منذ حوالي ساعة
رحلتي مع الكمبيوتر من صخر إلى الذكاء الصناعي: تأملات في التقنية والاستخدام العربي
تأملات في التقنية والاستخدام العربي:
عندما أرى الذكاء الصناعي الآن وأستخدمه أتذكر علاقتي بالكمبيوتر وهي علاقة قديمة ترجع إلى عام 1983، وحينها كنت في سنة أولى بكلية الآداب في جامعة القاهرة وذكر لي أحد الأخوة المقربين جدا مني وقتها أن هناك شيء اسمه كمبيوتر وقدرته كذا وكذا وهذا ممكن ينفع العمل الإسلامي ..الخ الخ (وكان هو حينئذ طالب بكلية الهندسة قسم كهرباء) وفي 1984 أو 1985 اقتنيت كمبيوتر شخصي صغير ياباني وامكاناته محدودة للغاية بسبب صغره، وطبعا كنت محكوما بالسعر، ثم اشتريت بعدها بسنة كمبيوتر صخر لأنه كان عربي وسهل الاستخدام لأنه كان يعمل بنظام النوافذ على ما أتذكر، ثم توقفت عن الشراء الى أن أسست عام 1992 شركة صغيرة لتجهيزات الصحافة والطباعة والمعلومات والخدمات الصحفية وكنا نستخدم فيها أجهزة كمبيوتر ماكنتوش، ووقتها كان أحد أجهزة الكمبيوتر التي اقتنيناها للعمل بالشركة هو جهاز كمبيوتر ماكنتوش كان الهارد ديسك فيه سعة 10 ميجا وكان سعره مرتفعا، فكان كل من يزر المكتب يقول ما هذا؟ ما الداعي لاقتناء جهاز سعره مرتفع هكذا؟ ما فائدة كل هذه السعة في الهارد ديسك إن 10 ميجا كثير جدا؟؟!!.. لماذا لا تبيعه وتشتري بثمنه جهازين او ثلاثة بسعة هارد ديسك أقل.
أتذكر هذا الآن عندما أجد موبايل سمارت سعة الميموري فيه 250 جيجا او كتاب PDF حجمه 30 ميجا.. وأضحك.
أما قصة الذكاء الصناعي Artificial intelligence فيبدو أنه خلال سنوات قليلة سننتقل منها أو معها إلى أشياء أخرى، الله أعلم بها، وبدأت بوادرها في كل من الكمبيوتر الكمي Quantum Computer ، و طبعا اصله من الفيزياء الكمية Quantum Physics ، وقبلهما التطبيقات Applications المعتمدة على البلوك تشين Blockchain ، وتأتي أهمية البلوك تشين Blockchain من أنه لو نجحت عملية تعميمه فإنه سيفكك الهيمنة الصهيوصليبية بل وأي هيمنة أخرى عن شبكة الانترنت الكونية، فسبحان الله.. قال الله تعالى: “وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ” سورة النحل آية 8.
لكن مازالت مشكلتنا في أجزاء كثيرة من العالم العربي أننا لا نواكب هذه الطفرة التقنية بأساليب واستراتيجيات سليمة، فنجد أكثرنا يستخدمون هذه الموجة التقنية كمستخدمين بالحد الأدنى، فنجد من يستخدم الذكاء الصناعي في كتابة بوست أو تدوينة أو صناعة صورة لبوست على الفيس، ونرى من يقتنى موبايل متقدم جدا وبسعر عالي جدا للاستماع عبره لموسيقى شعبية، ونرى من يشتري كمبيوتر أو لاب توب ذا قدرات كبيرة جدا من أجل أن يستخدمه في الألعاب أو مشاهدة فيديوهات التمثيليات والأفلام المسلية، في حين نجد أنه في الدول المتقدمة يستخدمون هذه الموجة من التقدم التقني في بحوث الصناعات الدوائية والخدمات العلاجية والطبية، وبحوث التكنولوجيا الفائقة كبحوث الفضاء وصناعة الصواريخ والمسيرات وروبوتات الصناعة والخدمات بل والقتال والشئون الحربية، وحفظ الأمن القومي والأمن العام والأمن السيبراني، وخدمات البنوك والإدارة العامة والخاصة، أي في كل مجالات الحياة بما يزيد من ثراء هذه الدول ونفوذها وقدرتها وقوتها، سواء على مستوى الدول أو الشركات أو الأشخاص، فهم يعملون وينتجون ويكبرون بينما نحن نستهلك فقط ونلهو ونلعب ونتسلى.
بل ومنذ عقود فهذه التطبيقات التقنية العالية اقتحمت مجالات لم تخطر على بال العديد من العلماء هنا في العالم العربي حتى الأمس القريب، مثل مجالات التحليل السياسي والأمني والاستراتيجي والعلوم الاجتماعية بعامة، وجرى ويجري تطبيقها على نطاق واسع، بينما مازالت نخبتنا تقيس بالشبر والباع عند صناعة القرار أو تحليل الواقع ومتابعته.
نعم هناك العديد من الدول العربية -خاصة الثرية منها- بدأت في السنوات الأخيرة بالاستثمار في مجال الذكاء الصناعي وملحقاته والروبوتات والمسيرات، والعديد من التطبيقات الجديدة والمتطورة، بل وسعى بعضها في الشهور الأخيرة لدخول مجال الكمبيوتر الكمي Quantum Computer، لكن هذا كله للأسف يبدو أنه يتم بكوادر إما غربية أو صينية أو هندية وليس فيه أيادي عربية بشكل أساسي، فكأن هذه الدول ليس لها في هذه المشروعات سوى الأرض والمال، أما المعرفة والإدارة المعرفية والتقنية فكلها أجنبية شرقية (من الصين أو الهند) أو غربية (من أوروبا أو أمريكا الشمالية).
ومن هنا فما زلنا بحاجة إلى وعي معرفي تقني يدمج عقولنا وسلوكنا مع هذه الموجة من التقنيات، وذلك بنمط يمكننا من توظيف أقصى ما تتيحه من فرص لاكتساب “القوة والقدرة”، سواء كانت هذه “القوة والقدرة” مال أو نفوذ أو تأثير، وذلك في كل المجالات السياسية والاقتصادية والتقنية والعسكرية، وإلا فمن يتخلف عن هذه الثورة الصناعية والعلمية الجديدة فسوف يصير غدا عبد العصا للدول المتقدمة وشركاتها ونخبتها، وحينها فلا نلوم إلا أنفسنا إذ ركنا لتضييع الوقت في اللهو واللعب والتسلية ونبذنا المعالي وتمتعنا بالراحة.
ونسينا أدب الدنيا والدين الذي امتلأ به تراثنا العريق.
قال الإمام الشافعي رحمه الله:
بقدر الكد تكتسب المعالي
***ومن طلب العلا سهر الليالي
ومن طلب العلا من غير كد
***أضاع العمر فى طلب المحال
ويقول أبو الطيب:
لولا المشقة ساد الناس كلهمُ
***الجود يفقر والاقدام قتّالُ
ويقول أبو العلاء المعري:
من كان أبصر شيئا أو رأى عجبا
***فإنني عشت دهرا لا أرى عجبا
الناس كالناس والأيام واحدٌ
*** والهر كالهر والدنيا لمن غلبا
وقبل هذا كله يقول الله تعالى: {﴿ وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون﴾} سورة التوبة آية 105.
Source link