ومن أعظم مكاسب التوحيد التي لا يلتفت لها كثير من الخائضين في مسالك الإصلاح: أثر الوثوق بالله في تطهير النفس من اضطرابها الداخلي.
حين تكثر شكوى الناس من ضيق الخُلق، وتفاوت الصبر، وجفاف النفس، وتشرّد الخشوع، يغفل كثير منهم عن أن هذه المظاهر ليست مشكلاتٍ مستقلة، بل روافد لنبعٍ واحد، ومنشأها الجامع: اضطراب الثقة بالله في باب الرزق.
ومن أعظم مكاسب التوحيد التي لا يلتفت لها كثير من الخائضين في مسالك الإصلاح: أثر الوثوق بالله في تطهير النفس من اضطرابها الداخلي.
فمن الناس من يظن أن جمال الأخلاق وليد تربيةٍ سلوكيةٍ مجردة، أو تهذيبٍ طبعيٍ موروث، ولا يدري أن أصل هذا الهدوء النفسي، وهذه السكينة الأخلاقية، إنما ينبع من يقين راسخ بالله، وثقةٍ عميقة بأن الرازق هو الله، وأن القسمة محروسة بحكمته لا بحيلة البشر.
فإذا استقر هذا المعنى في القلب، انحسر التوتر، وسكن التنافس، وانسدل الحلم على الخُلُق، وهدأت النفس عن الطمع، واستقامت في الصلاة، لا تتلفّت خلف الهواجس، ولا تشرئب إلى الدنيا من بين السطور.
وهذا المعنى الجليل قد نطق به أحد أئمة السلوك، حيث جاء في “سير أعلام النبلاء” (١٠/١٨٥) عن ابن بحر الأسدي قال:“سمعت أحمد بن أبي الحواري، سمعت أبا سليمان يقول: من وثق بالله في رزقه، زاد في حسن خلقه، وأعقبه الحلم، وسخت نفسه، وقلت وساوسه في صلاته.”
فتأمّل كيف أن مبدأ التوكل الخالص يُورِث أثرًا مركّبًا في باطن النفس: حُسن خلق، حلم، سَخاوة، وخشوع، فطوبى لمن أقبل على الله بثقةٍ صادقة، فإنه وإن قل ماله، قد اغتنى بسكينة القلب، ونقاء السريرة، واستقامة الصلاة.
Source link