العنوان : أفرأيتم الماء الذي تشربون – محمد سيد حسين عبد الواحد

منذ حوالي ساعة

الأصل في بقاء هذا العالم حيا هو الماء الذي بتنزل من السماء رسول الرحمة وبشير الخير

العناصر الأساسية 
العنصر الأول: ربط اليوم بالأمس وقانون الحركة .
العنصر الثاني: من نعمة الله تعالى إنشاء السحاب الثقال .
العنصر الثالث : أن بدون ربك لا شيء .
الموضوع:
أما بعد فيقول رب العالمين سبحانه وتعالى: {{وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ، وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ } } أيها الإخوة الكرام: قبل اسبوع من يومنا هذا كنا نتحدث عن ضرورة أن يتدارك الإنسان وقته وعمره وحياته قبل أن تذهب وقبل أن تنقضي ويجد الإنسان نفسه بين يدي الله عز وجل..

من أهم ما تكلمنا عنه قبل أسبوع أن من سنة الله تعالى في خلقه ، ومن القوانين الإلهية الحاكمة لهذا العالم قانون الحركة الذي يخضع له جميع الخلائق وبدون استثناء ( الملائكة ، والإنس ، والجن ،والطير ، والبهائم ، والهوام ،والحجر ، والشجر ، والشمس ،والقمر ) الكل يخضع لقانون الحركة ..

ومن بين ما يخضع لقانون الحركة هذا السحاب الذي نراه يمشي ويسافر ويتحرك من فوق رؤوسنا قال الحكيم العليم سبحانه وتعالى : {{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ ۖ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ} } من رحمة الله عز وجل بالإنس والجن والبهائم والهوام والنجم والشجر أن الله تعالى أنشأ السحاب الثقال يحمل الماء ويخزنه ويسافر به ويصبه حيث أمره الله تعالى :
{﴿ هُوَ ٱلَّذِى يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنشِئُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ ﴾ } جبالا من الماء يضم الله تعالى بعضها إلى بعض ، ويجعل الله تعالى بعضها ركاما وكسفا بعضها فوق بعض ، ثم إنه تعالى يسوقها ويحركها من موضع إلى موضع ، ومن بلد إلى بلد ، ثم يأمر الله تعالى هذا السحاب أن يفرغ الماء حيث شاء الله عز وجل ..

في سورة الواقعة يمتن اللطيف الخبير على عباده ببعض المنن منها منة البنين والبنات قال : {أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ ، أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ

وعن منة النبات والإنبات قال : 
{ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ ، أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ } وعن منة النار التي جعلها الله للناس سبب خير ودفئ وهداية قال :
{ { أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ ، أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ } } ومن بين أجل المنن التي امتن الله تعالى بها على عباده منة إنزال الماء من السماء { أفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ ، أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ ، لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ

لولا هذا الماء لم يكن نبات ، لولا هذا الماء لم يعش طير ولم يبق انسان ولم تحي بهيمة ..

 الأصل في بقاء هذا العالم حيا هو الماء الذي بتنزل من السماء رسول الرحمة وبشير الخير :
{{وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ كَذَٰلِكَ النُّشُورُ} } ولذلك كان من السنة النبوية :
إذا أمسكت السماء ماءها أن يخرج الناس إلى الخلاء بأنفسهم وأزواجهم وأولادهم وآبائهم وأمهاتهم يدعون ويستغفرون ويصلون صلاة الاستسقاء ويسألون الله تعالى أن يسقيهم الغيث وأن ينشر عليهم رحمته ..

صلى صلاة الاستسقاء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وصلاها سيدنا موسى عليه السلام ، وصلاها من الأنبياء أيضا سيدنا سليمان عليه السلام..

أخرج الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي هريرة أن نبي الله سليمان – عليه السلام – “خرج يستسقي، أي ( يصلي صلاة الاستسقاء) ويدعو الله تعالى أن يسقيه ويسقي الناس الغيث ..
فبينما هو في طريقه والناس معه إذ رأى نملة مستلقية تقول: اللهم إنَّا خَلْقٌ مِن خلقك، ليس بنا غنًى عن رزقك، فقال سليمان للناس: ارجعوا فقد سُقيتم بدعوة غيركم”

هذا الماء الذي بتنزل من السماء بأمر الله تعالى سماه الله عز وجل رزقا وذلك في قوله عز من قائل {{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقًا ۚ وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ} } وسماه الله غيثا وذلك في قوله { {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ۚ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} } وسماه الله رحمة {{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ ۚ كَذَٰلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}}

{{هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ۖ لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ ، يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }}
سورة النحل 

كل طعام وكل شراب خلقه الله تعالى جعل الله له لون وله طعم وله رائحة ، إلا الماء فإن الله تعالى خصه فخلقه وجعله بلا لون ولا طعم ولا رائحة ..
أتدرون لماذا ؟
اقتضت حكمة الله تعالى أن يكون الماء الذي نشربه عذبا فراتا 
ولم يجعل للماء لونًا، ولا طعمًا، ولا رائحةً
وذلك لحكمة عظيمة ..
 فلو أن طعم الماء كان حلوًا ، 
 لصار كل شيء خالطه الماءُ حلوًا ،
، ولصار كل شيءٍ غُسل بالماء حلوًا، فتجد الزيتون حلوا ، والرمان حلوا ، وكذا الأعناب ، والبقل ، والفوم ، والعدس ، والقثاء ، حتى لحوم الطيور والأنعام ،تجدها جميعا بطعمها الواحد الحلو وهذا يدعو الإنسان لأن يمل ..
ولو كان للماء لونا : لصار كل شيء خالطه الماء أو غسل بالماء لونه واحد وهذا أيضا تتأفف منها النفس ..
ولو كان للماء رائحة : لصار كل شيء خالطه الماء أو غسل بالماء رائحته واحدة ، وهذا أيضا لا تستسيغه النفس ..

من حكمة الله تعالى أن الماء الذي نشربه عذب فرات سائغ شرابه بلا لون ولا طعم ولا رائحة ليكون آية بينة على طلاقة قدرة الله تعالى ..

ماء بلا لون بلا طعم بلا رائحة تسقى به الأرض فتنبت زرعا وزيتونا ورمانا ونخيلا وأعنابا يختلف بعضها عن بعض في الحجم واللون والطعم والرائحة كآية من آيات القدرة التي لا حدود لها للخالق العظيم سبحانه وتعالى :

{{وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} } [سورة الرعد] .

نسأل الله العظيم ألا يحرمنا خير ما عنده بسوء ما عندنا إنه ولي ذلك و مولاه وهو على كل شيء قدير.

الخطبة الثانية
بقي لنا في ختام الحديث ، ونتيجة لما نسمع ولما نقرأ ولما نعلم بقي لنا أن نقول :
( إن الإنسان بدون ربه لا يساوي شيئا )
إذا رفع الله سبحانه وتعالى يده عن الإنسان مات الإنسان من الجوع والعطش ..
قال الله تعالى عن ذاته العلية {{فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ , أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا , ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا  فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا , وَعِنَبًا وَقَضْبًا ، وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا ، وَحَدَائِقَ غُلْبًا ، وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ، مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ }} {سورة عبس} .

الله يبحانه وتعالى هو الفاعل الوحيد في هذا العالم ، هو الخالق الوحيد ، هو الرزاق الوحيد ، ولولا لطف الله بنا لمات الناس في بيوتهم وفي الطرقات من الجوع والعطش ..

{{قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۚ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ ۚ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ}} [سورة يونس ] .

انت بدون ربك لا تساوي شيئا ، أن بدون ربك لا تملك لنفسك نفعا ولا ضرا ..

لولا لطف الله تعالى بالنطفة لماتت قبل أن تصل إلى الرحم ..

لولا لطف الله تعالى لماتت الحبة تحت التراب ..

لولا لطف الله تعالى لكان الماء الذي بتنزل من السماء ملحا أجاجا ..

 أي لولا رحمة الله بعباده لصار الماء الذي ينزل من السماء ملحا أجاجا أي شديد الملوحة وشديد المرارة .

أخرج أبو نعيم في حلية الأولياء: عن النبي – صلى الله عليه وسلم  : أنه إذا شرب الماء قال : «“كان إذا شرِبَ الماءَ قال : الحمدُ للهِ الذي سَقانا عذْبًا فُراتًا برحمتِه، و لم يجعلْه مِلحًا أُجاجًا بذنوبِنا” »

انت بدون ربك لا تساوي شيئا ، أنت بدون ربك تعجز أن تسقي نفسك شربة ماء ..

{ {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ ، أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ ، لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ } } [الواقعة]

على الإنسان أن يذكر فضل الله تعالى عليه مع كل طرفة عين ، مع كل نفس يدخل ويخرج ، على الإنسان أن يذكر فضل الله تعالى عليه مع كل شربة ماء ، ومع كل خطوة يخطوها بقدميه ..

هذا الخير الذي أنت فيه هو من صنع الله ، وهو من فضل الله فاحمد الله تعالى عليه ليلا ونهارا وسرا وجهارا ..

واملأ حياتك بذكر الله تعالى وشكره وحسن عبادته تؤجر وتجبر وتنصر  ..

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم ان يسبغ علينا نعمة ظاهرة وباطنة إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير.
———————————-
جمع وترتيب : الشيخ / محمد سيد حسين عبد الواحد.
إمام وخطيب ومدرس أول .
إدارة أوقاف القناطر الخيرية.
مديرية أوقاف القليوبية . مصر .


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خواطر بلا صخب – طريق الإسلام

التاريخ يعلمنا أن الأمم لا تُبنى حين تنهار، بل حين تعيد تعريف نفسها أمام تلك …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *