وهم الأبراج – محمد بن سليمان المهوس

وَعِلْمُ التَّنْجِيمِ وَهُوَ رَبْطُ الأَحْدَاثِ وَالأَقْدَارِ وَمُسْتَقْبَلِ الإِنْسَانِ وَحُظُوظِهِ بِالأَجْرَامِ السَّمَاوِيَّةِ وَحَرَكَاتِهَا وَمَنَازِلِهَا، هُوَ مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْكُهَّانِ وَالْعَرَّافِينَ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- ﷺ-: «مَنِ اقْتَبَسَ عِلْمًا مِنَ النُّجُومِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ، زَادَ مَا زَادَ».

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – أَنَّهُ قَالَ:  صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ – صَلاَةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أقْبَلَ علَى النَّاسِ، فَقالَ: «هلْ تَدْرُونَ مَاذَا قالَ رَبُّكُمْ؟» قَالُوا: اللَّهُ ورَسُولُهُ أعْلَمُ، قَالَ: «أَصْبَحَ مِن عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وكَافِرٌ، فأمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بفَضْلِ اللَّهِ ورَحْمَتِهِ، فَذلكَ مُؤْمِنٌ بي وكَافِرٌ بالكَوْكَبِ، وأَمَّا مَنْ قَالَ: بنَوْءِ كَذَا وكَذَا، فَذلكَ كَافِرٌ بي ومُؤْمِنٌ بالكَوْكَبِ».

فِي هَذَا الْحَدِيثِ يُبَيِّنُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ أَنَّ مَنْ نَسَبَ الأَمْطَارَ وَغَيْرَهَا مِنَ الْحَوَادِثِ الأَرْضِيَّةِ إِلَى تَحَرُّكَاتِ الْكَوَاكِبِ فِي طُلُوعِهَا وَسُقُوطِهَا، مُعْتَقِدًا أَنَّهَا الْفَاعِلُ الْحَقِيقِيُّ دُونَ اللهِ، فَهُوَ كَافِرٌ مُشْرِكٌ فِي تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ.

فَاللَّهُ هُوَ الْمَلِكُ الْعَظِيمُ الْمُدَبِّرُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، الْعَالِمُ بِمَا كَانَ وَبِمَا سَيَكُونُ، وَبِمَا لَمْ يَكُنْ كَيْفَ لَوْ كَانَ، قَالَ تَعَالَى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 59].

وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ } [الأنعام: 73]، وَقَالَ: {قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل: 65].

وَعِلْمُ التَّنْجِيمِ وَهُوَ رَبْطُ الأَحْدَاثِ وَالأَقْدَارِ وَمُسْتَقْبَلِ الإِنْسَانِ وَحُظُوظِهِ بِالأَجْرَامِ السَّمَاوِيَّةِ وَحَرَكَاتِهَا وَمَنَازِلِهَا، هُوَ مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْكُهَّانِ وَالْعَرَّافِينَ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «مَنِ اقْتَبَسَ عِلْمًا مِنَ النُّجُومِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ، زَادَ مَا زَادَ» (حَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ).

فَيُبَيِّنُ النَّبِيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ – فِي هَذَا الْحَدِيثِ:

أَنَّ مَنْ تَعَلَّمَ وَأَخَذَ مِنْ عِلْمِ النُّجُومِ وَالْأَبْرَاجِ وَاسْتَدَلََّ بِحَرَكَاتِهَا وَدُخُولِهَا وَخُرُوجِهَا عَلَى الْحَوَادِثِ الْأَرْضِيَّةِ ؛ مِنْ مَوْتِ فُلَانٍ أَوْ حَيَاتِهِ ،أَوْ مَرَضِهِ أَوْ شِفَائِهِ ، أَوْ سَعَادَتِهِ أَوْ تَعَاسَتِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا سَيَقَعُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَقَدْ تَعَلَّمَ جُزْءًا مِنَ السِّحْرِ، وَأَنَّهُ كُلَّمَا أَكْثَرَ الْإِنْسَانُ مِنْ هَذَا الْعِلْمِ فَقَدْ أَكْثَرَ مِنَ السِّحْرِ.

وَإِنَّكَ لَتَعْجَبُ مِنْ أُنَاسٍ تَعَلَّقُوا بِمَنْ يُسَمَّوْنَ بِالْمُنَجِّمِينَ، أَوْ بِمَنْ يَقْرَؤُونَ الْمُسْتَقْبَلَ، أَوْ بِمَنْ يُسَمَّوْنَ بِالْمَشَايخِ الرُّوحَانِيِّينَ عَبْرَ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الْحَدِيثَةِ، أَوِ الْقَنَوَاتِ الْمَشْبُوهَةِ لِمَعْرِفَةِ مُسْتَقْبَلِهِمْ، أَوْ لِجَلْبِ مَنْ يُحِبُّونَ، أَوْ لِتَحْصِيلِ الْأَمْوَالِ وَالْحُصُولِ عَلَى السَّعَادَةِ الْمَزْعُومَةِ، أَوْ مَعْرِفَةِ التَّوَقُّعَاتِ لِمَا يَحْصُلُ فِي الْعَامِ الْجَدِيدِ، بَلْ أَصْبَحَ الْكَثِيرُ مِنَ الشَّبَابِ وَالْفَتَيَاتِ لاَ يَبْدَؤُونَ يَوْمَهُمْ إِلاَّ بِالاِطِّلاَعِ عَلَى أَبْرَاجِهِمُ الَّتِي تَنْبَنِي عَلَيْهَا سَعَادَتُهُمْ وَتَعَاسَتُهُمْ! قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «ثَلاَثَةٌ لاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: مُدْمِنُ خَمْرٍ، وَقَاطِعُ رَحِمٍ ، وَمُصَدِّقٌ بِالسِّحْرِ». (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ).

وَمَعْنَى قَوْلِهِ: «مُصَدِّقٌ بِالسِّحْرِ» يَدْخُلُ فِيهِ التَّصْدِيقُ بِأَخْبَارِ الْمُنَجِّمِينَ؛ لأَنَّ التَّنْجِيمَ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ السِّحْرِ.

ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ النُّجُومَ خَلَقَهَا اللَّهُ لِحِكَمٍ بَيَّنَهَا فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ فَقَالَ: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} [الملك: 5]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَعَلاَمَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل: 16]،

 قَالَ قَتَادَةُ -رَحِمَهُ اللَّهُ- مُبَيِّنًا مَا فِي الآيَاتِ الْكَرِيمَةِ: «خَلَقَ اللَّهُ هَذِهِ النُّجُومَ لِثَلَاثٍ: زِينَةً لِلسَّمَاءِ، وَرُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ، وَعَلَامَاتٍ يُهْتَدَى بِهَا؛ فَمَنْ تَأَوَّلَ فِيهَا غَيْرَ ذَلِكَ أَخْطَأَ وَأَضَاعَ نَصِيبَهُ وَتَكَلَّفَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ». انْتَهَى.

لا تَرْقُبِ النَّجْمَ فِي أَمْرٍ تُحَاوِلُهُ   **   فَاللهُ يَفعَلُ لاَ جَدْيٌ وَلاَ حَمَلُ

مَعَ السَعادَةِ ما لِلنَّجْمِ مِنْ أَثَــرٍ   **   فَلاَ يَغُرُّكَ مِرِّيخٌ وَلاَ زُحَـــــــلُ

 

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ دَهَاءِ وَخُبْثِ الْمُنَجِّمِينَ وَدُعَاةِ الْأَبْرَاجِ جَعْلَ الْأَشْيَاءِ الْإِيجَابِيَّةِ أَكْثَرَ مِنَ السَّلْبِيَّةِ فِيهَا؛ لِيُوَفِّرُوا لِمُتَابِعِيهِمْ أَحَاسِيسَ كَاذِبَةً بِالرَّاحَةِ وَالْهُرُوبِ مِنْ وَاقِعٍ كَئِيبٍ مُظْلِمٍ إِلَى وَاقِعٍ سَعِيدٍ مُشْرِقٍ؛ لِيَخْدَعُوا ضَعِيفَ الْعَقْلِ، وَقَلِيلَ الْعِلْمِ.

فَاحْذَرُوا وَحَذِّرُوا مِنْ مُتَابَعَةِ هَؤُلَاءِ الْمُنَجِّمِينَ وَمُطَالَعَةِ الْأَبْرَاجِ وَلَوْ عَلَى سَبِيلِ الْفُضُولِ وَالِاسْتِطْلَاعِ وَالتَّسْلِيَةِ دُونَ التَّصْدِيقِ بِهَذَا الدَّجَلِ، فَهَذَا مُنْكَرٌ عَظِيمٌ، وَفَاعِلُهُ عَاصٍ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ – ، وَقَدْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلْفِتْنَةِ، وَعَرَّضَ إِيمَانَهُ لِلزَّوَالِ، وَهَذَا مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – يَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ – وَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بجَاهِلِيَّةٍ، وَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بالإِسْلَامِ، وإنَّ مِنَّا رِجَالًا يَأْتُونَ الكُهَّانَ، قالَ: «فَلاَ تَأْتِهِمْ» (رَواهُ مُسْلِمٌ).

فَهَذَا نَهْيٌ صَرِيحٌ مِنَ النَّبِيِّ بِعَدَمِ إِتْيَانِ الْكُهَّانِ أَوْ الِاطِّلَاعِ عَلَى إِفْكِهِمْ أَوْ الِاسْتِمَاعِ لَهُمْ، وَيَدْخُلُ فِي هَذَا مُطَالَعَةُ الْأَبْرَاجِ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» (رَواهُ مُسْلِمٌ).

فَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا الْحَذَرُ مِنَ التَّعَلُّقِ بِالْأَبْرَاجِ وَمُرَوِّجِيهَا، وَالتَّوَاصِي بِهَجْرِهَا لِلَّهِ تَعَالَى، وَالتَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ فِي كُلِّ الْأُمُورِ، وَالرِّضَاءُ بِقَدَرِهِ، وَالْحِرْصُ عَلَى أَهَمِّ مَا نَمْلِكُ وَهُوَ تَوْحِيدُنَا مِنْ أَنْ يُلَوِّثَ صَفْوَهَا الْمُنَجِّمُونَ، وَقَدْ قَالَ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-» (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ).


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

بداية تدوين علم التفسير ومعرفة نسخ التفسير القديمة – محمد بن علي بن جميل المطري

منذ حوالي ساعة أول مرحلة من مراحل تدوين علم التفسير هي كتابة التابعين وأتباع التابعين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *