجعلها تعيش في بحبوحة من الأمان والتراحم، والثواب من الكريم سبحانه.

.********

إذا أردت مثالًا على محرم مقطوع بتحريمه كأنه أشبه ما يكون بالحلال فهو الربا،، مع أن الله تعالى قال {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] ) وكذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم «(لعَنَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ آكِلَ الرِّبا، ومُؤْكِلَه، وكاتِبَه، وشاهِدَيْه، وقال: هُم سَواءٌ)» (أخرَجه مسلمٌ (1598)) فالربا جريمة شنعاء وظلم صريح وأكل لأموال الناس بالباطل إلا أنه مستشري في الناس ولا يكاد توجد دوله لا تمارسه وتشجعه فضلًا أن تمنعه، ومما لا ينتبه له كثير من المسلمين أن يحملوا أشياء تروج لهذا الظلم الصارخ كالملابس فيها أسماء بنوك وهذا من التعاون على الإثم والعدوان والركون إلى الذين ظلموا وقد نهانا الله تعالى عن ذلك بقوله { (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ)} فباب الربا والله المستعان- ولغ فيه الحاكم قبل المحكوم والشريف من الناس قبل الوضيع، والصائم المصلي قبل التارك لصلاته وصيامه إلا من رحم ربك.

. وصلى الله على المصطفى وعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين والتابعين لهم بإحسان.


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

الازدواجية وتهاوي الأقنعة – محمد العوضي

منذ حوالي ساعة ‏من أكثر المشاهد خزيًا في واقعنا العربي: تلك الازدواجية الصارخة، والانفصام القيميّ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *