منذ حوالي ساعة
“الترفع عن تصفية الحسابات وحظوظ النفس والعفو من خصال النبوة ونهج المرسلين…”
تصفية الحسابات والانتصار للنفس ينبغي أن يحذر منها المصلح أشد الحذر ويكون من أبعد الناس عن ذلك، حتى لا تشوِّش عليه رسالته وهدفه الأسمى، لأنه لا ينتصر لذاته، وإنما للحق، فالتفات المصلحين إلى أنفسهم والانتصار لها سينعكس أثره على ما معهم من الحق..
والمصلح الحقيقي هو من قدّم مصلحة الأمة على مصالحه الشخصية، ولا ريب أن مصلحة الأمة تكون بالترفع عن حظوظ النفس وتصفية الحسابات.
والترفع عن تصفية الحسابات وحظوظ النفس والعفو من خصال النبوة ونهج المرسلين، فيوسف عليه السلام لما أخضع الله له أخوته كان شعاره: (لا تثريب عليكم اليوم)، ونبينا صلى الله عليه وسلم بعدما دخل مكة فاتحًا قال كلمته الخالدة: ( اذهبوا فأنتم الطلقاء )
وهذه الخصلة مما يُستدل بها على سمو نفس الرجل وعظيم مروءته.
فأهل النفوس الكبيرة يتلذذون بالعفو والإحسان لمن أساء لهم كما يفرح صغير النفس بالانتصار لنفسه والانتقام لها.
ومن جميل كلام ابن القيِّم قوله: ” وفي الصَّفح والعفو والحِلْم مِن الحلاوة والطَّمأنينة، والسَّكينة وشرف النَّفس، وعزِّها ورفعتها عن تشفِّيها بالانتِقَام ما ليس شيء منه في المقَابَلة والانتِقَام”.
ومما هو مشاهد أنه ما انتقم أحد لنفسه وانتصر لها إلا ويصيبه الندم طال الزمان أم قصر، يقول ابن القيم: (فما انتقم أحدٌ لنفسه قطُّ إلَّا أعقبه ذلك ندامة).
فأن تدور لك الدائرة وتقدر على من أساء لك، أو وضعك الزمن في موضع من يُرجى وصاله ويُخشى فعاله فاعلم أن هذا محك من محكات المروءة والنبل، وكم يأسرني قول ذلك الأعرابي (أقبح أفعال المقتدرين الانتقام).
ومن أقال عثرات الناس أقال الله عثرته، وأحسن الله في العالمين ذكره ورفع شأنه، وما يُلقّاها إلا أصحاب النفوس الكبيرة، والجود يُفقر والإقدام قتّال.
ويُعظم ذلك إذا تسنّم المرء دِفّة الإصلاح والتوجيه والبناء، فما أحوجه حينها إلى أن يتخلّق بهذه الخصلة لأجل الحق الذي ينشده والإصلاح الذي يرومه.
Source link