لماذا لا نتغير بالقرآن؟ – طريق الإسلام

القرآن كتاب الله وحبله الممدود الذي أمرنا الله أن نستمسك به؛ فقال: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِي إِلَيْكَ} [الزخرف: 43]، وفيه الموعظة والهداية والشفاء والرحمة؛ كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}

القرآن كتاب الله وحبله الممدود الذي أمرنا الله أن نستمسك به؛ فقال: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِي إِلَيْكَ} [الزخرف: 43]، وفيه الموعظة والهداية والشفاء والرحمة؛ كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57].

 

وهو روح للقلب، كما أن الروح للجسد، وهو النور لنا في ظلمات الجهل والحيرة: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52].

 

وفيه ذِكرنا وشرفنا ومجدنا؛ كما قال تعالى: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء: 10]، وهو نعمة لا نُقدِّرها قدرها ولا نعرف قيمتها: {وَلَوْ شِئْنَا لَذَهَبْنَا بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الإسراء: 86].

 

وهو الذي يرفع أرواحنا التي تخلد إلى الأرض؛ كما قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الأعراف: 175]، وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ﴾ [الأعراف: 176]، ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا ﴾ [الأعراف: 176]: أي: إن آياتِ الله رفعةٌ وسموٌّ للروح من الإخلاد إلى الأرض بماديات الدنيا.

 

وقد عرَف الصحابة قدرَه العظيم، وتعاملوه معه على أنه كتاب هداية ومنهج حياة يسيرون عليه، كما وصفت السيدة عائشة النبي: ((كان خلقه القرآن))، ويتعاملون معه على أنه رسائلُ من الله لهم، وهم مخاطبون بها؛ لذلك كانوا وقَّافين عند حدود الله، كما حدث مع سيدنا أبو بكر لما منع النفقة عن مِسطح؛ لأنه تكلم عن ابنته السيدة عائشة في حادثة الإفك؛ فلما قرأ قوله تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22]، قال: “بلى والله، إني لأحب أن يغفر الله لي”، ورجع فأعطى مِسطحًا ما كان يعطيه من قبل.

 

وكان رضي الله عنه إذا غضِب، فذُكِّر بآية: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134]، يرجع عن غضبه، يعفو ويصفح.

 

لذلك تغيَّروا به من الكفر إلى الإيمان؛ لأنه أعاد تشكيل أفكارهم، وعقولهم، ومشاعرهم، وقلوبهم، وسلوكهم، وأجسادهم، وهمومهم، وآمالهم، وقيمهم، وأخلاقهم.

 

أما نحن، فنسمع: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا} [النور: 30]، ولا نتغير بها فنغض أبصارنا.

 

نسمع: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} [آل عمران: 134]، فلا نكظم غيظنا، ولا نمتثل لهذا الخلق.

 

نسمع القرآن يتحدث عن النار، فلا نتأثر، ولا نعتبر أنفسنا داخلين في الخطاب.

 

نسمع القرآن ينادي على الذين آمنوا، فلا ننتبه لما يأمرنا به بعدها.

 

وذلك لأننا لا نتعامل معه على أنه كتاب هداية من ربنا، بل همُّ أحدنا وهمَّته أن يصل إلى آخر السورة وآخر الختمة، دون أن يعي منها حرفًا أو معنًى يخاطب قلوبنا ويؤثر فيها، نقرؤه كقراءة الجرائد والروايات، بل قد نركز في قراءة الأخبار والقصص والروايات أكثر مما نركز في سماع وقراءة القرآن، لا نقرؤه على مكث كما أمرنا الله، بل على استعجال، فمن ثَم لا يُحدث تغييرًا في قلوبنا وسلوكنا، فيا حسرة على حالنا مع القرآن!

 

مشكلتنا مع القرآن، خاصة في رمضان، أننا نتعامل معه على أنه كتاب لجمع الحسنات عن طريق القراءة فقط، لا نتعامل معه على أنه كتاب هداية لأرواحنا، وتأثير لقلوبنا، وبصائر لعقولنا، وتغيير لجوارحنا، وشفاء لأجسادنا.

 

الكتب التي يكتبها البشر قد تكون كتبَ معلوماتٍ وأفكار، أو كتب مشاعر وأحاسيس، أو كتب قصص وروايات، أو كتب تغيير للسلوكيات، والقرآن يجمع كل ذلك؛ ففيه القصص والتاريخ، والمعلومات الغيبية المستقبلية، وبه المواعظ والهدايات التي تخاطب القلب وتؤثر فيه، وبه طرق التغيير التي تغيِّر السلوكيات.

 

وحتى الكفار كانوا يتأثرون بسماع القرآن، كانوا يتسللون سرًّا لسماع تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن؛ لأنهم كانوا يدركون بلاغته وتأثيره القويَّ.

 

حتى نساؤهم وأطفالهم كانوا يتأثرون بالقرآن، فقد ورد أن النساء والأطفال من المشركين كانوا يسمعون قراءة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكان ذلك سببًا في اعتراض قريش على صلاته وقراءته للقرآن في بيته.

 

عندما قرر أبو بكر الصديق رضي الله عنه أن يبني مصلًّى في فناء داره بمكة، كان يصلي فيه ويقرأ القرآن بصوت خاشع ومؤثر، فكان الناس يلتفُّون حوله لسماع تلاوته، حتى إن نساء المشركين وأبناءهم تأثروا بذلك، مما أقلق سادة قريش، فذهبوا إلى ابن الدغنة – وكان قد كفل أبا بكر ليحميه – وطلبوا منه أن يمنعه، لأنهم خافوا أن يفتتن النساء والأطفال بالقرآن، فأخبر ابن الدغنة أبا بكر بأن يكفَّ عن ذلك، أو يرد إليه جواره – أي: حمايته – فاختار أبو بكر أن يرد إليه جواره، وقال: “أرضى بجوار الله”، واستمر في عبادته ودعوته.

 

وهذا جبير بن مُطعم يقول عندما كان مشركًا: “سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: 35]، كاد قلبي أن يطير”؛ [رواه البخاري].

 

فإذا كان هؤلاء المشركون يتأثرون بالقرآن، فما بالنا نحن لا نتأثر؟

 

هل قست قلوبنا فكانت كالحجارة أو أشد قسوة؟ فإن الجبال أيضًا تخشع لذكر الله؛ كما في قول الله تعالى: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الحشر: 21].

 

ولكن كيف نُغير تعاملنا مع القرآن، ونبنيَ علاقة صحبة ومعايشة جديدة معه في رمضان وبعد رمضان؟

 

أولًا: لا بد أن نفرح بالقرآن: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58]، وأي رحمة وفضل أعظم من أن يمتن الله علينا بإنزال كتابه نورًا وهداية إلى الصراط المستقيم، فلم يتركنا تائهين بلا نور يهدينا للجنة؟ فكما يفرح الناس بقدوم رمضان ليستمتعوا بمشاهدة المسلسلات الرمضانية، والبرامج الترفيهية المُعَدَّة لإبعاد الناس عن سماع القرآن، كما كان يفعل كفار قريش بأن يُعطوا من يدخل مكة قُطنًا ليضعه في أذنه؛ لئلا يسمع القرآن فيتأثر به، نفرح نحن لأننا في الشهر الذي أنزل الله فيه القرآن على الأرض، بعد أن مقَتَ مَن في الأرض عربهم وعجمهم، وهذا سر تعظيم الله لهذا الشهر؛ لأن فيه ليلة القدر التي نزل فيها القرآن، فلا بد أن نعرف قدره ونفرح به.

 

أتذكَّر أني لما كنت في أحد المحاضرات في الجامعة، وعندما دخل الدكتور المحاضر، وظل الطلاب يتكلمون ولا يحترمون وجوده، أخذ أوراقه ليخرج من المحاضرة وألغاها؛ عقابًا لنا لأننا لم نحترم وجوده وكلامه، ولله المثل الأعلى، فمن رحمة الله بنا أن يُسمعنا كلامه الذي تكلم به حقيقة، ولا يحرمنا منه بذنوبنا وغفلتنا وتقصيرنا.

 

فلا بد أن نفرح به، ونشتاق إليه، ونعرف قدره ومكانته ومعجزته الباهرة، وقوته في تغييرنا، فنقرأ بعض الكتب التي تتحدث عن عظمة القرآن وتأثيره.

 

ثانيًا: لا بد أن نُولي اهتمامًا بفهم المعاني، كما نحرص على ضبط الكلمات والمبنى؛ وذلك لأن لغتنا العربية ضعيفة جدًّا، فلا نفهم الكثير من كلمات القرآن المبهمة عنا، فهذه أول خطوة: أن نفهم غريب الكلمات القرآنية من بعض الكتب البسيطة المختصرة.

 

ثالثًا: أن نقرأ على مكث ونحاول تفهم الآية، فإن لم نفهم معناها، نرجع لكتب التفسير البسيطة والمختصرة كمرحلة أولى.

 

رابعًا: نفرِّغ أنفسنا وأذهاننا من الشواغل، ونحرر قلوبنا من معاصي القلوب لتتطهر وتتفرغ لتلقِّي معاني القرآن العظيمة، فالمعاصي تُغلق القلب عن تدبر القرآن؛ كما قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24]، وقال سيدنا عثمان: “لو طهُرت قلوبكم، ما شبِعت من كلام ربكم”.

 

خامسًا: أن نسمع، بل نستمع إلى القرآن بتركيز وإنصات: {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٞ} [ق: 37]؛ كما قال ابن مسعود: “لا يُحدث نفسه بغير القرآن”، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يسمعه من غيره.

 

سادسًا: أن نعرف كيف كان تعامل النبي والصحابة مع القرآن، هل كان تركيزهم منصبًّا على القراءة فقط، أو القراءة والفهم والتدبر، وإعمال القلب، والتفاعل معه؟

 

كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم بالآية الواحدة يرددها حتى يصبح؛ عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: ((قام النبي صلى الله عليه وسلم بآية يرددها حتى أصبح، والآية: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118]؛ (رواه النسائي وابن ماجه، وصححه الألباني).

 

وكان أيضًا في بعض المرات يقرأ بطوال السور، ولكنه يتفاعل معها كما مرَّ؛ عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: ((صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلًا، إذا مر بآية فيها تسبيح سبَّح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوُّذ تعوَّذ))؛ (رواه مسلم).

 

وهكذا كان الصحابة رضي الله عنهم، فقد كان الواحد منهم يقوم بالآية الواحدة ليلة كاملة لا يتجاوزها إلى غيرها؛ من عظيم تأثره بها وعيشه معها؛ فهذا تميم الداري رضي الله عنه، رُوي عنه أنه كرر قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الجاثية: 21]، وظل يردد هذه الآية حتى أصبح.

 

وورد أن سيدنا عمر قرأ آية، فأسقطته، ومرض شهرًا حتى زاره الناس، تأمل معي: آية وليست سورة.

 

قال عبدالله بن مسعود: “لا تهذُّوا بالقرآن هذَّ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، وقِفوا عند عجائبه، وحرِّكوا به القلوب، ولا يكن همُّ أحدكم من السورة آخرها…”.

 

وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله بن عمرو بن العاص أن يختم القرآن في رمضان في أقل من ثلاثة أيام، وقال له: «لا يفقهه من يقرؤه في أقل من ثلاث».

 

قال الحسن البصري رحمه الله: “أُنزل القرآن ليُتدبر ويُعمل به، فاتخذ الناس تلاوته عملًا”، ونحن للأسف نفعل ذلك؛ نتخذ تلاوته عملًا ولا نعمل به.

 

عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: “تعلَّمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانًا”؛ (رواه الطبراني في المعجم الكبير)، فهل نزداد إيمانًا إذا قرأنا القرآن، أم نرجع منه كما دخلنا؟

 

يقول الآجري في كتابه (أخلاق حملة القرآن): “والقليل من الدرس للقرآن، مع التفكر فيه وتدبره؛ أحب إليَّ من قراءة الكثير من القرآن في رمضان بغير تدبر ولا تفكر فيه”.

 

وذكر أيضًا في (أخلاق حملة القرآن) عددًا من الأسئلة التي يثيرها قارئ القرآن وهو يقرأ، فقال: “إن درس القرآن فبحضور فهمٍ وعقل، همته إيقاع الفهم لما ألزمه الله عز وجل من اتباع ما أمر، والانتهاء عما نهى، ليس همته: متى أختم السورة؟! همته: متى أستغني بالله عن غيره؟ متى أكون من المتقين؟ متى أكون من المحسنين؟ متى أكون من المتوكلين؟ متى أكون من الخاشعين؟ متى أكون من الصابرين؟ متى أكون من الصادقين؟ متى أكون من الخائفين؟ متى أكون من الراجين؟ متى أزهد في الدنيا؟ متى أرغب في الآخرة؟ متى أتوب من الذنوب؟ متى أعرف النعم المتواترة؟ متى أشكره عليها؟ متى أعقِل عن الله عز وجل الخِطاب؟ متى أفقه ما أتلو؟ متى أغلب نفسي على ما تهوى؟ متى أجاهد في الله حق جهاده؟ متى أحفظ لساني؟ متى أغض طرفي؟ متى أحفظ فرْجي؟ متى أستحيي من الله حق الحياء؟ متى أشتغل بعيبي؟ متى أصلح ما فسد من أمري؟ متى أتزود ليوم معادي؟ متى أكون عن الله راضيًا؟ متى أكون بالله واثقًا؟ متى أكون بزجر القرآن متعظًا؟ متى أكون بذكره عن ذكر غيره مشتغلًا؟ متى أُحب ما أَحب؟ متى أُبغض ما أَبغض؟ متى أنصح لله؟ متى أخلص له عملي؟ متى أقصر أملي؟ متى أتأهب ليوم موتي وقد غُيِّب عني أجلي؟ متى أعمر قبري؟ متى أفكر في الموقف وشدته؟ متى أفكر في خلوتي مع ربي؟ متى أحذر ما حذرني ربي عز وجل من نارٍ حرها شديد وقعرها بعيد؟”؛ إلى آخر كلام الإمام الآجري رحمه الله.

 

وكان ابن عمر يقول: “كان الفاضل من أصحاب رسول الله لا يحفظ من القرآن إلا السورة أو نحوها، ورُزقوا العمل بالقرآن، وإن آخر هذه الأمة يقرؤون القرآن، منهم الصبي والأعمى، ولا يُرزقون العمل به”.

 

عن ابن مسعود قال: “لا تهذوا القرآن كهذِّ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، وقفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب”، وفي رواية: “ولا يكن هم أحدكم آخر السورة”.

 

يقول ابن القيم مبينًا أن تدبر آية خير من ختمة بغير تدبر: “فلا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر؛ فإنه جامع لجميع منازل السائرين، وأحوال العاملين، ومقامات العارفين، وهو الذي يُورث المحبة، والشوق، والخوف، والرجاء، والإنابة، والتوكل، والرضا، والتفويض، والشكر، والصبر، وسائر الأحوال التي بها حياة القلب وكماله، وكذلك يزجر عن جميع الصفات والأفعال المذمومة التي بها فساد القلب وهلاكه، فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر، لاشتغلوا بها عن كل ما سواها، فإذا قرأه بتفكر، حتى مرَّ بآية هو محتاج إليها في شفاء قلبه، كرَّرها ولو مائة مرة، ولو ليلة؛ فقراءة آية بتفكر وتفهُّم خيرٌ من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم، وأنفع للقلب، وأدعى إلى حصول الإيمان، وذوق حلاوة القرآن”.

 

ولكن ليس معنى كلامي ألَّا نكثر من القراءة والختمات، خاصة في رمضان، بالعكس: القراءة مفتاح نحو القرآن، والتأثر به، والعمل به، فقد كان الصحابة يُحزِّبون القرآن يقرؤونه في أسبوع، ولكن الهدف من الكلام ألَّا نظل عالقين عند مفتاح القراءة، دون أن نفتح الباب، وندخل حديقة القرآن الغنَّاء، ونستمتع بنسيمها العليل، ونقطف ثمارها الدانية بالتدبر والتذوق لكلام الله.

______________________________________________
الكاتب: سمر سمير


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

الغزو الفكري دسائس اليهود والنصارى ضد المسلمين

إن العدو من خلال هذا الغزو لا يأتيك عياناً بياناً بل هو مختفٍّ يأتيك من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *