أخطاء بعض طلاب العلم – محمد بن علي بن جميل المطري

منذ حوالي ساعة

فهذه بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض طلاب العلم، أحببت أن أجمعها في هذه الرسالة نصحًا لهم، وهي أخطاء في التصورات والظنون، وفي طرق تحصيل العلوم، وفي العبادات، وفي المعاملات…..

 

 

{بسم الله الرحمن الرحيم }

المقدمة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فهذه بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض طلاب العلم، أحببت أن أجمعها في هذه الرسالة نصحًا لهم، وهي أخطاء في التصورات والظنون، وفي طرق تحصيل العلوم، وفي العبادات، وفي المعاملات، وفي الخطب والدروس والمحاضرات، وفي الدعوة، وفي الأخلاق، وبعض الأخطاء تقصير في واجبات، وبعضها وقوع في محرمات، وبعضها غفلة أو تكاسل عن سنن وقربات، وبعضها أخطاء في تقديم بعض المفضولات على أمور فاضلات، ومعظم هذه الأخطاء لا يختلف اثنان في كونها خطأ وتقصيرًا، وبعضها محل اجتهاد ويسع فيها الخلاف، وربما أذكر دليلًا أو نقلًا نفيسًا لبعض العلماء في بيان خطأ وتقصير قد يخفى على بعض الطلاب.

المؤلف

صنعاء – اليمن

7 صفر 1447

[email protected]

 

 

من أخطاء بعض طلاب العلم

 هذه أخطاء يقع فيها بعض طلاب العلم، ذكرتها بقصد التنبيه عليها للحذر منها، وأسأل الله أن يجعلها نصيحة خالصة موفقة، وأن ينفع بها كاتبها وقارئها:

  1. عدم الحرص على الإخلاص، في طلب العلم وتعليمه، وفي الدعوة إلى الله، وفي أداء العبادات وسائر الأحوال، وعدم محاسبة النفس على التقصير في ذلك، وعدم الخوف من حبوط العمل بسبب الرياء والسُّمعة، وعدم الإكثار من الاستعاذة من الرياء، عن محمود بن لبيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ الرِّيَاءُ» رواه أحمد (23630) وصححه الأرناؤوط في تحقيق المسند، والألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (951).
  2. عدم المعرفة الكاملة بقدر العلم وفضله، وأنه حِمْلٌ ثقيل، كما قال تعالى: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا [المزمل: 5]، فالعلم ثقيل يتحمله من كل خَلَفٍ عدولُه، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ويعيشون للعلم والعمل به وتعليمه، فكثير من الطلاب ينقطع عن طلب العلم، ولا يثبت على تحصيله وحفظه وضبطه ومراجعته، ولا يصبر على طلب العلم والعمل به وتعليمه والدعوة إلى الله بالعلم، ولا يقاوم الشهوات والعوائق والعقبات التي تصده عن طريق العلم، وكثير منهم يتأثر بالشبهات ويتبع سبيل الجاهلين، ويرضى بما معه من العلم، ولا يتزود من العلم، ومن ثبت نبت، ومن صبر قدر، ومن أصلح نيته وفقه الله، ومن استعان بالله أعانه.
  3. عدم الإكثار من ذكر الله كما أمرنا الله بقوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الأحزاب: 41، 42]، وكما وصف عباده بقوله: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ [آل عمران: 191]، وفي حديث عبد الله بن بُسر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ» رواه الترمذي (3375) وصححه الألباني والأرناؤوط. وعدم الإكثار من دعاء الله، لا سيما بالأدعية المنصوص عليها في القرآن الكريم، وهي نوعان: أدعية ظاهرة، كما في آخر سورة البقرة وآخر سورة آل عمران، وأدعية مستنبطة، كأن يستنبط من قوله تعالى: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا [البقرة: 269] دعاء فيقول: اللهم آتني الحكمة، ويستنبط من قوله تعالى حكاية عن قول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ [مريم: 31] دعاء فيقول: اللهم اجعلني مباركًا أينما كنت، وكذلك الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي كثيرة معروفة، وقد جمعت كثيرًا منها في كتابي: جامع الدعوات من القرآن والسنة وأدعية الصحابة، ولا يحسن بطالب العلم أن يعرفها أو يقرأها ولا يدعو الله بها! ومن السنن المهجورة عدم إطالة الدعاء، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يطيل الدعاء في قيام الليل في سجوده، وثبت عنه إطالة الدعاء جدًا في حجه في عدة مواطن، ومن السنن المهجورة عدم الحرص على الدعاء في آخر ساعة بعد العصر يوم الجمعة ولو وقتًا يسيرًا، وبين الأذان والإقامة ولو في السجود أو آخر التشهد، والدعاء مفتاح كل خير، ولا يحسن بطالب العلم أن يكون عن طلب الخير غافلًا. ومن أخطاء بعض طلاب العلم: عدم الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، لا سيما يوم الجمعة، وبعض طلاب العلم إذا ذَكَر النَّبيَّ في حديثه صلى عليه صلاة ناقصة يستغربها بعض العوام، فيقول مثلًا: صلى عليه وسلم من غير ذكر لفظ الجلالة، أو يقول: صلى الله وسلم، من غير ذكر (عليه)، فعلى المسلم أن يوضح الصلاة على النبي فيقول: صلى الله عليه وسلم، أو: صلى الله عليه وآله وسلم، فإن قال: (اللهم صلِّ وسلِّم على محمد) فقد عمل بالآية التي أمرنا الله فيها بالصلاة والسلام على نبيه، وإن قال: (اللهم صلِّ وسلِّم على محمد وآله) فقد عمل بالحديث الذي أمرنا النبي عليه الصلاة والسلام بالصلاة عليه وعلى آله، وكلاهما مشروع، وفي تشهد الصلاة يقول الصلاة الإبراهيمية.
  4. تهاون بعض طلاب العلم بالسنن الرواتب، وصلاة الضحى، وصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وأذكار الصباح والمساء، والأذكار بعد الصلوات، وبعضهم قد يتأخر في صلاة الجماعة عن تكبيرة الإحرام بلا عذر! والله المستعان.
  5. غفلة بعض طلاب العلم عن غنيمة الجلوس بعد صلاة الفجر في المسجد إلى طلوع الشمس ثم صلاة ركعتين أو أربع ركعات بعد ارتفاع الشمس قدر رمح، وذلك بعد ربع ساعة أو ثُلُث ساعة من طلوعها، وفي الحديث القدسي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ابْنَ آدَمَ لَا تَعْجِزْنَّ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ أَوَّلَ النَّهَارِ أَكْفِكَ آخِرَهُ» رواه أحمد (27550) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه وصححه الألباني والأرناؤوط، فلا تعجز أيها الطالب عن اغتنام هذا الوقت المبارك لذكر الله وللحفظ ومراجعة القرآن ثم صلاة الضحى أربع ركعات، ومغبونٌ من يفرط في هذا الخير، وقد أمر الله بالصبر على الطاعة في هذا الوقت فقال سبحانه: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف: 28]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ» رواه البخاري (39)، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: أي: استعينوا على مداومة العبادة بإيقاعها في الأوقات المنشطة، والغَدوة: سيرُ أول النهار، وقال الجوهري: ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس، والرَّوحة: السيرُ بعد الزوال، والدُّلْجة: سيرُ آخر الليل، وقيل: سيرُ الليل كله، ولهذا عبَّر فيه بالتبعيض، وبعض طلاب العلم يغفل أو يكسل عن المرابطة بالمكث في المسجد بين صلاتي المغرب والعشاء، وهو وقت مبارك، ومن خرج بعد المغرب من المسجد بلا حاجة فالغالب أنه يضيع وقتُه بلا فائدة، وربما تأخر عن صلاة العشاء، فينبغي للمسلم لا سيما طالب العلم أن يحرص على الجلوس في المسجد في هذا الوقت لطلب العلم أو تلاوة القرآن الكريم، وإن كان في بلدٍ يؤخرون صلاة العشاء، ويكون الوقت بينهما طويلًا فهو أكثر للأجر، فهنيئًا لمن وفقه الله لهذا الفضل ولو في بعض الليالي إن لم يستطع في جميعها.
  6. عدم البداءة بحفظ القرآن الكريم وإتقانه، وكثير من الطلاب يحفظ القرآن في أول طلب العلم ثم لا يتعاهده بالمراجعة حتى ينساه، فما أكثرَ طلابِ العلم الذين حفظوا القرآن ثم تفلَّت منهم ولا زالوا يُنسبون إلى حفظ القرآن! وما أقلَّ حافظي القرآن حقًّا الذين يتعاهدونه على الدوام، فهو أشد تفلتًا من صدور الرجال من الإبل في عُقُلِها، وحفظ القرآن وتعلمه وتعاهده مشروع حياة، لا ينقطع عنه الطالب حتى يلقى الله، فينبغي للطالب الموفق أن يتدارك عمره بالرجوع إلى كتاب ربه، قال النووي رحمه الله في مقدمة كتابه المجموع في ذكر آداب طالب العلم: أول ما يبتدئ به حفظُ القرآن العزيز؛ فهو أهم العلوم، وكان السلف لا يُعلِّمون الحديث والفقه إلا لمن حفظ القرآن، وإذا حفظه فليحذر من الاشتغال عنه بالحديث والفقه وغيرهما اشتغالًا يؤدي إلى نسيان شيءٍ منه أو تعريضه للنسيان.
  7. التقصير في تعلم التفسير وتعليمه، وهي ظاهرة منتشرة بين كثير من طلاب العلم والدعاة، مع أن علم التفسير أفضل العلوم، وأصل العلوم، وأحقها بالاعتناء تعلمًا وتعليمًا ودعوة، وما أحسن ما قاله الإمام الشافعي في كتابه الرسالة (ص: 19، 20): “كل ما أنزل في كتابه جل ثناؤه رحمة وحجة، علِمه من علِمه، وجَهِله من جَهِله، لا يعلم من جهِلَه، ولا يجهل من عَلِمه. والناس في العلم طبقات، موقعهم من العلم بقدر درجاتهم في العلم به. فحقَّ على طلبة العلم بلوغُ غاية جهدِهم في الاستكثار من علمه، والصبر على كل عارض دون طلبِه، وإخلاص النية لله في استدراك علمه نصًّا واستنباطًا، والرغبة إلى الله في العون عليه، فإنه لا يُدرك خير إلا بعونه. فإنَّ من أدرك علم أحكام الله في كتابه نصًّا واستدلالًا، ووفقه الله للقول والعمل بما علم منه: فاز بالفضيلة في دينه ودنياه، وانتفت عنه الرِّيَب، ونوَّرت في قلبه الحكمة، واستوجب في الدين موضعَ الإمامة. فليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلةٌ إلا وفي كتاب الله الدليلُ على سبيل الهدى فيها”، وقد دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم لابن عباس رضي الله عنهما بالفقه في الدين وتعلم التفسير، فقال: «اللهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ» رواه أحمد بن حنبل في مسنده (2879) عن ابن عباس بإسناد صحيح، وعن الحسن البصري قال: “ما أنزل الله آية إلا وهو يحب أن تُعلم فيم أُنزلت، وما أراد بها” رواه المستغفري في فضائل القرآن (273)، وقال الشوكاني: “ينبغي للطالب أن يُطوِّل الباع في علم التفسير، ويطالعَ مطولاتِ التفاسير، فإن المعاني المأخوذة من كتاب الله سبحانه كثيرة العدد، يستخرج منها كل عالم بحسب استعداده، وقدرِ ملَكَته في العلوم”. انتهى باختصار وتصرف يسير من كتاب أدب الطلب (ص: 148)، وقال الشوكاني أيضًا في كتابه البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع (2/ 87) في ترجمة محمد بن إبراهيم الوزير بعد أن ذكر جملة من الكتب التي تكفي الطالب في علوم الآلة كاللغة والنحو وأصول الفقه: “مع أن فيها جميعًا ما لا تدعو إليه حاجة، ولا سيما تلك التدقيقات التي في شروحها وحواشيها، فإنها عن علم الكتاب والسنة بمعزِل، ولكنه جاء في المتأخرين من اشتغل بعلومٍ أخرى خارجةٍ عن العلوم الشرعية ثم استعملها في العلوم الشرعية، فجاء من بعده فظن أنها من علوم الشريعة، فبعُدت عليه المسافة، وطالت عليه الطرق، فربما بات دون المنزل، ولم يبلغ إلى مقصده، فإنَّ وصل فبذهنٍ كليل، وفهمٍ عليل؛ لأنه قد استفرغ قوَّته في مقدماته، وهذا مشاهَدٌ معلوم، فإنَّ غالب طلبة علوم الاجتهاد تنقضي أعمارُهم في تحقيق الآلات وتدقيقها، ومنهم من لا يفتح كتابًا من كتب السنة، ولا سِفْرًا من أسفار التفسير! ومن عرف ما ذكرناه سابقًا لم يحتج إلى قراءة كتب التفسير على الشيوخ؛ لأنه قد حصَّل ما يفهم به الكتاب العزيز”. انتهى باختصار وتصرف يسير.
  8. اهتمام طالب العلم المبتدئ بالتفصيلات ودقائق المعلومات قبل إتقان أصول العلم الذي يدرسه، ومن أخطاء بعض المدرِّسين أن يُشغِل الطالب المبتدئ بتلك التفاصيل والدقائق، فبعض المدرِّسين حين يُدرِّس متنًا مختصرًا يُملي على طلابه المبتدئين فوائد كثيرة من عدة شروح وحواشي قبل أن يتقنوا ذلك المتن المختصر، وليس هذا من الحكمة، ولا من عمل العلماء الربانيين، قال الإمام البخاري في صحيحه (1/ 25): يقال: الرَّباني الذي يُربي الناس بصغار العلم قبل كبارِه.
  9. بعض طلاب العلم لا يهتم بحفظ العلم، ويظن أنه يكفي الفهم عن الحفظ، وهذا خطأ عظيم، فقد قال تعالى: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [العنكبوت: 49]، وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ» رواه أبو داود (3660)، وصححه الألباني، فاحفظ فكلُّ حافظٍ إمام، ومن حفظ الأصول حاز الفنون، فعلى الطالب أن يهتم اهتمامًا عظيمًا بحفظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية، ويتعاهدهما بالمراجعة المستمرة، ويحفظ مختصرًا في كل فنٍّ بقدر الاستطاعة، ويحفظ ما تيسر له من الأشعار والأقوال وتاريخ الوفيات والأخبار.
  10. عدم قراءة كتب فضل العلم والترغيب فيه وبيان آداب طالب العلم، فقد ألَّفها العلماء لطالب المعلم المبتدئ؛ ليعرف فضل العلم، وآداب طلبه، وطرق تحصيله، فلا ينبغي لمن وفقه الله لسلوك طريق طلب العلم أن يؤخر قراءتها أو قراءة ما تيسر منها، فوقت قراءة هذه الكتب هو أوَّل الطَّلب، ومن هذه الكتب: جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر، والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي، وأدب الطلب للشوكاني، وكتاب العلم لابن عثيمين، وحلية طالب العلم لبكر أبو زيد، والمشوِّق إلى القراءة وطلب العلم لعلي العِمران، وارتياض العلم لمشاري الشثري.
  11. الإعراض عن دراسة الفقه على مذهب من المذاهب الفقهية المعتبرة، فالطريقة المثلى لإتقان الفقه التدرج في دراسة الفقه على مذهب من المذاهب الفقهية ، ثم التوسع في معرفة المذاهب الأخرى وأدلة كل مذهب، ولا يتعصب الطالب لأي مذهب، فإذا ظهر له الراجح أخذ به من أي مذهب، فكل علماء المذاهب علماء الأمة، نستفيد منهم، ولا نتعصب لأحد منهم، ودراسة الفقه من أي كتاب وعلى أي مذهب هي وسيلة للتفقه في دين الله، ومن الخطأ أن يكتفي الطالب غير المبتدئ بدراسة الفقه على كتب مذهب معين، ولا يرجع إلى كتب المذاهب الأخرى، لا سيما كتب الفقه المقارن، فكل مذهب من المذاهب الفقهية المعتبرة فيه أقوال تفرد بها عن بقية المذاهب، وبعضها قوية راجحة، وبعضها ضعيفة مرجوحة، فعلى طالب العلم أن يحرص على معرفة الراجح من المرجوح، وكونه يدرس الفقه على مذهب معين متدرجًا في كتبه لا يعني أن يتعصب له، ويعرض عن علم فقهاء المذاهب الأخرى، قال الإمام الشاطبي في كتابه الموافقات (3/ 131-132): “اعتياد الاستدلال لمذهبٍ واحدٍ ربما يُكسب الطالبَ نفورًا وإنكارًا لمذهب غير مذهبه، من غير اطلاع على مأخذه، فيورث ذلك حزازة في الاعتقاد في الأئمة، الذين أجمع الناس على فضلهم وتقدّمهم في الدين، واضطلاعهم بمقاصد الشارع وفهم أغراضه”.
  12. عدم الاهتمام بدراسة العقيدة الصحيحة التي كان عليها الصحابة والتابعون لهم بإحسان، فبعض طلاب العلم يخالف ما كان عليه السلف الصالح في الاعتقاد، فيتبنى عقيدة المعتزلة أو عقيدة الأشعرية أو الماتريدية أو يأخذ بأقوال الصوفية وأحوالهم المخالفة للقرآن والسنة، وما كان عليه سلف الأمة، وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم عند الاختلاف باتباع سنته، وسنة الخلفاء الراشدين، وحذَّرنا من اتباع المحدثات، وأخبر أن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وفي كتابي نصيحة صادقة لإخواننا الأشاعرة فوائد نافعة.
  13. الغلو في اتباع السلف الصالح، والواجب اتباعهم بإحسان بلا طغيان، فبعض طلاب العلم قد يَغْلُون في اعتبار حجية قول بعض آحاد السلف في بعض المسائل الغريبة المنقولة عن بعضهم من غير ثبوت الإجماع عنهم في تلك المسألة، مع كون علماء السلف كغيرهم يُصيبون ويُخطئون، ويَعلمون ويَجهلون، والحجة القاطعة هي في قول الله سبحانه وقول رسوله صلى الله عليه وسلم، وما أجمع عليه السلف الصالح دون ما اختلفوا فيه، وقد بينت هذا بحمد الله في رسالتي: اتباع السلف الصالح بإحسان بلا طغيان.
  14. من أخطاء بعض طلاب العلم: الغلو في التكفير والتفسيق والتبديع، وعدم عذر المخالف في المسائل الاجتهادية، وفي كتابي نصيحة صادقة للمتوسعين في التبديع والتضليل ما يكفي لمعالجة هذه الظاهرة، وفيه فصول مهمة ونقول عزيزة وفوائد نفيسة، والله الموفق.
  15.  من أخطاء بعض طلاب العلم: ترك مذاكرة العلم، مع نفسه أو مع غيره، فحياة العلم مذاكرتُه، وآفةُ العلم نسيانُه، ومن مذاكرة العلم: تدريسُه، وكتابةُ البحوث، وتلخيصُ المؤلفات لنفسه، وإن كان أهلًا للتأليف فليؤلف ما ينفع الناس مما يحتاجون إليه بإبداعٍ من غير تكرار.
  16. من أخطاء بعض طلاب العلم: الإكثار من تتبع الأخبار، وتضييع الأوقات في وسائل التواصل الاجتماعي ومشاهدة الفيديوهات التي لا يحتاج إلى مشاهدتها، والإكثار من استعمال الهاتف بلا حاجة، والانشغال بخلاف العلماء والدعاة المعاصرين، وكثرة الخصام والجدال، والتعصبُ الأعمى، والتحزب، وتصنيفُ الناس بالظن، وعدمُ الورع عن غِيبة أهل العلم والفضل، والتعميمُ في الأحكام على الطوائف، وعدم تحري العدل كما أمر الله في قوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة: 8].
  17. الجهل بالواقع، ولا يليق هذا بطالب العلم، فعلى الطالب أن يكون له اطلاع على بعض الكتب العصرية المفيدة التي تبين له الواقع المعاصر، ويكثر من قراءة فتاوى العلماء المعاصرين، ففيها علم بواقع الناس ومشاكلهم وهمومهم وآمالهم وآلامهم، وفيها بيان كثير من المسائل المعاصرة الجديدة المتنوعة.
  18. التقصير في الاطلاع على كتب التزكية، وقد أخبر الله عن رسوله عليه الصلاة والسلام أنه يُزكِّي أصحابه ويعلمهم القرآن والسنة، فقال سبحانه: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [آل عمران: 164]، ومن أحسن كتب التزكية المناسبة: مختصرُ منهاج القاصدين لنجم الدين المقدِسي، وتهذيبُ مدارج السالكين، والفوائد لابن القيم، وكتب الزهد وهي كثيرة جدًا، ومن أشهرها: الزهد والرقائق لابن المبارك، والزهد لأحمد بن حنبل، والزهد لأبي داود، ولي كتاب تهذيب كتب الزهد المسندة، جمعت فيه فوائد 15 كتابًا من كتب الزهد، ثم اختصرته في كتاب الزهد الصغير، والحمد لله على توفيقه.
  19. التقصير في الأخلاق والآداب، علمًا وعملًا، مع أن حسن الخلق من الإيمان، وهو أثقلُ ما يوضع في الميزان، وقد ألف العلماء كتبًا كثيرةً في الأخلاق والآداب ينبغي للطالب أن يطَّلِع عليها، ككتاب أخلاق أهل القرآن وأخلاق العلماء كلاهما للآجُرِّي، والأدب المفرد للبخاري أو صحيح الأدب المفرد للألباني، والآداب الشرعية لابن مفلح أو مختصره.
  20. عدم التوسع في دراسة النحو واللغة العربية وعلومها، فالنحو مفتاح العلوم، واللغة العربية هي لغة القرآن والسنة، ولغة العلم، فينبغي لطالب العلم أن يتوسع في دراسة النحو وعلوم اللغة العربية، ويكثِر من القراءة في كتب غريب القرآن الكريم، وفي معاجم اللغة، ومن أحسنها للمبتدئين: المعجم الوجيز، ومختار الصحاح، والمصباح المنير للفيومي، ثم يقرأ في المعجم الوسيط وغيره من المعاجم المبسوطة، وينبغي للطالب أن يكون مطَّلِعًا على ما تيسر له من كتب الأدب ودواوين الشعراء، ففيها من الشعر والحِكَم والأمثال والأخبار ما يحث على مكارم الأخلاق والآداب، مع تسلية النفوس، وإمتاع العقول، ومن أحسن كتب الأدب المناسبة للمبتدئين: بهجةُ المجالس لابن عبد البر، وزَهرُ الآداب للحُصري القيرواني، وكتب علي الطنطاوي، ولُبُّها في كتاب روائع الطنطاوي، ومن أشهر كتب الأدب: البيان والتبيين للجاحظ، والكامل للمبرد، وأمالي القالي، وأدب الكاتب لابن قتيبة، والعِقد الفريد لابن عبد ربه، وشرح المعلَّقات السبع، وشرح اختيارات المفضَّل، وشرح ديوان الحماسة.
  21. من أخطاء بعض طلاب العلم: الاستهانة ببعض العلوم الشرعية أو الدنيوية، واحتقار بعض العلماء والمؤلفين، فبعضهم لا يهتم بعلم أصول الفقه، ولا يعطيه حقه من الدراسة، وبعضهم لا يهتم بعلم مصطلح الحديث، ولا يهتم بأقوال علماء الحديث في تعليل الأحاديث، وكفى بالمرء إثمًا أن يحتقر أخاه المسلم، والحكمة ضالة المسلم أنَّى وجدها فهو أحق بها، ولا يخلو غالبًا كتاب من فائدة، فخُذ من كل شيء أحسنه، ولا تبخس الناس شيئًا.
  22. من أخطاء بعض طلاب العلم الجادِّين في تحصيل العلوم: الغفلةُ عن إعطاء كل ذي حق حقه، فقد يُقصِّر بعضهم في بِرِّ والديه ومجالستهم ومؤانستهم، أو يُقصِّر في صلة أرحامه، أو يُقصِّر في الإحسان إلى جيرانه وإكرام ضيوفه، أو يُقصِّر في الإحسان إلى نفسه وأهله، فليُعط كلَّ ذي حقٍّ حقه، ومن حق نفسه: أكل الطيبات، والترويح عنها أحيانًا بالمباحات.
  23. التقصير في تعليم ونصح أهاليهم وأقاربهم، وهم أولى بالمعروف من غيرهم، وإن كان كثير منهم قد يزهد في علم الطالب لكن على الطالب أن يتعاهدهم بالعلم والتعليم والنصح والتوجيه بالطريقة المناسبة، ولو بالواتس وبإهدائهم بعض الكتيبات والمطويات، وأما أهله وأولاده فلا بد من الجلوس معهم في حلقات تعليمية ولو أسبوعية، وتشجيعهم على الالتحاق بحلقات تحفيظ القرآن وحضور الدروس وقراءة الكتب.
  24. من أخطاء كثير من طلاب العلم والعلماء: عدم الاهتمام بالرياضة، فتكثر فيهم الأمراض المتنوعة بسبب كثرة جلوسهم بين الكتب، فالحركة بركة، والمحافظة على الصحة مطلب شرعي، فينبغي المداومة على رياضة مناسبة ولو عشر دقائق كل يوم، كالجري أو ما تيسر من تمارين اللياقة البدنية، ففيها نفع عظيم جدًا، فاحرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإياك والكسل.
  25. من أخطاء بعض المشتغلين بالعلم: الغفلة عن المقصد من طلب العلم، وأنه صلاح القلب، والعمل بالعلم، والدعوة إليه، فليس العلم فقط حفظه من غير عمل به، ولا دعوة، فمن عَمِل بالعلم كسره العلم، فخشع لله وتواضع لعباد الله، وخاف على نفسه عذاب الله، قال الله عز وجل: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر: 28]، وقال سبحانه: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد: 16].

أسأل الله أن يكون في هذه الرسالة المختصرة تنبيه للغافل، وتذكرة للعاقل، ونصح لكل طالب علم وداعية إلى الله، وأحث طلاب العلم بالاطلاع على برنامج تأهيل طلاب العلم المتميزين، وبرنامج إعداد العلماء، للاستفادة منهما في المنهجية في طلب العلم، واختيار الكتب المناسبة في مختلف العلوم، والبرنامج الأول للمبتدئين، والبرنامج الثاني للمتوسطين، وهما منشوران في شبكة الألوكة، والله الموفق، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وكتب/ محمد بن علي بن جميل المطري

صنعاء – شوال 1440

                  ثم قمت بتنقيحه وإضافة بعض النصائح بتاريخ 7 صفر 1447

 

 


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

العلاقات العاطفية وأثرها على الشباب

خلال فترة الطفولة تكون نظرة الطفل للجنس الآخر تكون عبارة عن نظرة صداقة، نظرة لعب ولهوٍ، ولا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *