عبد الله بن عباس وبركة الدعاء للولد (خطبة) – محمد سيد حسين عبد الواحد

يقول سعدُ بن أبي وقاص : “ما رأيت أحدًا أحضر فهمًا، ولا أكبر لبًّا، ولا أكثر علمًا، ولا أوسع حلمًا من ابن عباس

العناصر الأساسية: 
العنصر الأول: أمتنا أمة الإسناد. 
العنصر الثاني:  الدعاء للولد وبركاته. 
العنصر الثالث:  والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا. 
العنصر الرابع:  حُق لابن عباس أن يُقدم لشباب الأمة مثالا. 
                                                الموضوع: 
عن العرباض بن سارية رضي الله عنه، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح ذات يوم، ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله، كأن هذه موعظة مودع، فأوصنا، فقال: ««أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»» .

أيها الإخوة الكرام: 
 إن من بين الفضائل التي أكرمنا الله عز وجل بها،  ومن بين الخصائص التي اختصنا كأمة محمد صلى الله عليه وسلّم أننا نُعرف بين الأمم ونتميز عن الجميع بأننا أمة الإسناد.. 
الإسناد : عبارة عن سلسلة الرواة الذين تحملوا الحديث واحدًا عن الآخر حتى وصلوا به إلى الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم.. 

الإسناد معناه : أن الله تعالى جعل للقرآن الكريم،  وللسنة المطهرة،  رجالا عدولا،  يحفظون،  ويتثبتون،  وينقلون ما يحفظون من القرآن والسنة إلى من بعدهم  بصدق وأمانة لا يزيدون فيه ولا ينقصون عنه.. 
ثم إن الله تعالى بذاته العلية تولي حفظ ديننا قرآنا وسنة من التحريف والتبديل، ومن الزيادة أو النقصان،  وهذا ما لم يتم لأمة إلا لهذه الأمة قال الله جل في علاه {( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) }

ومن بين رجالات هذه الأمة الذين جعلهم الله تعالى حفظة للقرآن والسنة، والذين حفظ الله عز وجل سيرتهم وأخلاقهم وعلمهم وجعلهم لنا مصابيح نهتدي بها ونقتدي (حبر الأمة) وإن شئتم فقولوا (بحر الأمة) عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.. 

لماذا الحديث عنه؟ 
نتحدث عن عبد الله بن عباس محبة له،  وتذكيرا بسير الصالحين،  وتقديما لرجل يُقتدى به في كل مرحلة من مراحل حياته في صباه وفي شبابه وفي كهولته.. 

عبد الله بن عباس هو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم 
هو أحد أصغر الصحابة سنا،  وهو في الوقت ذاته أحد أرفع الصحابة قدرا،  وأعظم الصحابة علما،  وأحد أكرم الصحابة خلقا،  وأحد أكثر الصحابة حفظا وفهما لما أنزل الله على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.. 

الغرض من حديثنا اليوم عن عبد الله بن عباس بعيدا عن أنه وأقرانه سببا في حفظ القرآن والسنة، هو بيان أهمية الدعاء للولد، نسأل الله تعالى أن ( يحفظ أولادنا، وأن يسعدهم، وأن يعجل لهم الخير، وأن يرزقهم من حيث لا يحتسبون)

الغرض من حديثنا عن ابن عباس هو بيان أهمية الدعاء للولد،  بأن يصلح الله حاله، بأن يهديه الله، بأن يوفقه الله عز وجل، بأن يسدد الله خطاه،  قال النبي عليه الصلاة والسلام (ثلاثة لا تُرد دعوتهم) وعد منهم ( دعوة الوالد) 

الدعاء للولد ربما كان أنفع للولد من طعامه وشرابه.. 
الولد يوسع الله تعالى رزقه ببركة دعوة من والديه،  الولد يفتح الله عليه في الفهم والعلم ببركة دعوة من والديه..  فلا تحرموا أولادكم من دعواتكم،  فدعواتكم لأولادكم لا ترد كما قال الحبيب عليه الصلاة والسلام.. 

قلت وما دعاء النبي عليه الصلاة والسلام لعبد الله بن عباس إلا مثل من الأمثلة: 
عبد الله بن عباس: كان في وقت من الأوقات ( طفل)  فاز هذا بدعوة من رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال ««اللهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ »» (متفق عليه)
وفي رواية عن ابن عباس ، قال : « ” ضمني النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدره ،  وقال : « اللهم علمه الحكمة »» [أخرجه البخاري] . 

واستجاب الحكيم دعوة الأمين عليه الصلاة والسلام فكانت هذه الدعوة في ابن عباس سبب سعادته في الدنيا والآخرة،  نفعه الله تعالى وأكرمه بدعوة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتفعت الأمة من علم ابن عباس ومن فقه بن عباس.. 

الشيء المميز في سيرة ابن عباس أنه: 
كان إيجابيا،  كان طموحا،  كان مجتهدا،  وفوق كل ذلك كان رضي الله عنه مخلصا،  لم يتواكل على الدعوة التي دعاها له رسول الله صلى الله عليه وسلّم،  ولم يركن إلى تلك الدعوة دون اجتهاد منه،  بل قام فتحرك وسعى يطلب القليل والكثير من العلم على يد من سبقه من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام.. 

لُقب ابن عباس بعد وفاة رسول الله ب ( حبر الأمة،  وترجمان القرآن) وسُئل يومًا: كيف أصبت هذا العلم؟! فأجاب فقال:  أصبته بلسان سؤول، وقلب عقول.. 

كان يأتي دار أبي هريرة،  ودار أبي بن كعب، ودار زيد بن ثابت،  ودار عبد الله بن عمر، ودار عبد الله بن عمرو، يجلس على عتباتهم ، يأخذُ منهم رواية الحديث عن رسول الله..

أيها الإخوة الكرام: العلم لا يناله متكبر، ولم يكن ابن عباس متكبرا، العلم لا يناله مستح ولم يكن ابن عباس يستحي في طلب العلم، كان يأتي ديار العلماء فيجلس على عتباتها يلفحه الحرُّ، وتؤذيه رمضاءُ الهواجر،  وهو صابر على كل هذا في سبيل طلب العلم.. 

يقول ابن عباس عن نفسه : ” لَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ: هَلُمَّ فَلْنَسْأَلْ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُمْ كَثِيرٌ ! 

قَالَ : الْعَجَبُ لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ، أَتَرَى النَّاسَ يَحْتَاجُونَ إِلَيْكَ ، وَفِي الْأَرْضِ مَنْ تَرَى مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ؟ 

قَالَ: فَتَرَكَته ، وَأَقْبَلْتُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ ، وَتَتَبُّعِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِنْ كُنْتُ لَيَبْلُغُنِي الْحَدِيثُ عَنْ رَجُلٍ سَمِعَ الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ، فآتيه فَأَجِدُهُ قَائِلًا : ” قال فَأَتَوَسَّدُ رِدَائِي عَلَى بَابِهِ تَسْفِي الرِّيَاحُ فِي وَجْهِي حَتَّى يَخْرُجَ ” . 

فإذا خرج ووجدني بالباب قال : مَا جَاءَ بِكَ يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ ؟

فَأَقُولُ : ” حديث بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْكَ “. 

فَيَقُولُ : فَهَلَّا بَعَثْتَ إِلَيَّ حَتَّى آتِيَكَ ، فَأَقُولُ : ” أَنَا كُنْتُ أَحَقَّ أَنْ آتِيَكَ ” ، فَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الأنصاري الذي ترك السعي لطلب العلم يَمُرُّ بِي بَعْدُ، وَالنَّاسُ يَسْأَلُونِي فَيَقُولُ يا ابن عباس : أَنْتَ كُنْتَ أَعْقَلَ مِنِّي” ..

الشاهد من هذا: 
ببيان أن طلب العلم وطلب النجاح في أي باب من أبواب الحياة لا يُكتفى فيها بمجرد الدعوات،  وإنما الأمر يحتاج إلى سعي وبذل الجهد لأن هذه هي سنة الله عز وجل في خلقه،  وفي التنزيل الحكيم ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) 

وما نيل المطالب بالتمني ولكن ألق دلوك في الدلاء: 
يقول ابن عباس: كنت آتي باب أبي بن كعب رضي الله عنه وهو نائم، فأقبل على بابه، ولو علم بمكاني لأحب أن يُوقظ لي لمكاني من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكني أكره أن أُمِلّه..

وقال : كنت ألزم الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار، فأسألهم عن مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما نزل في القرآن في ذلك، وكنت لا آتي أحدا إلا سُر بإتياني لقربي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلت أسأل أبي بن كعب يوما -وكان من الراسخين في العلم- عما نزل من القرآن في المدينة فقال: نزل بها سبع وعشرون سورة ..
قال:  “إن كنت لأسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-“.

هذه الدعوات التي دعاها رسول الله لابن عباس «اللهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ » « اللهم علمه الحكمة » هذه الدعوات مع السعي،  مع الصدق،  مع الإخلاص،  مع الصبر، مع الجَلد،  صنع من ابن عباس عالما فذا، يرى في النص النبوي ما لا يراه غيره،  ويفهم من الآية ما لا يسع غيره فهمه، حتى قال:«إني لآتي على الآية من كتاب الله فأود لو أن الناس جميعًا علموا منها مثل الذي أعلم» 

كان الصحابة كعبد الله بن عمر وغيره يقولون إن ابن عباس يتجرأ على القرآن فيقول في تفسيره ما لا يقول غيره.. 
قلت:  وما كانت ( جرأة) من ابن عباس بل كانت (علما) قال طاوس بن كيسان: ” وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشَدَّ تَعْظِيمًا لِحُرُمَاتِ اللَّهِ مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ

في سورة الأنبياء يقول الله تعالى « أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَٰهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَىْءٍ حَىٍّ » 

عن ابن عمر: أن رجلا أتاه يسأله عن السماوات والأرض ( كانتا رتقا ففتقناهما ) ؟ . قال : اذهب إلى ذلك ابن عباس فاسأله ، ثم تعال فأخبرني بما قال لك . قال : فذهب إلى ابن عباس فسأله . فقال ابن عباس : نعم ، كانت السماوات رتقا لا تمطر ، وكانت الأرض رتقا لا تنبت .

فلما خلق للأرض أهلا فتق هذه بالمطر ، وفتق هذه بالنبات . فرجع الرجل إلى ابن عمر فأخبره ، فقال ابن عمر : الآن قد علمت أن ابن عباس قد أوتي في القرآن علما ، صدق – هكذا كانت . قال ابن عمر : قد كنت أقول : ما يعجبني جراءة ابن عباس على تفسير القرآن ، فالآن قد علمت أنه قد أوتي في القرآن علما .

قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة:
 “ما رأيت أحدًا كان أعلم بما سبقه من حديث رسول الله ﷺ من ابن عباس، ولا أعلم بشعر ولا عربية ولا تفسير القرآن ولا حساب ولا فريضة منه، ولقد كان يجلس يومًا ولا يذكر فيه إلا الفقه، ويومًا لا يذكر فيه إلا  التأويل، ويومًا لا يذكر فيه إلا المغازي، ويومًا لا يذكر فيه إلا الشعر، ويومًا لا يذكر فيه إلا أيام العرب، ولا رأيت عالمًا قَطُّ جلس إليه إلا خضع له، وما رأيت سائلًا قط سأله إلا وجد عنده علمًا”

وقال الأعمش: “كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِذَا رَأَيْتَهُ قُلْتَ: أَجْمَلُ النَّاسِ، فَإِذَا تَكَلَّمَ قُلْتَ: أَفْصَحُ النَّاسِ، فَإِذَا حَدَّثَ قُلْتَ: أَعْلَمُ النَّاسِ”

وقال مجاهد: كان ابن عباس إذا فسر الشيء رأيت عليه نورًا.

يقول سعدُ بن أبي وقاص : “ما رأيت أحدًا أحضر فهمًا، ولا أكبر لبًّا، ولا أكثر علمًا، ولا أوسع حلمًا من ابن عباس، ولقد رأيت عمر يدعوه للمعضلات، وحول عمر أهل بدر من المهاجرين والأنصار فيتحدث ابن عباس، ولا يجاوز عمر قول ابن عباس لأنه يرى منه ويسمع علما “.

عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر ، فقال بعضهم : لم تدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله ؟ فقال : ” إنَّه ممَن قدْ عَلِمْتُمْ”.
قال : فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم قال : وما رُئِيتُهُ دعاني يومئذ إلا ليريهم مني ، فقال : ” ما تقولون في :   {{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ والفَتْحُ، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا}}  حتى ختم السورة ؟ فقال بعضهم : أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا . وقال بعضهم : لا ندري ، أو لم يقل بعضهم شيئا ، فقال لي: يا ابن عباس، أكذاك تقول؟
قلت: لا ، قال : فما تقول ؟ قلت : هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله له : إذا جاء نصر الله والفتح فتح مكة ، فذاك علامة أجلك : فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا . قال عمر : ” ما أعلم منها إلا ما تعلم ” .

لَقّبَ عمر ابن عباس ب( الفتى الكهول) ووقربه منه وجعله مستشارا له فلمَّا رأىَ العباسُ قربَ ابنهِ مِن الخليفةِ عمرَ أوصاهُ وصيةً قالَ فيها: «إنَّ عمرَ يدنيكَ ويجلسكَ مع أكابرِ الصحابةِ فاحفظْ عنِّي ثلاثًا: لا تفشينَّ لهُ سرًا، ولا تغتابنَّ عندَهُ أحدًا، ولا يجربنَّ عليكَ كذبًا.» قال الشعبيُّ لابنِ عباسٍ: «كلُّ واحدةٍ خيرٌ مِن ألفٍ». فقالَ ابنُ عباسٍ: «بل كلُّ واحدةٍ خيرٌ مِن عشرةِ آلافٍ». (البداية والنهاية).

أيها الإخوة الكرام:  هذه بركة الدعوات فلا تحرموا أولادكم من دعواتكم، وهذه بركة السعي والاجتهاد في طلب العلم، فدلوا أولادكم عليه وساعدوهم، وتابعوهم،  فبذلك ينفع الإنسان نفسه وينفع غيره،  وما عبد الله بن عباس إلا مثل من الأمثلة.. 

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير. 

الخطبة الثانية 
بقي لنا في ختام الحديث عن حبر الأمة وترجمان القرآن الذي نال من العلم ما نال ببركة الدعاء له،  وببركة سعيه واجتهاظه،  بقي لنا أن نقول: 
من أحد أسباب الحديث اليوم عن ابن عباس أن نقدمه مثالا وقدوة لأولادنا يتشبهون به ذلك أن التشبه بالرجال فلاح.. 

يأتي على رأس أسباب الضياع الذي يعيشه الكثير من أولادنا هذه الأيام ضياع القدوة من ناحية ، وتلميع الفارغين والتافهين من ناحيةثانية، والجهل بأهل الفضل والكرم من ناحية أخرى… 

لذلك أتينا اليوم نتحدث عن ابن عباس الذي كان ينام على عتبات الناس يطلب العلم حتى صار أعلم الناس،  لنقدمه لأنفسنا ولأولادنا قدوة في زمان قدم فيه التافهون والفارغون ليكون قدوة وأسوة.. 

قدوة تقول:  لا يوجد شيء في هذه الحياة مجانا،  فعلى الإنسان أن يدفع الثمن،  من جهده،  وصحته،  وصبره،  وإخلاصه..  لأن من سن الله في خلقه أن كل شيء بسبب. 

لما سعى ابن عباس ليطلب العلم أوتي علما، ولا شك أن من أوتي العلم والفهم والحكمة ؛ فإن ذلك سيؤثر في حياته كلها ، إيمانًا ، وعبادة ، وخشية ، وخلقًا ، وسمتا ، وذكاءً ، وحكمة ، ونبلاً.. 

كان ابن عباس يأخذ بزام بغلة معلمه فيمشي بها ويقول هكذا أمرنا أن نفعل بعلماءنا.. 

نتحدث عن الأعلام وعلى رأسهم ابن عباس رجاء أن نتشبه بهم نتحدث عنهم وننشر مناقبهم لاننا نحبهم ورجاء أن يجمعنا الله تعالى بهم يوم القيامة في جنته ومستقر رحمته. 

جاء أعرابي إلى رسول الله وهو في المجلس يحدث الناس فقال يا رسول الله متى الساعة؟ 
فأعرض عنه النبي فانقسم الناس،  فمنهم من قال إن رسول الله لميسمع سؤاله ومنهم من قال بل سمع وكره سؤاله،  فلما فرغ رسول الله من حديثه قال:  أين أُراه السائل عن الساعة؟ 
قال ها أنا ذا، قال وما أعددت لها؟ 
قال والله ما أعددت لها من كثير صيام ولا صلاة ولا صدقه لكني أعددت لها حب الله ورسوله،  فقال عليه الصلاة والسلام  المرء مع من أحب. 
قال أنس:  والله ما فرحنا بشيء بعد إسلامنا كفرحنا بقول النبي صلى عليه وسلم المرء مع من أحب. 
قال أنس:  فإني أحب الله ورسوله وأحب أبا بكر وعمر وأرجوا أن أحشر معهم وإن لم أعمل بأعمالهم 

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير. 
«««««««««««««««««« 
جمع وترتيب:  الشيخ / محمد سيد حسين عبد الواحد 
إمام وخطيب ومدرس أول 
مديرية أوقاف القليوبية..  مصر.


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

الحكمة من إيلام الحيوانات والأطفال ووقوع الأمراض – محمد بن علي بن جميل المطري

منذ حوالي ساعة الله سبحانه أحكم الحاكمين، {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج: 16]، {لَا يُسْأَلُ عَمَّا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *