المقدمة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، أما بعد:
فهذه سيرة الخلفاء الراشدين الأربعة رضي الله عنهم، مختصرة محررة، وهم خير هذه الأمة، وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالتمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده، وأسأل الله أن يرزقنا حبهم واتباعهم بإحسان، وأن يُحيِينا مسلمين، على كتاب الله وسنة رسوله، مُتَّبِعين سبيل المؤمنين، وأن يتوفَّنا مسلمين، ويُلحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين، ولا ضالين ولا مضلين، والحمد لله رب العالمين.
المؤلف
صنعاء – اليمن
5 صفر 1447
(1) أبو بكر الصِّدِّيق ثاني اثنين
أبو بكر الصِّدِّيق، اسمه عبد الله بن عثمان القُرَشي التَّيمي، أول من أسلم من الرجال، الصحابي الوحيد الذي ذكره الله بصحبة نبيه في القرآن، قال الله سبحانه: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40]، قال له النبي عليه الصلاة والسلام حين خاف أن يرى المشركون رسول الله وهو في غار ثور: (لا تحزن إن الله معنا)، ولم يقل: إن الله معي فقط، فالله مع رسوله ومع أبي بكر بالحفظ والنصر والتأييد، قال ابن العربي المالكي في كتابه أحكام القرآن: “الصِّدِّيق لا ينقصه إضافة الحزن إليه، كما لم تنقص إبراهيم حين قيل عنه: {نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} [هود: 70]، ولم ينقص موسى قوله عنه: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} [طه: 67] … حزن الصِّدِّيق رضي الله عنه لم يكن لشك وحيرة، وإنما كان خوفا على النبي صلى الله عليه وسلم أن يصل إليه ضرر”. وبدأت الآية بضمير المفرد الغائب إخبارًا عن نصر الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ثم رجع الضمير إلى النبي عليه الصلاة والسلام في آخر الآية فقال سبحانه: {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا} [التوبة: 40].
قال العلماء: دلت هذه الآية على فضيلة أبي بكر رضي الله عنه من وجوه كثيرة، منها ما يلي:
1- أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذهب إلى الغار كان يخاف من الكفار أن يقدموا على قتله، فلولا أنه يعلم أن أبا بكر من المؤمنين الصادقين وإلا لما استخلصه لصحبته.
2- أن الهجرة كانت بإذن الله تعالى، وتخصيص الله لأبي بكر دون غيره بصحبة نبيه في هجرته شرف عظيم.
3- أن الله سبحانه خص أبا بكر بملازمة نبيه وخدمته عند هذا الخوف الشديد الذي لم يبق معه أحد، وهذا فضل عظيم.
4- أن الله تعالى سمى أبا بكر في كتابه (ثاني اثنين)، فجعله ثاني محمد عليه الصلاة والسلام حال كونهما في الغار، وقد ذكر العلماء أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان ثاني محمد في أكثر المناصب الدينية، فقد كان ثاني اثنين في الدعوة إلى الله، حتى أنه أسلم على يديه كثير من كبار الصحابة، وهو أول من أسلم من الرجال فكان الثاني في الإسلام بعد رسول الله، وكان ثاني اثنين في مجلسه صلى الله عليه وسلم، يلازمه في حضره وسفره لا يفارقه، ولما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوم مقامه في الصلاة فكان ثاني اثنين في إمامة الناس، وهو الثاني بعد موت رسول الله في القيام بأمر المسلمين والجهاد في سبيل الله، وبعد أن ارتد كثير من العرب بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم قاتلهم أبو بكر حتى ردهم إلى الإسلام، فكان ثاني اثنين في دعوة الناس للدخول في الإسلام.
قال الحافظ ابن حجر: “صحب أبو بكر النبيَّ صلى اللَّه عليه وسلم قبل البِعثة، وسبق إلى الإيمانِ به، واستمر معه طولَ إقامته بمكة، ورافقه في الهجرة، وفي الغار، وفي المشاهد كلها إلى أن مات، وكانت الراية معه يوم تبوك، وحجَّ بالناس في حياة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم سنة تسع، واستقر خليفة بعده، ولقَّبه المسلمون خليفة رسول اللَّه، وروى عنه العلم: عمر، وعثمان، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف، وابن مسعود، وابن عمر، وابن عمرو، وابن عباس، وحذيفة، وزيد بن ثابت، وعقبة بن عامر، ومعقل بن يسار، وأنس، وأبو هريرة، وأبو أمامة، وأبو برزة، وأبو موسى، وابنتاه: عائشة، وأسماء، وغيرهم من الصحابة”.
وكان أبو بكر ممن ترك الخمر في الجاهلية قبل الإسلام، وكان عاقلًا يحبه قومه ويعرفون قدره، قال محمد بن إسحاق: “كان أبو بكر محبَّبًا سهلًا، وكان أنسب قريش لقريش، وأعلمهم مما كان منها من خير أو شر، وكان تاجرًا ذا خُلُقٍ ومعروف، وكانوا يألفونه لعِلمه وتجارتِه وحُسنِ مجالسته، فجعل يدعو إلى الإسلام مَنْ وثِق به، فأسلم على يديه عثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف”.
قال الله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل: 17 – 21]، أجمع المفسرون أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وهي تعم كل من كان تقيًا متصدقًا مخلصًا.
وأجمع المفسرون أن هذه الآية نزلت في أبي بكر: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22]، وذلك حين حلف أبو بكر أن يترك النفقة على مِسْطح بن أُثاثة حين خاض مع أهل الإفك في أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها، وكان ينفق عليه أبو بكر لكونه من أقاربه، وكان مسكينًا من المهاجرين، فأنزل الله هذه الآية، فقال أبو بكر: (بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي)، فرجع إلى الإنفاق على مِسْطح رضي الله عنه، ومعنى الآية: ولا يحلف أهل الفضل في الدِّين وأصحاب السَّعة في المال على ترك إعطاء أقربائهم المحتاجين، فأخبر الله تعالى أن أبا بكر من أهل الفضل في الدين، وهذه منقبة عظيمة.
وروى أحمد بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَا نَفَعَنِي مَالٌ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ))، فبكى أبو بكر، وقال: (هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله؟!).
وروى البخاري عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه وماله)).
وروى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه قال: كان أبو بكر أعلَمَنا بالنبي عليه الصلاة والسلام، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي مَالِهِ وَصُحْبَتِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ)).
وروى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنَّهُ أَخِي وَصَاحِبِي، وَقَدِ اتَّخَذَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلًا)).
وروى البخاري ومسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحبُّ إليك؟ قال: ((عَائِشَة))، فقلت: من الرجال؟ فقال: ((أَبُوهَا))، قلت: ثم من؟ قال: ((ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ)).
وروى البخاري ومسلم عن جُبير بن مطعم رضي الله عنه قال: أن امرأة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا، فأمرها أن ترجع إليه، فقالت: يا رسول الله أرأيت إن جئت فلم أجدك؟! – كأنها تعني الموت – قال: ((فإن لم تجديني فأتي أبا بكر)).
وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن عمر رضي الله عنه قال: (أبو بكر سيِّدُنا، وخيرُنا، وأحبُّنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وفضائل أبي بكر كثيرة، وهو أكثر صحابي صَحِب النبي عليه الصلاة والسلام، فقد صَحِبه في مكة 13 سنة قبل الهجرة، ثم صَحِبه في هجرته، وصَحِب النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة حضرًا وسفرًا، وكان ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد وغزوة حنين حين ولى الناس، وكان أبو بكر من أعلم الصحابة بالقرآن الكريم والسنة النبوية، وكان فقيها عالمًا بالقضاء والأنساب وتعبير الرؤى، وكان من الخطباء، وكان من العُبَّاد الزُّهَّاد، شديد الورع، كثير البكاء من خشية الله، وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم جميع غزواته، وأمَّره النبي عليه الصلاة والسلام على الحج سنة 9 للهجرة، وفي مرض موته اختاره ليصلي بالناس دون غيره، وحين توفي النبي صلى الله عليه وسلم شك بعض الصحابة في موته فقال أبو بكر: (من كان يعبد محمدًا صلى الله عليه وسلم فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت)، وقرأ قول الله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30]، وقوله سبحانه: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144].
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فأتاهم عمر فقال: ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمَّر أبا بكر فأمَّ الناس، فأيكم تطيب نفسُه أن يتقدم أبا بكر؟! فقالوا: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر رضي الله عنه.
وبايع علي بن أبي طالب رضي الله عنه أبا بكر الصديق، وكان من وزرائه ومستشاريه، وكان يعرف فضل أبي بكر، وصح عنه أنه قال: (خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر)، وقال ابنه محمد ابن الحنفية: قلت لأبي: أيُّ الناس خيرٌ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: (أبو بكر)، قلت: ثم من؟ قال: (ثم عمر).
وقال علي رضي الله عنه: (أعظم الناس أجرًا في المصاحف أبو بكر، كان أول من جمع القرآن بين اللوحين).
وأبو بكر الصديق أول الخلفاء الراشدين، وأول من أمر بجمع المصحف الشريف، وأول من أمر بالجهاد بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام، فحين ارتد كثير من العرب بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام ومنع بعضهم الزكاة جهَّز أبو بكر الصديق الجيوش لقتالهم، وبعد أن انتصر عليهم ورجع غالب المرتدين إلى الإسلام جهَّز أبو بكر الجيوش لغزو فارس والروم، فهو أول من بدأ الفتوح الإسلامية التي استمرت بعد موته، وله أجرها وأجر من أسلم في تلك البلدان، كما له أجر جمع القرآن الكريم في المصاحف وأجر من تلا القرآن وتعلمه إلى يوم القيامة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والإمام أبو بكر هو الثاني في الإسلام، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو الأول، وأبو بكر هو الثاني كما قال الله تعالى: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ}، فكان في حياة النبي عليه الصلاة والسلام الثاني، وبعد موت النبي كان هو الثاني في القيام بالإمامة وأمر الأمة، وسُمِّي خليفة رسول الله ولم يُسمَّ بذلك أحدٌ سواه، فهو إمام المسلمين بعد رسول الله، واستمر خليفة سنتين وثلاثة أشهر، وحين توفي دُفِن جوار النبي عليه الصلاة والسلام، فقبره هو القبر الثاني، اختاره الله لصحبة نبيه في حياته ومجاورته بعد موته، قال الجاحِظ: “في قول الله: {ثاني اثنين} معنى عظيم، فهو ثاني اثنين في التقدم في الإسلام، وثاني اثنين في الدعاء إلى الله ورسوله، وثاني اثنين في الغار، وثاني اثنين في الهجرة، وأمرُ الغار وقصةُ أبي بكر وصحبتُه مع النبي صلى الله عليه وسلم وكونُه معه فيه نَطَق به القرآن، وصح به الإجماع كالصلوات الخمس، حتى إنَّ من أنكر ذلك عند الأمة مجنون أو كافر، وقد سماه الله صاحبًا في كتابه، ثم سماه النبي صلى الله عليه وسلَّم صِدِّيقَه من بين خلق الله حتى غلب على اسمه”.
قال أبو بكر الصديق: (والله ما كنتُ حريصًا على الإمارة يومًا ولا ليلة، ولا سألتُها الله في سرٍّ ولا علانية).
ومن أقوال أبي بكر الصديق: (ارقُبُوا محمدًا صلى الله عليه وسلم في أهل بيته) أي: احفظوه فلا تسبوهم ولا تؤذوهم.
وقال أبو بكر: (إياكم والكذبَ، فإنَّ الكذب مجانبُ الإيمان).
توفي أبو بكر الصديق رضي الله عنه في المدينة النبوية سنة 13 للهجرة، وعمره 63 عامًا كعُمْرِ النبي عليه الصلاة والسلام، ولم يترك دينارًا ولا درهمًا، ودُفِن بجانب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أحد أقرب منه من النبي صلى الله عليه وسلم لا في حياته ولا بعد موته، ويوم القيامة يُبعث من نفس البقعة التي يَبعث الله منها نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم، فيكون أقربَ الناس من النبي عليه الصلاة والسلام يوم القيامة، فهو صاحب النبي عليه الصلاة والسلام في الدنيا والآخرة، رضي الله عنه وأرضاه.
(2) عمر بن الخطاب أمير المؤمنين
عمر بن الخطاب أبو حفص القُرَشي العَدَوي الفاروق رضي الله عنه، أسلم وعمره بضع وعشرون سنة في السنة السادسة من البعثة النبوية، وأعز الله المسلمين بإسلامه، وهو من السابقين الأولين من المهاجرين، شهد مع النبي عليه الصلاة والسلام جميع غزواته، وثبت معه في غزوة أُحُدٍ وحُنَين، وتوفي رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو عنه راضٍ، واستخلفه أبو بكر الصديق يوم مات، فبايعه الناس، فقام بأعباء الخلافة لا يخاف في الله لومة لائم، وهو أول من سُمِّي أمير المؤمنين، وأول من ابتدأ التاريخ الهجري، وأول من بنى المدن في الإسلام، أمر ببناء البصرة والكوفة في العراق، وفتح بيت المقدس بنفسه، وأمر أن يُبنى في ساحة المسجد الأقصى مسجدًا، وهو المسمى المسجد العُمَري، وفضائل عمر كثيرة، منها ما يلي:
روى البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (وافقت ربي في ثلاث: قلت يا رسول الله، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]، وقلت: يا رسول الله، لو أمرت نساءك أن يحتجبن، فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغَيرة عليه، فقلت لهن: (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن)، فنزلت هذه الآية.
وروى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ، وَمِنْهَا مَا دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ)) قالوا: ماذا أوَّلت ذلك يا رسول الله؟ قال: ((الدِّينَ)).
وروى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ رَأَيْتُ قَدَحًا أُتِيتُ بِهِ فِيهِ لَبَنٌ، فَشَرِبْتُ مِنْهُ حَتَّى إِنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَجْرِي فِي أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ)) قالوا: فما أوَّلْتَ ذلك يا رسول الله؟ قال: ((الْعِلْمَ)).
وكان عمر من أحب الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد أبي بكر، وكانا وزيرَي النبي عليه الصلاة والسلام، وتزوَّج النبي عليه الصلاة والسلام عائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر رضي الله عنهم أجمعين، وكان أبو بكر وعمر يُكثِران من الجلوس مع النبي عليه الصلاة والسلام حضرًا وسفرًا، في الأمن والخوف، والسِّلم والحرب، وروى البخاري عن عبد الله بن هشام قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو آخذٌ بيد عمر بن الخطاب.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (إذا ذُكِر الصالحون فحَيَّهَلاً بعمر؛ إن عمر كان أعلَمَنا بكتاب الله، وأفقَهَنا في دين الله).
وقال حذيفة رضي الله عنه: (والله ما أعرف رجلًا لا تأخذه في الله لومة لائم إلا عمر).
مكث عمر في الخلافة عشر سنوات ونصف، وحج بالناس في إمارته كلها، وجهَّز الجيوش بعد الجيوش حتى يسَّر الله الفتوح العظيمة في عهده، ففُتِحت الشام والعراق وإيران وأذربيجان وأرمينية وجنوب تركيا ومصر وليبيا، وولَّى عمر الولاة على الأمصار، وكان يتابع ولاته بأوامره ونصائحه، ويحاسبهم، ويعزل من يرى عزله منهم، وكان في خلافته يُعلِّم ويُفتي ويَقضي بين الناس، ويؤتي الزكاة مستحقيها، ويقسم الفيء بين المسلمين، وولَّى علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب قِسمة صدقةِ رسول الله من نخل بني النضير على بني هاشم، ودوَّن عمر الدواوين قبل أن يموت بعام، ولما أُتي عمر بكنوز كسرى أمر بها فوضعت في وسط المسجد، فلما كشف عنها عمر بكى، فقيل له: ما يبكيك يا أمير المؤمنين! فقال: (إن هذا لم يُعطَه قومٌ إلا أُلقِيَتْ بينهم العداوة والبغضاء).
وكان عمر بن الخطاب عابدًا زاهدًا، خاشعًا متواضعًا، قال أنس: رأيت في قميص عمر أربع رِقاع بين كتفيه، وقال أبو عثمان النَّهدي: رأيت على عمر إزارًا مرقوعًا، وقال عبد الله بن عامر بن ربيعة: حججت مع عمر فما ضرب فُسطاطًا ولا خِباء، كان يُلقي الكِساء على الشجرة ويستظل تحته، ورأيته أخذ تِبنة من الأرض فقال: (يا ليتني هذه التِّبنة، ليتني لم أك شيئًا، ليت أمي لم تلِدني!).
وكان عمر كثير التلاوة لكتاب الله، ويُطيل القراءة في الصلاة، وقال يومًا لأبي موسى الأشعري: (شوِّقْنا إلى ربنا)، فقرأ شيئًا من القرآن الكريم.
وعن أسلَمَ مولى عمر قال: كان عمر يصلي من الليل ما شاء الله أن يصلي حتى إذا كان من آخر الليل أيقظ أهله بالصلاة يقول لهم: (الصلاة الصلاة)، ويتلو هذه الآية: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132].
وعن الحسن البصري قال: جيء إلى عمر رحمه الله بمال، فبلغ ذلك حفصة بنت عمر أم المؤمنين فجاءت فقالت: يا أمير المؤمنين، حق أقربائك من هذا المال، قد أوصى الله عز وجل بالأقربين من هذا المال، فقال: (يا بِنتَه، حق أقربائي في مالي، وأما هذا ففي سَدَدِ المسلمين).
وكان عمر يكثر من هذا الدعاء: (اللهم اجعل عملي صالحًا، واجعله لك خالصًا، ولا تجعل لأحد فيه شيئًا)، ويكثر أن يقول: (اللهم عافِنا واعفُ عنا).
وكان علي بن أبي طالب يحب عمر ويُجِلُّه، وكان من وزرائه ومستشاريه، وزوَّج عليٌّ ابنته أم كلثوم من عمر، وسمَّى عليٌّ بعض أبنائه عمر.
ومن أقوال عمر رضي الله عنه:
(حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبَوا، فإنه أهون لحسابكم، وزِنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتجهزوا للعرض الأكبر، {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ } [الحاقة: 18]).
وقال عمر: (لا تغرنكم صلاةُ امرئ ولا صومُه، ولكن انظروا مَنْ إذا حدث صدق، وإذا اؤتمن أدى، وإذا أَشْفى وَرِع) أي: إذا قارب فعل المعصية وتيسرت له تركها خوفًا من الله.
وقال عمر: (لو هلك حَمْلٌ مِنْ وَلَدِ الضَّأنِ ضَيَاعًا بشاطئ الفُرَات خشيتُ أن يسألني الله عنه).
وقال عمر: (إنَّا وجدنا خير عيشِنا بالصبر).
وقال عمر: (من مروءة الرجل نقاء ثوبيه، إني أحب أن أرى الشاب الناسِك النظيف الثياب).
وعن الضحاك قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى: (أما بعد، فإن القوة في العمل أن لا تؤخروا عمل اليوم لغد، فإنكم إذا فعلتم ذلك تداركت عليكم الأعمال، فلم تدروا أيها تأخذون فأضعتم، فإذا خُيِّرتم بين أمرين أحدهما للدنيا والآخر للآخرة فاختاروا أمر الآخرة على أمر الدنيا، فإن الدنيا تفنى، وإن الآخرة تبقى، كونوا من الله على وَجَلٍ، وتعلَّموا كتاب الله؛ فإنه ينابيع العلم، وربيع القلوب).
وقال عمر: (اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك)، وفي آخر حجَّةٍ حجها عمر قال: (اللهم كبِرت سِنِّي، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيِّع ولا مفرِّط)، فاستُشْهِد بعد رجوعه إلى المدينة بأيام، طعنه أبو لؤلؤة المجوسي وهو يصلي بالناس صلاة الفجر، وقد كان عمر قال في آخر جمعة خطب فيها الناس: (رأيت كأنَّ ديكًا نَقَرني ثلاثَ نَقَرَاتٍ، ولا أُراه إلا حضور أجلي، وإن قومًا يأمروني أن أَستَخْلِف، وإن الله لم يكن ليُضَيِّع دينه ولا خلافته، فإن عَجِل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض: عثمان وعلي والزبير وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص، اللهم إني أُشهدك على أمراء الأمصار، إني إنما بعثتُهم عليهم ليعدِلوا عليهم، وليُعلِّموا الناس دينهم، وسنةَ نبيهم صلى الله عليه وسلم، ويَقسموا فيهم فيئَهم، ويَرفعوا إليَّ ما أشكل عليهم من أمرهم).
ولما طُعِن عمر صلَّى بالناس عبد الرحمن بن عوف، وحُمِل عمر إلى بيته، فصلى الفجر وجرحه يسيل دمًا، وقال: (لا حظَّ في الإسلام لمن ترك الصلاة)، فجعل الناس يثنون عليه، فقال: (والله وددتُّ أني خرجتُ منها كَفافًا لا عليَّ ولا لي، لو أنَّ لي طِلاع الأرض ذهبًا لافتديت به من هَوْلِ المُطَّلَع، وقد جعلتها شورى في عثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن وسعد)، وأجَّل الستة ثلاثًا، وقال لهم: (قوموا فتشاوروا، وأمِّروا أحدكم)، وأمر صُهيبًا أن يُصلي بالناس، ورأى عمر وهو في فراش الموت شابًا مسبِلًا إزاره، فقال له: (يا ابن أخي، ارفع ثوبَك، فإنه أنقى لثوبك، وأتقى لربك)، ثم أمر أن يحسبوا ما عليه من الدَّين، فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألف درهم، فقال لابنه عبد الله: (إن وفى له مال آل عمر فأدِّه من أموالهم، وإلا فسَل في بني عدي بن كعب، فإن لم تف أموالهم فسَل في قريش، فأدِّ عني هذا المال)، وقال لابنه عبد الله: (انطلق إلى عائشة أم المؤمنين، فقل: يقرأ عليك عمرُ السلام، ولا تقل: أمير المؤمنين، فإني لست اليوم للمؤمنين أميرًا، وقُل: يستأذن عمر بن الخطاب أن يُدفن مع صاحبيه)، فأذنت عائشة رضي الله عنها أن يُدفن عُمَر في حجرتها بجوار قبر النبي عليه الصلاة والسلام وقبر أبي بكر، فقال عمر: (الحمد لله، ما كان من شيء أهمَّ إلي من ذلك المَضْجَعِ، فإذا أنا مت فاحملوني، ثم سلِّم، فقل: يستأذن عمر بن الخطاب، فإن أذِنت لي فأدخلوني، وإن ردَّتني رُدُّوني إلى مقابر المسلمين).
وروى البخاري ومسلم عن ابن عباس قال: وُضِع عمر على سريره فتكنفه الناس يدعون له، فترحم عليه علي بن أبي طالب وقال: (ما خلَّفتُ أحدًا أحبَّ إليَّ أن ألقى الله بمثلِ عملِه منك، وايم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، كنت كثيرًا أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((ذَهَبْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ))، فإن كنت لأظن أن يجعلك الله معهما).
توفي عمر في المدينة النبوية آخر سنة 23 للهجرة، وعمره نحو 59 عامًا تقريبًا، وقيل: 55 عامًا، وقيل: 63 عامًا، ودُفِن بجوار قبر النبي عليه الصلاة والسلام وقبر أبي بكر الصديق، فهما صاحباه في حياته، وجاراه بعد موته، رضي الله عنهما.
(3) عثمان بن عفان ذو النورين
عثمان بن عفان القُرَشي الأُمَوي، أحد السابقين الأولين، والخلفاء الراشدين، والعشرة المبشرين، أمير المؤمنين، الملقب ذو النورين؛ لكونه تزوج ابنتي النبيِّ رقية ثم أم كلثوم رضي الله عنهما، ولا يعرف أحدٌ من الأولين والآخرين تزوج ابنتي نبيٍّ إلا عثمان رضي الله عنه.
أسلم عثمان في مكة رابع أربعة بعد أبي بكر وعلي وزيد بن حارثة، وكان أول من هاجر إلى الحبشة مع رقية بنت رسول الله ليعبد الله سبحانه، ثم رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة النبوية حين أمرهم رسول الله بالهجرة، وكان من أغنياء الصحابة المتصدقين المحسنين، اشترى بئر رُومَة من يهودي في المدينة وأوقفها على المسلمين، وجهَّز جيش المسلمين في غزوة تبوك بألفٍ من الإبل والخيل، وألفِ دينار، أو ما يقارب ذلك، وهذا مالٌ عظيمٌ جدًا، جاد به عثمان بطيبة نفس، وكان عثمان يكثر الصدقات، ويُعتِق كل أسبوع عبدًا أو أمَة، ويصوم النهار، ويقوم الليل إلا هجعة من أوله، وكان يغتسل كل يوم.
وكان عثمان رضي الله عنه من كُتَّاب القرآن الكريم، ومن حفاظه المتقنين، كان أحيانًا يقرأ القرآن كله في ركعة يوتر بها، وهو ممن عرض القرآن على النبي عليه الصلاة والسلام، وصَبَّر نفسه لتعليم القرآن الكريم، وهو راوي حديث: ((خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ))، وقرأ عليه القرآن كثير من الصحابة والتابعين، من أشهرهم: أبو عبد الرحمن السُّلَمي شيخ الإمام عاصم.
صح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه قال: كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي: (أفضل أمة النبي صلى الله عليه وسلم بعده أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان رضي الله عنهم أجمعين)، هكذا رواه سالم بن عبد الله عن أبيه عبد الله بهذا اللفظ، ورواه نافع عن عبد الله بن عمر قال: (كنا نُخيِّر بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فنُخَيِّر أبا بكر، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم) رواه البخاري في صحيحه.
بويع عثمان بالخلافة بعد دفن عمر رضي الله عنه، واستمر عثمانُ خليفة للمسلمين 12 عامًا، وكانت بعض البلاد التي فُتِحت في عهد عمر وصالحهم المسلمون على دفع الجزية نقض أهلها الصلح، وغدروا بالمسلمين، فأعاد عثمان فتحها بجيوش عظيمة، وقتل المسلمون آخر ملوك الفُرْس يَزْدَجِرْد، وتوسعت الفتوحات الإسلامية في عهد عثمان برًا وبحرًا، فوصلت الفتوحات في عهده إلى نهر السِّند (باكستان) وإلى نهر جَيْحُونَ شمال شرق أفغانستان، وإلى حدود القُوقَاز (جُورجِيا) جنوب شرق أوروبا، وإلى بلاد تونس في شمال أفريقيا، وعثمان هو أول من أَذِن للمسلمين بالجهاد في البحر، فصنع المسلمون في عهده أسطولًا بحريًّا، وفتحوا جزيرة قُبْرُص في البحر الأبيض المتوسط.
ومع انشغال عثمان بأعباء الخلافة والفتوحات الواسعة كان يُعلِّم الناس القرآن الكريم والسنة النبوية، ويصلي بالناس ويخطب بهم، ويحج بهم، وكان من أعلم الصحابة بمناسك الحج والمواريث، وكان من علماء التفسير، ومن فقهاء الصحابة، كان يُفتي الناس، ويقضي بينهم، وحدَّث بكثير من الأحاديث النبوية، وروى عنه العلم من الصحابة والتابعين أكثر من 140 راوٍ، وكان إذا أشكل عليه شيء استشار بعض الصحابة كعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، الذي كان من وزرائه ومستشاريه.
ومن مناقب عثمان أنه أمر بِرَسْمِ كلمات القرآن الكريم برَسْمٍ واحدٍ يرفع الخلاف الذي كان يقع بين بعض المسلمين في قراءة القرآن، ويُسمى الرسم العثماني نسبة إلى عثمان رضي الله عنه، وكان عثمان لا يمر عليه يوم ولا ليلة إلا ويقرأ في المصحف، وقال: (ما أحب أن يأتي عليَّ يوم وليلة إلا أنظر في كلام الله عز وجل)، وقال عثمان: (لو طهرت قلوبكم ما شبعت من كلام الله عز وجل).
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على جبل حِراء هو وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، فتحركت الصخرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اهْدَأْ فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ، أَوْ صِدِّيقٌ، أَوْ شَهِيدٌ)).
وروى البخاري ومسلم عن أبي موسى رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حائط من حيطان المدينة فجاء رجل فاستفتح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ))، ففتحت له، فإذا أبو بكر، فبشرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، ثم جاء رجل فاستفتح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ))، ففتحت له فإذا هو عمر، فأخبرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، ثم استفتح رجل، فقال لي: ((افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ))، فإذا عثمان، فأخبرته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، ثم قال: الله المستعان.
وفي القرآن الكريم آية تبين صحة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، قال الله تعالى: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الفتح: 16]، أمر الله رسوله أن يخبر المخلفين من الأعراب أنه سيدعوهم إلى الجهاد غيره بعد موته، وأنه يجب عليهم طاعة من سيدعوهم من الأئمة بعده إلى قتالِ قومٍ أولي بأسٍ شديدٍ من الكفار، وهم المرتدون من العرب، وفارس والروم، وغيرهم من أهل الكفر، ويمتنع أن يكون الداعي لهم الرسول عليه السلام؛ لأن الله سبحانه حكم حكمًا كونيًا بحرمان المتخلفين عن غزوة تبوك من الجهاد مع رسول الله فقال: {فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا} [التوبة: 83]، فدل على أن المراد بالداعي غير النبي صلى الله عليه وسلم، وهم أبو بكر وعمر وعثمان الذين دعوا الناس للجهاد في سبيل الله، قال العلامة ابن حزم: “أخبر الله تعالى أنَّ الأعراب الذين تخلفوا عن الجهاد مع رسول الله سيدعوهم غير النبي صلى الله عليه وسلم إلى قومٍ يقاتلونهم أو يُسلمون، ووعدهم على طاعة من دعاهم إلى ذلك بجزيل الأجر العظيم، وتوعدهم على عصيان الداعي لهم إلى ذلك العذاب الأليم، وما دعا أولئك الأعراب أحدٌ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قوم يقاتلونهم أو يُسلمون إلا أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فإن أبا بكر رضي الله عنه دعاهم إلى قتال مرتدي العرب والروم والفُرس، ودعاهم عمر إلى قتال الروم والفُرس، وعثمان دعاهم إلى قتال الروم والفُرس والتُّرك، فوجب طاعة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم بنص القرآن الذي لا يحتمل تأويلًا، وإذ قد وجبت طاعتهم فرضًا فقد صحت إمامتهم وخلافتهم رضي الله عنهم”، وذكر هذا المعنى غير واحد من المفسرين كالجَصَّاص والواحدي والزمخشري والقرطبي وغيرهم.
وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يعرف فضل أبي بكر وعمر وعثمان، ويحبهم، وسمى بعض أبنائه بأسمائهم، فله من الولد: أبو بكر بن علي، وعمر بن علي، وعثمان بن علي.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (كان عثمان أوصلَنا للرَّحم، وأتقانا للرب عز وجل).
وقال عبد الله بن مسعود حين بويع عثمان بالخلافة: (أمَّرْنا خيرَ من بقي).
وكان عثمان رضي الله عنه من أحسن الناس وجهًا، وأحسنهم أخلاقًا، ومن أشد الناس حياء، وكان رحيمًا رقيقًا، متواضعًا، ينام أحيانًا في المسجد وهو خليفة، ويجلس بين الناس كأنه أحدهم.
روى البخاري عن عثمان قال: (إن الله بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالحق، فكنت ممن استجاب لله ولرسوله، وآمنت بما بعث به، وهاجرت الهجرتين، وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعته، فوالله ما عصيته ولا غششته حتى توفاه الله عز وجل، ثم أبو بكر مثله، ثم عمر مثله، ثم استُخْلِفْت، أفليس لي من الحق مثل الذي لهم؟!).
قال عثمان ذلك في آخر خلافته، حين خرج قومٌ عن طاعته، وعابوا عليه أنه ولَّى بعض أقاربه، وأنه زاد في حِمى إبل الصدقة، وكانت قد كثرت فاحتاج أن يخص لها أرضًا لا يرعى فيها أحد، وطلبوا منه أن يخص بالعطاء المجاهدين والصحابة، ولا يعطي أهل المدينة من مال الله، وزعموا – كاذبين – أنه سيتأثر بالمال، وعابوا عليه أنه بنى المسجد النبوي ولم يتركه على حاله، وكان قد وهى فأعاد بنائه بالحجر وزاد فيه، وحين سمع أنهم يريدون قتله أخبر عن نفسه أنه لم يقتل مسلمًا فيجب عليه القصاص، ولا ارتد عن دينه، ولم يزنِ في الجاهلية ولا في الإسلام قط!
قال عبد الله بن عمر: (لقد عتبوا على عثمان أشياء لو فعلها عمر ما عتبوها عليه).
وقال الحسن البصري: سمعت عثمان يخطب يقول : (يا أيها الناس ما تنقمون عليَّ وما من يوم إلا وأنتم تقتسمون فيه خيرًا ؟!)، قال الحسن البصري: شهدت مناديه ينادي: يا أيها الناس اغدوا على أعطياتكم، فيغدون فيأخذونها وافرة، يا أيها الناس اغدوا على أرزاقكم، فيغدون فيأخذونها وافية، حتى سمعته يقول: اغدوا على كسواتكم، فيأخذون الحُلَل، واغدوا على السَّمن والعسل، أرزاقٌ دارة، وخيرٌ كثير، فلم يصبروا، وسلُّوا السيف، فصار على المسلمين مسلولًا إلى يوم القيامة.
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن الذين قتلوا عثمان: (اقتحموا المصائب الثلاث: حُرمة البلد الحرام، وحُرمة الشهر الحرام، وحُرمة الخلافة، ولقد قتلوه وإنه لمن أوصلهم للرَّحِم، وأتقاهم لربه).
والذين خرجوا على عثمان رضي الله عنه هم بعض الزائغين المفتونين من أهل مصر والكوفة، جاءوا إلى المدينة النبوية، وحاصروا بيت عثمان نحو شهرين، فعزم عثمان في آخر الأمر على من كان يحرسه من الصحابة والتابعين أن ينصرفوا عنه، وأكَّد عليهم الأمر بالانصراف وقال: (سأقي المؤمنين بنفسي)، وقال له عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما: لقد أحل الله لك قتالهم، فقال عثمان: (والله لا أقاتلهم أبدًا)، وجاء إليه الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما فقال: يا أمير المؤمنين، أنا طوع يديك، فمرني بما شئت، فقال له عثمان: (يا ابن أخي، ارجع فاجلس في بيتك حتى يأتي الله بأمره، فلا حاجة لي في إراقة الدماء)، فتسور بعض الأشقياء بيت عثمان وقتلوه ظلمًا وعدوانًا وهو صائمٌ يقرأ القرآن وقد جاوز عمره الثمانين عامًا في شهر ذي الحجة سنة 35 للهجرة، ودُفِن في البقيع بثيابه التي استُشْهِد فيها، رضي الله عنه.
ولم يكن يظن الصحابة الذين في المدينة أن يبلغ أمر أصحاب الفتنة إلى قتل عثمان، فقد كانوا يطالبون عثمان بعزل نفسه أو تسليم ابن أخيه مروان بن الحَكَم إليهم، وهو كاتبه، وكان بعضهم يهدد بقتل عثمان، ولما قُتِل عثمان قال أبو حُمَيد الساعدي رضي الله عنه وكان بدريًا: (اللهم إنَّ لك عليَّ أن لا أضحك حتى ألقاك).
وقال عبد الله بن سلَام رضي الله عنه: (لقد فتح الناس على أنفسهم بقتل عثمان باب فتنة
لا تُغلق عنهم إلى قيام الساعة).
ورثى بعض الشعراء عثمان فقال:
فَكَفَّ يَدَيْهِ ثُمَّ أَغْلَقَ بَابَهُ … وَأَيْقَنَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِغَافِلٍ
وَقَالَ لِأَهْلِ الدَّارِ لَا تَقْتُلُوهُمُ … عَفَا اللَّهُ عَنْ كُلِّ امْرِئٍ لَمْ يُقَاتِلِ
فَكَيْفَ رَأَيْتَ اللَّهَ صَبَّ عَلَيْهِمُ … الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ بَعْدَ التَّوَاصُلِ
وَكَيْفَ رَأَيْتَ الْخَيْرَ أَدْبَرَ بَعْدَهُ … عَنِ النَّاسِ إِدْبَارَ النَّعَامِ الْجَوَافِلِ
وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
مَنْ سَرّهُ الموْتُ صِرْفاً لا مِزَاجَ لهُ … فلْيأتِ مأسَدة ً في دارِ عُثمانا
ضَحَّوا بِأشْمَطَ عُنوانُ السُّجودِ بِهِ … يُقَطِّع الليلَ تسبيحاً وقُرآنا
لَتَسْمَعَنَّ وَشِيكًا في ديارهُم … اللَّهُ أكْبَرُ يا ثَارَاتِ عُثْمانَا
وقال أيمن بن خُرَيم:
ضَحَّوا بِعُثْمانَ في الشَّهرِ الحَرَامِ ضُحَى … فأيُّ ذَبْحٍ حَرَامٍ ويْحَهم ذَبَحُوا
وأيُّ سُنَّةِ كُفرٍ سَنَّ أولُهُمْ … وبابِ شَرٍّ على سُلطَانِهم فَتَحُوا
ماذا أَرَادُوا أَضَلَّ اللهُ سَعْيَهُمُ … بِسَفْكِ ذاك الدَّمِ الزَّاكي الَّذِي سَفَحُوا
إِنَّ الَّذِينَ تَولَّوْا قَتْلَهُ سَفَهاً … لَقَوا أَثاماً وخُسْرَاناً وما رَبِحُوا
(4) علي بن أبي طالب أبو الحَسَنين
علي بن أبي طالب بن عبد المطلب القُرَشي الهاشمي، ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام، أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشَّرين، وأول السابقين الأولين فيما ذكره محمد بن إسحاق أنه أسلم وعمره 10 سنوات بعد إسلام أم المؤمنين خديجة وقبل إسلام أبي بكر، فعليٌّ أول من أسلم من الغِلمان، فقد كان في صِغَره في كفالة النبي عليه الصلاة والسلام، فنشأ في بيت النبي وفيه أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها خيرُ نساء هذه الأمة، وكان عليٌّ في مكة يتعلم من النبي عليه الصلاة والسلام الكتاب والحِكمة، وكان إذا سأل النبيَّ عليه الصلاة والسلام أجابه، وإذا سكت ابتدأه، وهاجر عليٌّ إلى المدينة النبوية بعد خروج النبي عليه الصلاة والسلام من مكة، وأمره بقضاء ديونِه وردِّ ودائِعِه ثم يلحق به، ولازم عليٌّ النبي عليه الصلاة والسلام قبل الهجرة وبعدها، وكان ممن يكتب للنبي عليه الصلاة والسلام، وزوَّجَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة رضي الله عنها سيدة نساء الأمة، وولِدتْ له الحسن والحسين السِّبطين رضي الله عنهما اللَّذَينِ كان النبي عليه الصلاة والسلام يحبهما، وقال: ((هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا)) كما في صحيح البخاري، وكان بيت عليٍّ قريبًا من بيوت النبي، ودعا له النبي عليه الصلاة والسلام أكثر من مرة، وبشَّرَه بالجنة، وحين توفي النبي عليه الصلاة والسلام كان عليٌّ ممن تولَّى غَسْلَه وتكفِينه وإدخالَه قبرَه.
وعليٌّ رضي الله عنه ممن كان يُعلِّم الناس القرآن والسُّنَّة في حياة النبي وبعد موته، وقرأ عليه القرآن جمعٌ من الصحابة والتابعين، من أشهرهم أبو عبد الرحمن السُّلَمي شيخ الإمام عاصم، قال أبو عبد الرحمن السُّلَمي: (ما رأيت أحدًا أقرأ من عليٍّ)، وقالت عائشة رضي الله عنها: (عليٌّ أعلمُ الناس بالسُّنَّة)، وكان عليٌّ يَقضي بين الناس ويُفتيهم، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (عليٌّ أقضانا)، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (أقضى أهلِ المدينة وأعلَمُهم بالفرائض عليُّ بن أبي طالب)، وقال سعيد بن المسيب: (ما كان أحدٌ من الناس يقول: سلوني غير علي بن أبي طالب رضي الله عنه).
وعليٌّ هو الإمام الرابع بعد الأئمة الثلاثة الخلفاء الراشدين، وهو أكثرهم رواية عن النبي عليه الصلاة والسلام، فعدد أحاديث أبي بكر الصِّدِّيق في مسند أحمد بن حنبل 81 حديثًا، وعدد أحاديث عُمَر 316 حديثًا، وعدد أحاديث عثمان 138 حديثًا، وعدد أحاديث علي بن أبي طالب 819 حديثًا، وهذا عدد أحاديث الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين في مسند الإمام أحمد مع المكرَّرات.
قال الحافظ الذهبي: “روى علي بن أبي طالب الكثير عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعرض عليه القرآن وأقرأه، وروى عن علي: أبو بكر، وعمر، وبنوه: الحسن، والحسين، ومحمد، وعمر، وابن عمه ابن عباس، وابن الزبير، وطائفةٌ من الصحابة، وخلقٌ كثيرٌ من التابعين”، قلت: عدد من روى عن علي بن أبي طالب من الصحابة والتابعين 350 راويًا تقريبًا، أسماؤهم مذكورة في كتاب تهذيب الكمال في أسماء الرجال للحافظ المِزِّي.
كان علي بن أبي طالب عابدًا خاشعًا، زاهدًا متواضعًا، صابرًا حكيمًا، ودُودًا بشُوشًا مع المؤمنين، شديدًا على الكافرين والمنافقين، وكان من أشجع الصحابة رضي الله عنهم، وهو أحد المبارِزين يوم بدر الذين أنزل الله فيهم: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19]، وقتل عليٌّ عمرو بنَ عبْدِ وُدٍّ فارسَ قريشٍ في غزوة الخندق، وقتل مَرْحبًا فارس اليهود في غزوة خيبر، وقتل كثيرًا من المشركين المحاربين، وكان صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم في كثيرٍ من الغزوات، وأبلى بلاء عظيمًا في غزوة بَدرٍ وأُحُدٍ والخندق وخيبر وفتح مكة وحُنَين، وبعثه النبي عليه الصلاة والسلام إلى اليمن داعيًا إلى الله وقاضيًا وأميرًا، واستخلفه على المدينة في غزوة تبوك، روى البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى تبوك واستخلف عليًّا، فقال: أَتُخَلِّفُنِي في الصبيان والنساء؟! فقال: ((أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى غَيْرَ أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي؟))، قال العلماء: يعني حين استخلف موسى هارون عليهما الصلاة والسلام عندما ذهب إلى الطور كما قال الله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} [الأعراف: 142].
قال البخاري في صحيحه: باب مناقب علي بن أبي طالب القُرَشي الهاشمي أبي الحسن رضي الله عنه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: ((أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ))، وقال عمر: (توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنه راض)، ثم روى البخاري بإسناده عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: ((لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يَفْتَحُ اللهُ عَلَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ))، فلما أصبح الناس غَدَوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يُعطاها، فقال: ((أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟))، فقالوا: يشتكي عينيه يا رسول الله، قال: ((فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ فَأْتُونِي بِهِ))، فلما جاء بصق في عينيه ودعا له، فبرأ كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، ففتح الله على يديه، وروى هذا الحديث مسلمٌ في صحيحه في باب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهذا الحديث مشهورٌ رواه عن النبي عليه الصلاة والسلام جمعٌ من الصحابة منهم: أبو هريرة وسَلَمة بن الأَكْوع وسعد بن أبي وقاص وبُرَيدة بن الحُصَيب وعِمران بن الحُصَين وأبو سعيد الخُدْري وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم، وقد روى علماء الحديث بأسانيدهم كثيرًا من الأحاديث في فضائل عليٍّ خصوصًا، وأهلِ البيت عمومًا، قال أحمد بن حنبل والنسائي: “لم يُرو في فضائل أحدٍ من الصحابة بالأسانيد الحسان ما رُوي في فضائل علي بن أبي طالب”.
روى الحاكم في المستدرك من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ أَحَبَّ عَلِيًّا فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضَ عَلِيًّا فَقَدْ أَبْغَضَنِي))، صححه الألباني والوادعي.
وروى مسلم في صحيحه من طريق الأعمش عن عدي بن ثابت عن زِرِّ بن حُبيش عن علي قال: (عَهِد إليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن لا يُحِبُّني إلا مؤمن، ولا يُبغِضُني إلا منافق)، ورواه ابن أبي شيبة في مصنَّفه من طريق عاصمٍ عن زِرٍّ عن علي قال: (لا يُحبنا منافق، ولا يُبغضنا مؤمن)، وله شاهدٌ مرفوعٌ رواه أحمد والترمذي عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي: ((لَا يُبْغِضُكَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يُحِبُّكَ مُنَافِقٌ))، وله شاهدان آخران موقوفان، روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري وروى عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد كتاب فضائل الصحابة عن جابر الأنصاري رضي الله عنهما قالا: (كنا نعرف المنافقين ببغضهم عليًا رضي الله عنه)، وهكذا جميع الصحابة رضي الله عنهم لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، روى البخاري ومسلم من طريق شعبة عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: ((الأَنْصَارُ لاَ يُحِبُّهُمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلاَ يُبْغِضُهُمْ إِلَّا مُنَافِقٌ، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللَّهُ))، فمن الإيمان حب المؤمنين، وبغض الكافرين والمنافقين، ولا يجوز بغض المؤمنين، لا سيما الصحابة وأهل بيت النبي، روى ابن حبان في صحيحه عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُبْغِضُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ رَجُلٌ إِلَّا أَدْخَلَهُ الله النار))، صححه الألباني.
وروى مسلم عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا فينا خطيبًا بماء يُدعى خُـمًّا بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ((أَمَّا بَعْدُ، أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللهِ، فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ، فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ، وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ، وَأَهْلُ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي))، قال العلماء: المراد بالتذكير بأهل البيت: الوصيةُ بهم، ومحبتُهم، ومعرفةُ حقهم وفضلهم، وتركُ ظلمهم، وكرَّر ذلك ثلاث مرات زيادة للتأكيد، فهو أمرٌ ثقيلٌ على كثير من المسلمين.
وروى الترمذي في سننه في أول باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه حديث: ((مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ))، وهو حديث متواتر كما قاله بعض المحدثين كالذهبي والكتَّاني والألباني، قال البيهقي: “لـمَّا بعث النبي عليه الصلاة والسلام عليًّا إلى اليمن مع بعض الصحابة فاشتكوا منه، وأظهروا بُغضه؛ أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يذكر اختصاصَه به، ومحبتَه إياه، ويحثهم بذلك على محبته وموالاته، وترك معاداته، والمراد به ولاءُ الإسلام ومودتُه، وعلى المسلمين أن يوالي بعضهم بعضًا، لا يعادي بعضهم بعضًا”، ويدل على ذلك قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71]، وقوله سبحانه: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة: 55]، وهذه الآية عامة في كل مؤمن يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، وأول من يدخل في عمومها الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، ومن الخطأ اعتقاد أن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب وحده، فقد جاءت الآية بصيغة الجمع، فلم يقُلِ الله: (والذي آمن الذي يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة وهو راكع)، وإنما قال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}، ولا يصح ما ذكره بعض المفسرين أن هذه الآية نزلت في علي رضي الله عنه، وأنه تصدق بخاتمه وهو راكع، فهذه الرواية لا تصح كما بيَّن ذلك علماء الحديث، وقد روى شيخ المفسرين ابن جرير الطبري في تفسيره بإسناد صحيح عن التابعي الجليل أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أنه فسر هذه الآية بأنهم جميع الذين آمنوا، فقيل له: بلغنا أنها نزلت في علي بن أبي طالب، فقال: (عليٌّ من الذين آمنوا)، وبيَّن المفسرون أن قوله تعالى: {وَهُمْ رَاكِعُونَ} ثناءٌ على المؤمنين بالركوع، ولا تدل الآية على أنهم يُزكُّون حال ركوعهم، فإنه لا يجوز الانشغال في الصلاة بإخراج الزكاة، ومثل هذه الآية قوله تعالى: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} [آل عمران: 113]، فليس المراد تلاوتهم آيات الله حال السجود، بل هو ثناء عليهم بالسجود.
قال ابن تيمية: “شهد النبي صلى الله عليه وسلم لعليٍّ رضي الله عنه أنه يحب اللهَ ورسولَه، ويحبه اللهُ ورسولُه، وهو من كبار السابقين الأوَّلين من المهاجرين، وممن نصر الله الإسلام بجهاده، وموالاةُ علي واجبةٌ على كل مؤمن، وكون عليٍّ مولى كلِّ مؤمن هو وصفٌ ثابت لعليٍّ في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد مماته، وبعد ممات عليٍّ، فعليٌّ اليوم مولى كلِّ مؤمن، وكذلك سائر المؤمنين بعضهم أولياء بعض أحياءً وأمواتًا، وأهل السنة متفقون على وجوب موالاة عليٍّ ومحبتِه، وهم من أشد الناس ذَبًّا عنه، ورَدًّا على من طَعَن عليه من الخوارج وغيرهم من النواصب، ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتولونهم، ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: ((أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي))، ومحبةُ أهل البيت فرضٌ واجبٌ يُؤجَر عليه المسلم” انتهى كلام ابن تيمية مجموعًا من بعض كتبه.
وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه من الخُطَباء الفُصَحاء البُلَغاء الحُكَماء، ومن أقواله المشهورة التي رواها أهل الحديث بأسانيدهم: (إنما أخشى عليكم اثنين: طولَ الأمل، واتباعَ الهوى، فإنَّ طول الأمل يُنسي الآخرة، وإنَّ اتباع الهوى يصد عن الحق، وإن الدنيا قد ارتحلت مُدبِرة، والآخرةَ مُقْبِلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإنَّ اليوم عملٌ ولا حساب، وغدًا حسابٌ ولا عمل).
وقال عليٌّ رضي الله عنه: (لا يرجُ عبدٌ إلا ربَّه، ولا يخَف إلا ذنبه، ولا يستحيي مَن لا يعلم أن يتعلم، ولا يستحيي عالمٌ إذا سُئل عما لا يعلم أن يقول: الله أعلم، واعلموا أن منزلة الصبر من الإيمان كمنزلة الرأس مِن الجسد، فإذا ذهب الرأسُ ذهب الجسد، وإذا ذهب الصبرُ ذهب الإيمان، ولا إيمان لمن لا صبر له).
وقد كان عليٌّ رضي الله عنه من أعوان الخلفاء الراشدين الذين كانوا قبله، بايعهم مُقِرًّا بخلافتِهم وإمامتِهم، وكان من وزرائهم ومستشاريهم، وكان ينصح لهم، ويُحبهم ويُجلهم، ويشهد بفضلِهم، وسمى بعض أبنائه بأسمائهم، ولا يجوز اعتقاد أن عليًّا كان الوصي، وأن الصحابة لم يعملوا بوصية النبي، روى البخاري ومسلم عن الأسود بن يزيد النَّخَعي الكوفي قال: ذكروا عند عائشة أن عليًّا كان وصيًّا، فقالت: (متى أوصى إليه وقد كنتُ مُسْنِدَتُه إلى صدري؟!)، تعني أن النبي عليه الصلاة والسلام مات في حُجْرتها، وهي مُسْنِدَةُ النبيِّ عليه الصلاة والسلام إلى صدرها، فلم تسمعه أوصى بالخلافة لأحد، وروى البخاري ومسلم عن طلحة بن مُصرِّف قال: سألت عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما هل كان النبي صلى الله عليه وسلم أوصى؟ فقال: (لا)، وابن أبي أوفى آخر الصحابة موتًا في الكوفة، وهو من أهل بيعة الرِّضوان، قال الحافظ المؤرِّخ ابن كثير: “كان أمير المؤمنين عليٌّ أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى، وكان رابع الخلفاء الراشدين، والقول بأن النبي عليه الصلاة والسلام أوصى إلى علي بالخلافة كذبٌ وبُهتٌ وافتراءٌ عظيم، يلزم منه تخوين الصحابة”.
ومن الخطأ والضلال دعوى العِصمة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، ودعوى أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يَخُصه بشيءٍ من العلم دون غيره من الصحابة، فالنبي بُعِث مُعلِّمًا للناس عامة، وهو رحمة للعالمين، روى مسلم في صحيحه عن أبي الطُّفَيل عامر بن واثِلة قال: كنت عند علي بن أبي طالب فأتاه رجلٌ فقال: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يُسِرُّ إليك، فغضب عليٌّ وقال: (ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يُسِرُّ إليَّ شيئًا يكتمه الناس).
وروى أحمد في مسنده عن الحارث بن سُوَيد قال: قيل لعلي: هل خصكم رسول الله بشيء دون الناس عامة؟! قال: (ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء لم يخص به الناس).
وروى أبو داود عن قيس بن عُبَاد قال: انطلقت أنا ومالِكٌ الأشتر إلى علي عليه السلام فقلنا: هل عهِد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا لم يعهده إلى الناس عامة؟ قال: (لا).
وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري أنه ذُكِر عنده ما يقوله بعض الناس في علي فقال: (قد جالسناه وواكلناه وشاربناه فما سمعتُه يقول شيئًا مما يقولون، إنما يكفيكم أن تقولوا: ابنُ عمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَخَتَنُهُ، وشَهِد بيعةَ الرِّضْوان، وشهِد بدرًا).
وقد صح عن عليٍّ رضي الله عنه أنه قال: (ليُحِبُّني قومٌ حتى يدخلوا النار في حُبِّي، وليُبْغِضُني قومٌ حتى يدخلوا النار في بُغضي)، وقال: (يَهلِك فِيَّ رجلان: مُفرِطٌ في حُبِّي، ومُفرِطٌ في بُغضي)، وقال علقمة النَّخَعي الكوفي: (مثَلُ عليٍّ في هذه الأمة مثَلُ عيسى ابنِ مريم، أحبه قومٌ حتى هلكوا في حبه، وأبغضه قومٌ حتى هلكوا في بغضه).
تولى عليٌّ الخلافة بعد استشهاد عثمان رضي الله عنه، وكانت خلافة علي أربع سنين وتسعة أشهر، وقعت فيها فتنة كبرى، وأحداثٌ لم يكن يريدها، فقد تخلَّف عن بيعته أهل الشام مطالبين بالقِصاص من قَتَلةِ عثمان الذين بايعوا عليًّا بعد قتل عثمان مع من بايعه من الصحابة والتابعين، وكان بعض أهل الشام يتهم عليًّا بلا بينة بأنه تواطأ مع قَتَلةِ عثمان أو أنه خذله ولم ينصره، وثبت عن علي رضي الله عنه أنه قال: (اللهم إني أبرأُ إليك من دمِ عثمان)، وكان عليٌّ يريد أولًا جمع كلمة المسلمين على الخليفة، ثم بعد ذلك ينظر في أمر قَتَلة عثمان حين يتمكن منهم، فقد كانوا جمعًا كثيرًا من مصر والعراق نحو الألفين، ولم يكن عليٌّ يعلم أعيانهم، وكانوا مختلطين بجيشه، وكانوا أصحاب فتنة، وخَرجَتْ أم المؤمنين عائشة وطلحة والزبير رضي الله عنهم إلى البصرة للمطالبة بالقِصاص من قَتَلة عثمان والإصلاح بين الناس، فخرج عليٌّ إلى العراق، وانتهى الأمر بالقتال بين جيش علي وجيش عائشة في معركة الجَمَل سنة 36 للهجرة، وكان الذي أثار القتال قتَلَةُ عثمان الذين كانوا في جيش عليٍّ، وانتصر جيشُ عليٍّ بعد قتالٍ شديدٍ لم يكن يُريدُه عليٌّ ولا عائشة رضي الله عنهما، وقال عليٌّ لابنه الحسن بعد أن رأى كثرة القتلى: (ليت أباك مات منذ عشرين سنة)، فقال له: يا أبه قد كنتُ أنهاك عن هذا، فقال علي: (يا بُني إني لم أر أن الأمر يبلغ هذا!)، وصلَّى عليٌّ على قتلى الفريقين رحمهم الله أجمعين، وثبت عن علي رضي الله عنه أنه قال: (إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير ممن قال الله عز وجل: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر: 47])، ثم وقعت معركة صِفِّين سنة 37 للهجرة بين جيش الخليفةِ عليٍّ وجيش أميرِ الشامِ معاويةَ ابنِ عمِّ عثمان، وكانت من أعنف المعارك التاريخية، ثبت الجيشان ولم يفِر أحدٌ من الآخَر، واستمرَّت عدة أيام، وفي بعض الأيام استمر القتال ليلًا ونهارًا، وكان عليٌّ يقاتل أهل الشام على أنهم بُغاةٌ متأوِّلون لا مرتدون ولا منافقون، فقد أخبر الله سبحانه أن المؤمنين قد يحصل بينهم قتالٌ وبغيٌ وظلمٌ فقال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 9، 10]، وصح عن علي رضي الله عنه أنه سُئل عن أهل الجَمَل فقال: (إخوانُنا بَغوا علينا فقاتلناهم)، وكان عمار بن ياسر رضي الله عنهما في جيش علي، فسمع بعضَ الجيش يُكفِّرون أهل الشام، فقال عمارٌ: (لا تقولوا: كفرَ أهلُ الشام، دينُنا واحد، وقبلتنا واحدة، ودعوتنا واحدة، ولكن قومٌ بغوا علينا فقاتلناهم) رواه المروزي في تعظيم قدر الصلاة، وفي الصحيحين أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((تَقْتُلُ عَمَّارًا الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ))، وقتل أهلُ الشام عمارًا، وسماهم النبي عليه الصلاة والسلام فئة باغية لا كافرة ولا منافقة، وانتهت معركةُ صِفِّين بالهُدنة والتحكيم حَقْنًا لدماء المسلمين بعد أن قُتِل عشراتُ الآلاف من الفئتين، وكانت فتنة عظيمة، وإنا لله وإنا إليه راجعون، {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة: 253]، {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} [الأحزاب: 38]، وتحقق قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ، وَتَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، وَدَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ)) رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عِنْدَ فُرْقَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، يَقْتُلُهَا أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ))، وتحقق ذلك حين خرج من جيش عليٍّ طائفةٌ مارقةٌ غُلاةٌ جَهَلةٌ كَفَّروا عليًّا ومعاوية وجيشهما، وكان منهم بعض الذين خرجوا على عثمان، وهم أول الخوارج الذين يستحلون قتلَ أهلِ الإسلام، فسفكوا الدم الحرام، فقاتلهم عليٌّ في معركة النَّهْروان سنة 38 للهجرة وانتصر عليهم، وقتل جيشُه أكثرهم، ثم كتب الله لعلي رضي الله عنه الشهادة بيد الشَّقِي عبدِ الرحمن بن مُلْجَم المرادي الكوفي أحد الخوارج، فقتل عليًا في مسجد الكوفة قبل صلاة الفجر في شهر رمضان سنة 40 للهجرة، وعمره 63 عامًا تقريبًا، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن علي بن أبي طالب شهيد، روى مسلمٌ في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على جبل حِراء هو وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، فتحركت الصخرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اهْدَأْ فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ، أَوْ صِدِّيقٌ، أَوْ شَهِيدٌ)).
قال ابن تيمية: “عبد الرحمن بن مُلْجَم من المارقين، قتَلَ أميرَ المؤمنين عليًّا فصار عليٌّ رضي الله عنه إلى كرامة الله ورضوانه شهيدًا، وبايع الصحابةُ للحسن ابنِه، فظهرت فضيلته التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح حيث قال: ((إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ))، فنزل الحسن عن الولاية، وأصلح الله به بين الطائفتين، وكان هذا مما مدحه به النبي صلى الله عليه وسلم وأثنى عليه، ودل ذلك على أن الإصلاح بينهما مما يحبه الله ورسوله، ويحمده الله ورسوله”.
ويجب أن نُحسن الظن بالصحابة، فقد زكَّاهم الله في كتابه في آيات كثيرة، ووعدهم بمغفرة ذنوبهم، ومضاعفة حسناتهم، ولا أحد معصوم من الذنب والخطأ غير الأنبياء، والصحابة بشرٌ يصيبون ويخطئون ويذنبون، وقد وعد الله الذين أنفقوا منهم وجاهدوا بالجنة وإن تأخر إسلامهم إلى بعد فتح مكة، قال الله سبحانه: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: 10]، وأمرنا الله أن نستغفر للمؤمنين ذنوبهم وأخطاءهم، لا أن نطعن فيهم ونسبهم، ولا يجوز الغلو في الصحابة وآل البيت، ولا دعوى العصمة لأحد منهم، ولا التعصب لبعضهم على بعض فيما جرى بينهم، قال الله تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19]، وبعد أن ذكر الله المهاجرين والأنصار قال عز وجل: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10].
المحتويات
الاسم: محمد بن علي بن جميل المطري
الدرجة العلمية: دكتور
تاريخ الميلاد: 24 شهر ربيع ثاني 1398هـ
الموافق: 4/3/1978م.
الحالة الاجتماعية: متزوج وله 6 أولاد.
العمل: باحث شرعي + محاضر جامعي.
المؤهلات الأكاديمية:
دكتوراه في التفسير وعلوم القرآن، جامعة المدينة العالمية، ماليزيا (2021)
ماجستير في الدراسات الإسلامية، جامعة الأندلس، اليمن (2017)
بكالوريوس في الدراسات الإسلامية، جامعة العلوم والتكنولوجيا، اليمن (2012)
عدة إجازات قرآنية في روايتي حفص وشعبة عن عاصم، وروايتي قالون وورش عن نافع.
عدد من الإجازات العلمية الخاصة والعامة في كتب التفسير والحديث والفقه والعقيدة واللغة العربية وأصول الفقه والقواعد الفقهية.
شهادة تخرج من برنامج رعاية الموهوبين في صنعاء (2012)
مجالات التخصص: القرآن الكريم والتفسير وعلوم القرآن والسنة النبوية والفقه المقارن والعقيدة.
الخبرات العلمية والعملية:
عضو اللجنة العلمية للبحوث في مؤسسة الدرر السنية (2015 – 2023)
مراقب شرعي في قناة يسر الفضائية ومسئول مركز الفتوى في القناة (2013 – 2015)
مدقق ومصحح لغوي وإملائي في دار الصديق للنشر والتوزيع – صنعاء (2005 – 2008)
من المشاركين في تأليف موسوعة التفسير في موقع الدرر السنية (التفسير المحرر) مطبوع في 44 مجلدًا.
من المشاركين في تأليف موسوعة العقيدة في موقع الدرر السنية.
من المشاركين في تأليف موسوعة الفرق في موقع الدرر السنية.
من الباحثين في موسوعة الهدايات القرآنية بإشراف جامعة أم القرى – مكة المكرمة.
محاضر جامعي عن بعد في الجامعة الأمريكية المفتوحة، وفي جامعة المدينة العالمية بماليزيا.
قام بالتدريس في كثير من المساجد والمراكز العلمية في صنعاء وغيرها، ومما درَّسه: القرآن الكريم، والتفسير، وعلوم القرآن، والتجويد، والحديث متنا وإسنادا، ومصطلح الحديث، والنحو، وأصول الفقه، والفقه الشافعي، والفقه المقارن، والتوحيد، والعقيدة، والسيرة النبوية، والتاريخ، والأدب.
قام بمراجعة كثير من المحاضرات والدروس والفتاوى المنشورة في موقع الشبكة الإسلامية التابع لوزارة الأوقاف القطرية حين كان يعمل مصححًا في دار الصِّدِّيق في صنعاء.
قام بالإمامة والخطابة في عدة مساجد في صنعاء وبعض ضواحيها.
قام بعدة رحلات دعوية في قرى محافظة صنعاء وحضرموت ويافع وشبوة.
سافر إلى دولة بوروندي في شرق أفريقيا، وإلى دولة توغو في غرب أفريقيا للإشراف على الدعاة.
كتب كثيرًا من الكتب والرسائل والأبحاث والمقالات العلمية والدعوية، ونُشِر له في شبكة الألوكة أكثر من 300 كتابًا وبحثًا ومقالةً، وله مقالات منشورة في مجلة تدبر ومجلة القلم ومجلة البيان.
مجالات البحث الحالية: التفسير، وعلوم القرآن، والهدايات القرآنية، والسنة النبوية، والفقه، والعقيدة، والفكر التربوي، وثقافة المجتمع.
بعض البحوث المنشورة مع بيان تاريخ نشرها:
(2012) فقه الخلع، وهو بحث استكمال متطلبات الحصـول علـى درجــة البكالوريوس في تخصص الدراسات الإسلامية.
(2017) الخطأ في نسبة الأقوال في كتب التفسير، وهو رسالة الماجستير.
(2021) الهدايات القرآنية في سورة الأعراف من الآية (171) إلى آخر السورة وفي سورة الأنفال من الآية (1-40) دراسة تطبيقية، وهو بحث الدكتوراه في كلية العلوم الإسلامية بجامعة المدينة العالمية بماليزيا، وهو ضمن (الموسوعة العالمية في الهدايات القرآنية)، بإشراف جامعة أم القرى بمكة المكرمة.
(2019) الهدايات القرآنية المستنبطة من آية: ﱩﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟﱨ [آل عمران:159] مجلة تدبر – السعودية، السنة الرابعة، العدد (7).
(2021) الهدايات القرآنية في قوله تعالى: ﱩﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸﱨ [الأعراف:180] مجلة تدبر- السعودية، السنة السادسة، العدد (11) مشترك.
(2021) الهدايات القرآنية في قوله تعالى: ﱩﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸﱨ [الأنفال:25]، مجلة القلم العدد 27، مشترك.
أهم الكتب والبحوث المنشورة في شبكة الألوكة مع بيان تاريخ نشرها:
(2012) نبي الرحمة محمد g.
(2013) آداب دخول الإنترنت.
(2013) الدعوة والدعاة في بوروندي.
(2014) تسهيل حفظ أسماء الله الحسنى.
(2014) عدد أحاديث أبي هريرة h (تحقيق واستقراء).
(2014) سيرة أبي هريرة h.
(2014) الأحاديث الصحيحة التي تفرد بروايتها أبو هريرة h.
(2014) الأحاديث القصار (200 حديث من الصحيحين).
(2014) الكبائر المائة الثابتة في الكتاب والسنة.
(2014) التجديد عند المفسرين.
(2014) إظهار الحقيقة ﱩﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖﱨ [مريم:34].
(2015) إتحاف الطلاب بتلخيص أحكام الطلاق.
(2015) مقدمة في علوم القرآن.
(2015) مقدمة في تخريج الحديث ودراسة الأسانيد.
(2015) الرياحين اليمانية 100 مسألة في العقيدة.
(2015) أخلاق المسلم والمسلمة.
(2015) قصة نشأة المذاهب الفقهية المشهورة وسبب انتشارها دون غيرها.
(2016) المسئولية في الإسلام.
(2016) مائة آية في فضل الصحابة.
(2016) الخلاف في المسائل الاجتهادية.
(2017) كتب وتواريخ.
(2017) 12 دليلا من القرآن على إثبات عذاب القبر ونعيمه.
(2017) أشهر العلماء المؤلفين في الإسلام وأشهر كتبهم المطبوعة.
(2018) الحفاظ الأربعون تراجم مختصرة لأشهر حفاظ السنة النبوية.
(2018) بيان الربا وأحكام بيع الذهب والفضة وصرف العملات النقدية.
(2019) أبرز علماء الإسلام الذين أثْروا العلم وأثَّروا بجهودهم العلمية فيمن بعدهم.
(2019) آيات من القرآن الكريم تدل على المرور على الصراط.
(2019) أشهر المفسرين عبر القرون.
(2019) فوائد متفرقة في كتب التفسير.
(2019) من أخطاء بعض طلاب العلم.
(2019) Meanings English – Selections from the holy Quran
(2020) 20 آية قرآنية تدل على إثبات القضاء والقدر.
(2020) مشروعية التأمين في الصلاة والدعاء.
(2020) فوائد وتنبيهات في مسائل الصفات.
(2020) ضبط اسم السَّتِير وبيان معناه.
(2020) الفرق بين التفضيل من حيث الجملة ومن حيث الأفراد.
(2021) فوائد وتنبيهات في الأدعية والأذكار.
(2021) أفضل الدعاء من القرآن الكريم.
(2021) التسهيل في تدبر جزء عم مع سورة الفاتحة وآية الكرسي.
(2022) التسهيل في تدبر جزء تبارك.
(2022) الرد على من يصف الصحابة بالنفاق.
(2022) قصة نشأة الفرق في الإسلام وأسباب الضلال.
(2022) بداية المُحدِّث 50 حديثا بالإسناد للمبتدئين في علم الحديث.
(2022) فصول مهمة في السنة النبوية.
(2022) تقريب الهدايات القرآنية.
(2022) نُسَخ التفسير القديمة.
(2022) فائدة مهمة في أسانيد القراءات المتواترة.
(2022) حكم العذر بالجهل.
(2022) اتباع السلف الصالح بإحسان بلا طغيان.
(2023) فصول مهمة في تاريخ التفسير.
(2023) آيات صلاح القلوب والأخلاق.
(2023) برنامج همم لجرد المطولات.
(2023) خلاصة مناسك الحج والعمرة.
(2023) نصائح مهمة للمبتدئين في طلب العلم.
(2023) عبادة الشكر.
(2023) هو الله ذو الجلال والإكرام.
(2023) جامع الدعوات (340) دعاء من القرآن والسنة وأدعية الصحابة.
(2023) المختار من جامع الدعوات.
(2023) خلاصة السيرة النبوية.
(2023) تهذيب كتب الزهد المسندة.
(2023) الزهد الصغير.
(2023) تفسير آيات إفساد بني إسرائيل في الأرض مرتين.
(2024) خلاصة أحكام الصيام.
(2024) القواعد الثمان الكافية في الرد على زنادقة مركز تكوين الملاحدة.
(2024) الخلاصة النافعة في أحكام الحج والعمرة.
(2024) مشروعية الفرح في الأعياد والترويح عن النفس بالمباحات.
المشاركة ببحوث في مؤتمرات:
الهدايات القرآنية في قصة ذي القرنين، المؤتمر القرآني الدولي السنوي، مقدس 8، الذي ينظمه مركز بحوث القرآن، جامعة مالايا، ماليزيا، 14-15/11/ 2018.
أهم الأعمال العلمية والدعوية:
مجموعة درر من علوم القرآن والسنة في الواتس والتيلجرام.
المشرف العام على برنامج هِمَمٌ لجرد المطولات.
مجالس علمية أسبوعية على اليوتيوب في قناة كتاب في ساعة.
رابط الموقع الشخصي في موقع الألوكة:
د. محمد بن علي بن جميل المطري – شبكة الألوكة – الكتاب والمفكرون (alukah.net)
رابط الصفحة الرسمية في الفيس بوك: محمد المطري أبو الحارث
التواصل:
هاتف وواتس:00967777175927
البريد الإلكتروني: [email protected]
Source link