منذ حوالي ساعة
وعلَّم التابعون هذا الميراث النبوي من جاء بعدهم من أتباع التابعين، ونقله علماء كل عصر إلى من بعدهم جيلا بعد جيل
تعلم الصحابة رضي الله عنهم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم القرآن الكريم والسنة النبوية، كما قال الله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران: 164]، وحفظ الصحابة الكرام القرآن الكريم وتدبروه، وحفظوا السنة النبوية وتفقهوا في دين الله، ثم علَّموا من جاء بعدهم من التابعين هذا العلم النافع من القرآن الكريم والتفسير والسنة النبوية والفقه، وكانوا حريصين أشد الحرص على طلب العلم النافع، وأشد فرحا بالعلم من أهل الدنيا بدنياهم.
وعلَّم التابعون هذا الميراث النبوي من جاء بعدهم من أتباع التابعين، ونقله علماء كل عصر إلى من بعدهم جيلا بعد جيل، وكانوا يحفظون العلم في صدورهم، ويعلمونه طلابهم، واستعانوا على حفظه وتعليمه بتدوينه في الكتب، ونسخوا تلك الكتب الشرعية بإتقان وقابلوها ودرَّسوها لمن بعدهم ليبقى الميراث النبوي مستمرا إلى يوم القيامة.
فبأهل العلم العدول حفظ الله هذا الدين، فقد ورِثوا علم القرآن والسنة عمن قبلهم بحظ وافر، وورَّثوا هذا العلم من بعدهم، ونفوا عن دين الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، فحفظوا لنا القرآن الكريم بقراءاته العشر المتواترة، ونقلوا لمن بعدهم كيفية تلاوته وتجويده، ودوَّنوا التفسير المأثور، ودوَّنوا السنة النبوية القولية والفعلية والتقريرية والخَلقية والخُلقية، واجتهدوا في جمع أسانيدها ومعرفة طبقات رواتها، وتاريخ وفاة كل منهم وولادته، وبيان موطنه ومكان وفاته، ومعرفة أسماء الرواة وكناهم وألقابهم وأنسابهم، وبينوا أحوال الرواة من حيث الحفظ والعدالة، وقارنوا بين رواياتهم ليتميز لهم الخطأ من الصواب، وميزوا صحيح السنة من سقيمها، وألَّفوا في ذلك المؤلفات العظيمة التي تفتخر بها أمة الإسلام إلى آخر الدهر، وحفظوا لنا اللغة العربية، فدوَّنوا أشعار العرب في الجاهلية والإسلام كالمعلقات السبع وغيرها مما هو محفوظ في الدواوين؛ ليستعينوا بذلك على فهم القرآن الذي أنزله الله باللغة العربية، وصنفوا المصنفات العظيمة في التفسير والحديث واللغة والنحو والتاريخ والأنساب.
خلق الله للعلم رجالا ورجال لقصعة وثريد
فطلاب العلم الشرعي الذين يطلبون العلم لله هم خير الناس، (( «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» ))، (( «نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره» ))، (( «ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» )).
فلله در العلماء والطلاب الذين أفنوا أعمارهم في تعلم شريعة ربهم وتعليمها ليلا ونهارا، وحضرا وسفرا، قطع الطلاب الصحارى والجبال حرصا على لقاء المشايخ في مختلف البلدان، فأخذوا العلم من أفواههم بأعلى الإسناد، وجمعوا العلم بحظ وافر، وأتعبوا أنفسهم في تدوين العلم النافع وتعليمه، ولازموا الدفاتر والمحابر إلى أن صاروا من أهل المقابر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في مجموع الفتاوى (1/ 7): أقام الله تعالى الجهابذة النقاد أهل الهدى والسداد، فدحروا حزب الشيطان، وفرَّقوا بين الحق والبهتان، وانتدبوا لحفظ السنة ومعاني القرآن من الزيادة في ذلك والنقصان. وقام كل من علماء الدين بما أنعم به عليه وعلى المسلمين مقام أهل الفقه الذين فقهوا معاني القرآن والحديث بدفع ما وقع في ذلك من الخطأ في القديم والحديث، وكان من ذلك الظاهر الجلي: الذي لا يسوغ عنه العدول؛ ومنه الخفي: الذي يسوغ فيه الاجتهاد للعلماء العدول. وقام علماء النقل والنقاد بعلم الرواية والإسناد، فسافروا في ذلك إلى البلاد، وهجروا فيه لذيذ الرقاد، وفارقوا الأموال والأولاد، وأنفقوا فيه الطارف والتلاد، وصبروا فيه على النوائب، وقنعوا من الدنيا بزاد الراكب، ولهم في ذلك من الحكايات المشهورة، والقصص المأثورة، ما هو عند أهله معلوم، ولمن طلب معرفته معروف مرسوم.
Source link