منذ حوالي ساعة
إن مخاطبة الناس بالحسنى للوصول بهم إلى ما تعتقده من الحق هو منهج مأمور به، فالرفق سبيلٌ مأذون بالطاعة ومع ذلك، فإن من طبيعة الحق أن يُحدث تمايزًا ويثير خلافًا،
إن مخاطبة الناس بالحسنى للوصول بهم إلى ما تعتقده من الحق هو منهج مأمور به، فالرفق سبيلٌ مأذون بالطاعة ومع ذلك، فإن من طبيعة الحق أن يُحدث تمايزًا ويثير خلافًا، وعلى المرء أن يدرك أن الحق ليس دائمًا موضع إجماع، والحق بطبيعته يُحدث الفرقة، لا تجتمع أمواجه مع مستنقعات الباطل في سلام.
بل هو مفرق للآراء، باعث للخلاف، والقرآن من أسمائه «الفرقان»، وقد كان نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم سببًا لتفريق الأواصر العائلية في قريش، فهذه سيما الحق، فلا تُغَرِّنَّك محاولات الجمع القسري بين الحق والباطل، ودمج الضلال بالهدى، فالاشتغال بمحاولة الجمع بين المتناقضات يُنهك صاحبه، وهو خداع للنفس قبل أن يكون زينة للآخرين، ولن يلبث أن يخيب سعيه ويتبدد جهده، وليس من الحكمة أن يسكت صاحب الحق اتقاءً للشقاق، بل الفقه في التعامل مع الناس هو أن تبلغهم الحق وإن كانوا لم يألفوه، فتخرجهم من ظلمات العادات وأسر الأفكار الموروثة إلى نور الوحي، فإن لم تكن على حق، بان لك ما خفي عنك.
{وَما تَفَرَّقوا إِلّا مِن بَعدِ ما جاءَهُمُ العِلمُ بَغيًا بَينَهُم وَلَولا كَلِمَةٌ سَبَقَت مِن رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَينَهُم وَإِنَّ الَّذينَ أورِثُوا الكِتابَ مِن بَعدِهِم لَفي شَكٍّ مِنهُ مُريبٍ} [الشورى: ١٤]
{وَما تَفَرَّقَ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ إِلّا مِن بَعدِ ما جاءَتهُمُ البَيِّنَةُ} [البينة: ٤]
وقد كان سفيان الثوري -رحمه الله- مثالًا لهذا النهج: “كان إذا دخل البصرة حدّث بفضائل علي، وإذا دخل الكوفة حدّث بفضائل عثمان”، يُداوي كل موضع بما يناسبه. وهو الذي أوصى بقوله: “واعلم أنه من طلب الخير صار غريبًا في زمانه، ولا تستوحش، واستقم على سبيل ربك، فإنك إن فعلت ذلك، كان مولاك الله تعالى وجبريل وصالحي المؤمنين”.
Source link