منذ حوالي ساعة
ومن الدروس التي علَّمَتْنيها الحرب: أن كثيرا مما تعودناه في حياتنا، وظننا أنه لا يمكن الاستغناء عنه ألجأتنا صروفُ الأيام وشدائد الحرب إلى نسيانه والعيش بدونه.
جَرَت سُنن الكون ونواميس الحياة بأن المرء يتعلم في الشدة والمحنة ما لا يتعلمه في الرخاء والعافية، وما عليه إلا أن يكون فطِنا لـمَّاحا يُحْسن الدرس والاستفادة.
ومن الدروس التي علَّمَتْنيها الحرب: أن كثيرا مما تعودناه في حياتنا، وظننا أنه لا يمكن الاستغناء عنه ألجأتنا صروفُ الأيام وشدائد الحرب إلى نسيانه والعيش بدونه.
وعلمتنا كذلك: أن كثيرا مما كنا نأباه ونأنفه حمَلَتنا الأيام على إلْفِه وقبوله.
وعلمتنا: أن كثيرا مما كنا نستعمله على جهة الإسراف وسوء التدبير يمكن الاكتفاء منه بالقليل اليسير.
ما كان الناس يتصورون أن ينقطع عنهم الدقيق، وأن يصحو الصغير لطلب شيء من الخبر فلا يجد أبواه ما يُلقمانه إياه.
وما كانوا يتخيلون أن تأتي عليهم أيام يَكُدُّون فيها للحصول على شيء من ماء عذب أو مالح، ويشترونه بأغلى الأثمان.
وما كانوا يظنون أن يأتي عليهم رمضان فيكون همهم قبل دخوله: على أي شيء يتسحرون؟! وعلى أي شيء يفطرون؟!
وما كان يخطر ببالهم أن ينقطع عنهم غاز الطهي، ويعود الزمان بهم إلى الاحتطاب، ويكون الحصول على (كيلو جرام) من الغاز شيئا من الإرفاه.
الفاكهة نسيها الناس، والخضرة شحيحة وبأغلى الأثمان.
هذا في الطعام والشراب وما يتصل به.
أما القتل والجراح التي نزلت بالناس فشيء تضيق عنه العبارة.
والخوف والرعب قد استولى على أشد القلوب، وأحاط بالناس زمانا ومكانا، فلا يأمن المرء على نفسه وأهله في شرق أو غرب أو شمال أو جنوب، ولا في ساعة من ليل أو نهار.
وما أحب الإطالة والتفصيل في هذا، فقد سبقَت صورٌ منه، والحال في الجملة لا تخفى.
خلاصة هذا الدرس: أن المرء إن كان معه أصل العلم والإيمان، والصبر والرضا يمكنه أن يواجه أعتى الظروف وأقساها وأشدها، ويخرج منها ذهبا مصفًّى.
ولا شك أن الناس يتفاوتون في ذلك تفاوتا عظيما، وأنهم على مراتب في الرضا والسخط؛ فما كل أحد يترشح في الشدائد لنيل مقامات أهل الإيمان، وفهم أقدار الله وسننه.
ولا يُنكَر أن بعض أفاضل الناس ومقدَّميهم قد يَعْرِض لهم من السخط والضيق ما يعرض، ويصيبهم ما يصيب غيرهم، والنظر إنما هو إلى الحال الغالبة، فالعوارض البشرية غير قادحة ما دامت النفوس على الأصل ثابتة.
ومن نظر إلى الناس في كثير من البلاد وما يعتريهم من الضيق والهم والغم إذا نزل بهم عشر معشار ما نزل بأهل غزة، علم ما هو فيه من النعيم؛ فإن القلوب إذا لزمت الإيمان وتغرغرت بالرضا كانت لأصحابها العاقبة في الدنيا والآخرة. فأي شيء بلاء الدنيا وعذابها إذا رضي الله عنك ورضيت عنه؟!
اللهم إنا نسألك نعيما لا ينفد، ونسألك قرة عين لا تنقطع، ونسألك الرضا بعد القضاء، ونسألك بَرْد العيش بعد الموت، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مُضِرة، ولا فتنة مُضِلة. اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين.
بقلم فضيلة الشيخ د. بسام بن خليل الصفدي
بسام بن خليل الصفدي
مدير اللجنة العلمية بفرع غزة المدينة لجمعية ابن باز راعية العمل السلفي بقطاع غزة
Source link