حكاية لا تصح مذكورة في ترجمة العلامة ابن باز – محمد بن علي بن جميل المطري

هذا ما ظهر لي في تحقيق هذه الحكاية، ويكفي في ترجمة الشيخ ابن باز ما ثبت عنه من الأخبار الصحيحة الكثيرة التي تبين سعة علمه وفضله، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

 

العلامة عبد العزيز بن باز المتوفى سنة 1420 رحمه الله كُتِبت في ترجمته عدة كتب نافعة ماتعة، فيها بيان سعة علمه، وعبادته، وخشوعه، وجهوده العظيمة في الدعوة والتعليم ونفع المسلمين، فهو بحق إمام من أئمة الإسلام في هذا العصر، وقد أكرمني الله بحضور بعض دروسه في مسجده في حي العزيزية بمكة المكرمة في موسم حج عام 1417 للهجرة، وانتفعت برؤيته وسؤاله وسماع نصائحه، وقد ذكر بعضهم أن الشيخ ابن باز سئل عن أفضل كتاب قرأه فقال: شرح صحيح مسلم للنووي، وأنه قرأه ستين مرة!

وكنت ممن ينقل هذه الحكاية في فضل شيخنا ابن باز، وبيان سعة علمه، وبيان أهمية شرح صحيح مسلم للعلامة النووي رحمه الله، وهو مطبوع في 9 مجلدات، ولا شك في أهمية شرح صحيح مسلم للنووي، وقد قصد النووي به إفادة المبتدئين وغيرهم في علم الحديث رواية ودراية، وفي فقه الأحاديث، وقد وفقني الله لتلخيص غالب شرح صحيح مسلم للنووي بخط يدي في بداية طلبي للعلم، واستفدت كثيرًا منه، فهو بحق من أحسن كتب شروح الأحاديث، ولكن تبين لي أن حكاية قراءة الشيخ ابن باز لهذا الكتاب ستين مرة لا تصح، وقد بحثت عن مصدر هذه الحكاية فوجدت أن الشيخ إبراهيم بن عبد الله الحازمي ذكرها في كتابه سيرة وحياة العلامة الشيخ ابن باز في المجلد الثاني ص 610، نقلًا من مقال منشور للدكتور خليل بن عبد الله الخليل في مجلة الرياض العدد 11281 بتاريخ 28 محرم سنة 1420 هـ، أي بعد وفاة الشيخ ابن باز بيوم واحد، وكتب الدكتور خليل هذا المقال وهو في أميركا في مدينة لوس أنجلوس، ونص كلامه: “ليس بمستغرب أن تكون لديه سعة اطلاع على كتب العلم، فوقته مسخَّر لذلك، وقد ذكر منذ أكثر من خمسة عشر عامًا عندما سئل عن كتاب قرأه وأحبه فقال: شرح النووي لصحيح مسلم، وذكر أنه قرأه كاملًا أكثر من 60 مرة“.

فالدكتور خليل هو أول من ذكر هذه الحكاية بعد موت الشيخ ابن باز بيوم واحد، ثم نقل هذه الحكاية الدكتور عبد العزيز بن محمد السدحان في كتابه الإمام ابن باز دورس ومواقف وعبر ص30، ونص كلامه: “وسئل عن أحسن كتاب قرأه فقال: شرح النووي على مسلم، وذكر الناقل أن الشيخ قال: قرأته أكثر من ستين مرة”، وتتابع كثير من محبي الشيخ ابن باز على ذكر هذه الحكاية، كالشيخ المحقق علي العمران وغيره.

والظاهر أن هذه الحكاية لا تصح، وناقلها واهِمٌ، فهي حكاية غريبة شاذة، فالشيخ ابن باز كان كفيف البصر، وكان مشغولًا جدًا منذ شبابه بالتعليم والقضاء والإفتاء وغير ذلك مما هو معلوم في ترجمته المفصَّلة، وكانت تُقرأ عليه بعض الكتب في المساجد أو مكتبته أو في أثناء سفره كما ذكر ذلك من خالطه وجالسه، وهذه الحكاية تفرد بروايتها ناقل واحد، ولم يتابعه غيره فيما نعلم من كبار طلاب الشيخ ابن باز، ولا نقلها أيضًا أحدٌ من أبناء الشيخ ابن باز، ومنهم الشيخ أحمد بن عبد العزيز بن باز، وقد ذكر الشيخ محمد بن موسى الموسى مدير مكتب الشيخ ابن باز أهم الكتب التي قرئت على الشيخ ابن باز، فلم يذكر منها شرح صحيح مسلم، وهو من أكثر من لازم الشيخ ابن باز في بيته ومكتبته وعمله وسفره لمدة 17 عامًا، يُنظر كتاب: جوانب من سيرة الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله رواية محمد بن موسى الموسى مدير مكتب سماحة الشيخ إعداد الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد.

هذا ما ظهر لي في تحقيق هذه الحكاية، ويكفي في ترجمة الشيخ ابن باز ما ثبت عنه من الأخبار الصحيحة الكثيرة التي تبين سعة علمه وفضله، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

الغيبة عند طلاب العلم! – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة شبكة وقع فيها الصالحون، فضلا عن غيرهم. وأقبح الغيبة أن تكون غيبة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *