منذ حوالي ساعة
عمر بن الخطاب أبو حفص القُرَشي العَدَوي الفاروق رضي الله عنه، أسلم وعمره بضع وعشرون سنة في السنة السادسة من البعثة النبوية
عمر بن الخطاب أبو حفص القُرَشي العَدَوي الفاروق رضي الله عنه، أسلم وعمره بضع وعشرون سنة في السنة السادسة من البعثة النبوية، وأعز الله المسلمين بإسلامه، وهو من السابقين الأولين من المهاجرين، شهد مع النبي عليه الصلاة والسلام جميع غزواته، وثبت معه في غزوة أُحُدٍ وحُنَين، وتوفي رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو عنه راضٍ، واستخلفه أبو بكر الصديق يوم مات، فبايعه الناس، فقام بأعباء الخلافة لا يخاف في الله لومة لائم، وهو أول من سُمِّي أمير المؤمنين، وأول من ابتدأ التاريخ الهجري، وأول من بنى المدن في الإسلام، أمر ببناء البصرة والكوفة في العراق، وفتح بيت المقدس بنفسه، وأمر أن يُبنى في ساحة المسجد الأقصى مسجدًا، وهو المسمى المسجد العُمَري، وفضائل عمر كثيرة، منها ما يلي:
روى البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (وافقت ربي في ثلاث: قلت يا رسول الله، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت: {{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}} [البقرة: 125]، وقلت: يا رسول الله، لو أمرت نساءك أن يحتجبن، فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغَيرة عليه، فقلت لهن: (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن)، فنزلت هذه الآية.
وروى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «((بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ، وَمِنْهَا مَا دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ)) قالوا: ماذا أوَّلت ذلك يا رسول الله؟ قال: ((الدِّينَ))» .
وروى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «((بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ رَأَيْتُ قَدَحًا أُتِيتُ بِهِ فِيهِ لَبَنٌ، فَشَرِبْتُ مِنْهُ حَتَّى إِنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَجْرِي فِي أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ)) قالوا: فما أوَّلْتَ ذلك يا رسول الله؟ قال: ((الْعِلْمَ))» .
وكان عمر من أحب الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد أبي بكر، وكانا وزيرَي النبي عليه الصلاة والسلام، وتزوَّج النبي عليه الصلاة والسلام عائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر رضي الله عنهم أجمعين، وكان أبو بكر وعمر يُكثِران من الجلوس مع النبي عليه الصلاة والسلام حضرًا وسفرًا، في الأمن والخوف، والسِّلم والحرب، وروى البخاري عن عبد الله بن هشام قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو آخذٌ بيد عمر بن الخطاب.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: « (إذا ذُكِر الصالحون فحَيَّهَلاً بعمر؛ إن عمر كان أعلَمَنا بكتاب الله، وأفقَهَنا في دين الله)» .
وقال حذيفة رضي الله عنه: «(والله ما أعرف رجلًا لا تأخذه في الله لومة لائم إلا عمر)» .
مكث عمر في الخلافة عشر سنوات ونصف، وحج بالناس في إمارته كلها، وجهَّز الجيوش بعد الجيوش حتى يسَّر الله الفتوح العظيمة في عهده، ففُتِحت الشام والعراق وإيران وأذربيجان وأرمينية وجنوب تركيا ومصر وليبيا، وولَّى عمر الولاة على الأمصار، وكان يتابع ولاته بأوامره ونصائحه، ويحاسبهم، ويعزل من يرى عزله منهم، وكان في خلافته يُعلِّم ويُفتي ويَقضي بين الناس، ويؤتي الزكاة مستحقيها، ويقسم الفيء بين المسلمين، وولَّى علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب قِسمة صدقةِ رسول الله من نخل بني النضير على بني هاشم، ودوَّن عمر الدواوين قبل أن يموت بعام، ولما أُتي عمر بكنوز كسرى أمر بها فوضعت في وسط المسجد، فلما كشف عنها عمر بكى، فقيل له: ما يبكيك يا أمير المؤمنين! فقال: « (إن هذا لم يُعطَه قومٌ إلا أُلقِيَتْ بينهم العداوة والبغضاء)» .
وكان عمر بن الخطاب عابدًا زاهدًا، خاشعًا متواضعًا، قال أنس: رأيت في قميص عمر أربع رِقاع بين كتفيه، وقال أبو عثمان النَّهدي: رأيت على عمر إزارًا مرقوعًا، وقال عبد الله بن عامر بن ربيعة: حججت مع عمر فما ضرب فُسطاطًا ولا خِباء، كان يُلقي الكِساء على الشجرة ويستظل تحته، ورأيته أخذ تِبنة من الأرض فقال: «(يا ليتني هذه التِّبنة، ليتني لم أك شيئًا، ليت أمي لم تلِدني!)» .
وكان عمر كثير التلاوة لكتاب الله، ويُطيل القراءة في الصلاة، وقال يومًا لأبي موسى الأشعري: (شوِّقْنا إلى ربنا)، فقرأ شيئًا من القرآن الكريم.
وعن أسلَمَ مولى عمر قال: كان عمر يصلي من الليل ما شاء الله أن يصلي حتى إذا كان من آخر الليل أيقظ أهله بالصلاة يقول لهم: (الصلاة الصلاة)، ويتلو هذه الآية: {{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}} [طه: 132].
وعن الحسن البصري قال: جيء إلى عمر رحمه الله بمال، فبلغ ذلك حفصة بنت عمر أم المؤمنين فجاءت فقالت: يا أمير المؤمنين، حق أقربائك من هذا المال، قد أوصى الله عز وجل بالأقربين من هذا المال، فقال: (يا بِنتَه، حق أقربائي في مالي، وأما هذا ففي سَدَدِ المسلمين).
وكان عمر يكثر من هذا الدعاء: (اللهم اجعل عملي صالحًا، واجعله لك خالصًا، ولا تجعل لأحد فيه شيئًا)، ويكثر أن يقول: (اللهم عافِنا واعفُ عنا).
وكان علي بن أبي طالب يحب عمر ويُجِلُّه، وكان من وزرائه ومستشاريه، وزوَّج عليٌّ ابنته أم كلثوم من عمر، وسمَّى عليٌّ بعض أبنائه عمر.
ومن أقوال عمر رضي الله عنه:
(حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبَوا، فإنه أهون لحسابكم، وزِنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتجهزوا للعرض الأكبر، {{يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ }} [الحاقة: 18]).
وقال عمر: (لا تغرنكم صلاةُ امرئ ولا صومُه، ولكن انظروا مَنْ إذا حدث صدق، وإذا اؤتمن أدى، وإذا أَشْفى وَرِع) أي: إذا قارب فعل المعصية وتيسرت له تركها خوفًا من الله.
وقال عمر: (لو هلك حَمْلٌ مِنْ وَلَدِ الضَّأنِ ضَيَاعًا بشاطئ الفُرَات خشيتُ أن يسألني الله عنه).
وقال عمر: (إنَّا وجدنا خير عيشِنا بالصبر).
وقال عمر: (من مروءة الرجل نقاء ثوبيه، إني أحب أن أرى الشاب الناسِك النظيف الثياب).
وعن الضحاك قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى: (أما بعد، فإن القوة في العمل أن لا تؤخروا عمل اليوم لغد، فإنكم إذا فعلتم ذلك تداركت عليكم الأعمال، فلم تدروا أيها تأخذون فأضعتم، فإذا خُيِّرتم بين أمرين أحدهما للدنيا والآخر للآخرة فاختاروا أمر الآخرة على أمر الدنيا، فإن الدنيا تفنى، وإن الآخرة تبقى، كونوا من الله على وَجَلٍ، وتعلَّموا كتاب الله؛ فإنه ينابيع العلم، وربيع القلوب).
وقال عمر: (اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك)، وفي آخر حجَّةٍ حجها عمر قال: (اللهم كبِرت سِنِّي، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيِّع ولا مفرِّط)، فاستُشْهِد بعد رجوعه إلى المدينة بأيام، طعنه أبو لؤلؤة المجوسي وهو يصلي بالناس صلاة الفجر، وقد كان عمر قال في آخر جمعة خطب فيها الناس: (رأيت كأنَّ ديكًا نَقَرني ثلاثَ نَقَرَاتٍ، ولا أُراه إلا حضور أجلي، وإن قومًا يأمروني أن أَستَخْلِف، وإن الله لم يكن ليُضَيِّع دينه ولا خلافته، فإن عَجِل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض: عثمان وعلي والزبير وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص، اللهم إني أُشهدك على أمراء الأمصار، إني إنما بعثتُهم عليهم ليعدِلوا عليهم، وليُعلِّموا الناس دينهم، وسنةَ نبيهم صلى الله عليه وسلم، ويَقسموا فيهم فيئَهم، ويَرفعوا إليَّ ما أشكل عليهم من أمرهم).
ولما طُعِن عمر صلَّى بالناس عبد الرحمن بن عوف، وحُمِل عمر إلى بيته، فصلى الفجر وجرحه يسيل دمًا، وقال: (لا حظَّ في الإسلام لمن ترك الصلاة)، فجعل الناس يثنون عليه، فقال: (والله وددتُّ أني خرجتُ منها كَفافًا لا عليَّ ولا لي، لو أنَّ لي طِلاع الأرض ذهبًا لافتديت به من هَوْلِ المُطَّلَع، وقد جعلتها شورى في عثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن وسعد)، وأجَّل الستة ثلاثًا، وقال لهم: (قوموا فتشاوروا، وأمِّروا أحدكم)، وأمر صُهيبًا أن يُصلي بالناس، ورأى عمر وهو في فراش الموت شابًا مسبِلًا إزاره، فقال له: (يا ابن أخي، ارفع ثوبَك، فإنه أنقى لثوبك، وأتقى لربك)، ثم أمر أن يحسبوا ما عليه من الدَّين، فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألف درهم، فقال لابنه عبد الله: (إن وفى له مال آل عمر فأدِّه من أموالهم، وإلا فسَل في بني عدي بن كعب، فإن لم تف أموالهم فسَل في قريش، فأدِّ عني هذا المال)، وقال لابنه عبد الله: (انطلق إلى عائشة أم المؤمنين، فقل: يقرأ عليك عمرُ السلام، ولا تقل: أمير المؤمنين، فإني لست اليوم للمؤمنين أميرًا، وقُل: يستأذن عمر بن الخطاب أن يُدفن مع صاحبيه)، فأذنت عائشة رضي الله عنها أن يُدفن عُمَر في حجرتها بجوار قبر النبي عليه الصلاة والسلام وقبر أبي بكر، فقال عمر: (الحمد لله، ما كان من شيء أهمَّ إلي من ذلك المَضْجَعِ، فإذا أنا مت فاحملوني، ثم سلِّم، فقل: يستأذن عمر بن الخطاب، فإن أذِنت لي فأدخلوني، وإن ردَّتني رُدُّوني إلى مقابر المسلمين).
وروى البخاري ومسلم عن ابن عباس قال: وُضِع عمر على سريره فتكنفه الناس يدعون له، فترحم عليه علي بن أبي طالب وقال: (ما خلَّفتُ أحدًا أحبَّ إليَّ أن ألقى الله بمثلِ عملِه منك، وايم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، كنت كثيرًا أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «((ذَهَبْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ))» ، فإن كنت لأظن أن يجعلك الله معهما).
توفي عمر في المدينة النبوية آخر سنة 23 للهجرة، وعمره نحو 59 عامًا تقريبًا، وقيل: 55 عامًا، وقيل: 63 عامًا، ودُفِن بجوار قبر النبي عليه الصلاة والسلام وقبر أبي بكر الصديق، فهما صاحباه في حياته، وجاراه بعد موته، رضي الله عنهما.
Source link