منذ حوالي ساعة
هذا مقتطف مفيد من كتاب: مفاتيح لفهم السنة، لمؤلفه شريف محمد جابر جزاه الله خيراً، والكتاب من إصدارات موقع السبيل (1441هـ) والآن إلى المادة المختارة (بتصرف يسير):
هذا مقتطف مفيد من كتاب: مفاتيح لفهم السنة، لمؤلفه شريف محمد جابر جزاه الله خيراً، والكتاب من إصدارات موقع السبيل (1441هـ) والآن إلى المادة المختارة (بتصرف يسير):
” هالني وأنا أتابع الحالة الثقافية لشعوبنا العربية أن هناك سؤالا يظل دائم الحضور مهما تم إيضاح المغالطة التي يستند إليها، وهو: لماذا تأخر تدوين أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلّم إلى قرنين بعد وفاته، أي إلى عصر البخاري ؟ بل وكثيرا ما يُردف هذا السؤال بسؤال آخر وهو: هل بقيت الأمة لقرنين بغير سنة وبغير أحاديث؟! وبالطبع فالسؤال الثاني أكثر سذاجة من الأول؛ لأنّ العمل بالسنّة لا يُشترط فيه وجود صحيح البخاري أو غيره من الكتب المصنّفة المبوبة الجامعة، وقد كان جيل الصحابة يعيشون بالسنة وهي فاشية بينهم حفظا وسلوكا، وكذلك جيل التابعين، فضلا عن الصحف التي دوّنوا فيها الأحاديث النبوية، وهو ما سنفصل فيه بعد قليل.
المؤسف في الموضوع هو وجود بعض المسلمين الطيبين الذين لا يعادون كتب الحديث ولا ينكرون السنن، ولكنهم يجهلون أن الحديث النبوي قد بدأ تدوينه قبل عصر البخاري بنحو قرن ونصف ومن أجل ذلك أحببت كتابة هذه التدوينة التي تحاول جمع أسماء من بلغنا من أئمة دوّنوا الحديث النبوي وعناوين كتبهم، منذ عهد الصحابة رضوان الله عليهم وحتى نهايات القرن الهجري الثاني، أي قبل عصر البخاري؛ لأبين تواصل تدوين الحديث الذي كان موازيا لجهود الحفظ الشفهي الذي عُرف به العرب منذ عهد مبكر جدًا.
ستجدون في القائمة التالية ذكرًا لأهمّ جهود التدوين من الأقدم فالأحدث، ومن هؤلاء صحابة، وتابعون، وتابعوا تابعين، بعضهم ولد وعاش في القرن الأول الهجري، وبعضهم ولد في القرن الأول وتوفي في القرن الثاني، وقسم آخر ولد في بدايات القرن الثاني وتوفي في أواخره أو في مطلع القرن الثالث، أي عندما كان البخاري ما يزال شابا يطلب الحديث! وذلك لتأكيد تواصل كتابة الحديث النبوي وتطوّرها منذ عهد مبكر مع الحفظ الشفهي المعروف للحديث النبوي، مما يؤكد أنها جهود متواصلة لم تنقطع يوما، ولم تبدأ كما يزعم هؤلاء في عصر البخاري، بل كانت ناضجة ومتطوّرة ومتداولة قبل أن يبدأ البخاري بطلب الحديث، ثم ساهم البخاري وجيله من أئمة الحديث بالمزيد من التطوير وتحديدا في مجال تجريد الصحيح المرفوع والتفنّن في التبويب والتأليف وفقه التراجم وغير ذلك من ملامح الصناعة الحديثية في القرن الثالث، وإليكم القائمة بالترتيب الزمني:
الصحابي عبد الله بن عمرو بن العاص (7 ق هـ – 65 هـ): له الصحيفة الصادقة في الحديث.
صحيفة الصحابي سمرة بن جندب (توفي 60 هـ).
صحيفة الصحابي جابر بن عبد الله (16 ق هـ – 78 هـ).
صحيفة الصحابي نبيط بن شريط الأشجعي الكوفي مخطوط في الظاهرية (حديث 279)، والقاهرة حديث (1557) وجزء منها في مسند أحمد.
صحيفة الأشج، وهو تابعي ولد في خلافة أبي بكر الصديق. مخطوط في شهيد علي 539، وفي القاهرة (حديث 1920).
صحيفة التابعي خراش بن عبد الله، مخطوط في شهيد علي 539، وفي برلين 1552
صحيفة التابعي همام بن منبه (40-131 هـ ) مخطوط في برلين 1384 والظاهرية مجموع 2/25، وشهيد علي 539.
أحاديث التابعي أبي الزبير، وكانت صحيفة له. ثم جمعها أبو الشيخ الأصبهاني. مخطوط الظاهرية مجموع 53-3
ومنعا للإطالة أذكر من التابعين وتابعيهم الذين دوّنوا ما كان يسمى “صحيفة” أو ” جزءا” أو “حديثا ” : الزبير بن عدي، أبو العشراء الدارمي، أيوب السختياني، يونس بن عبيد، أبو بردة بُريْد حفيد أبي موسى الأشعري، هشام بن عروة بن الزبير، حميد الطويل، زيد بن أبي أنيسة عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم.
ثم بدأ بعد ذلك عهد آخر من التدوين الأكثر تنظيما في العصر العباسي، ومن هذه المصنفات:
كتاب “السنن” و”التفسير” لابن جريج (50-150 هـ).
“أحاديث ” المثنى بن عبد الله (توفي نحو 150 هـ).
سعيد بن أبي عروبة (70-156 هـ)، وهو من أوائل من صنف في الحديث كتبا مبوبة، روى كتاب “المناسك” عن قتادة، وله “التفسير”.
شعبة بن الحجاج (82-160 هـ ) وهو من أوائل من بوبوا الحديث في البصرة، وأفرد علما مستقلا لأحوال المحدثين، وروي عنه “غرائب أحاديث شعبة” لمحمد بن المظفر بن موسى البزاز
مُجاعة بن الزبير (كان على قيد الحياة في النصف الأول من القرن الثاني الهجري) له “حديث”، مخطوط الظاهرية 4/35.
إبراهيم بن طهمان، أبو سعيد الخراساني (توفي 163 هـ)، وصف ابن أبي حاتم في “الجرح والتعديل” كتبه بأنها من “صحيح الكتب”. وله كتاب مطبوع بعنوان ” مشيخة ابن طهمان”.
فليح بن سليمان (توفي 168هـ)، قسم من أحاديثه في الظاهرية مجموع 7/124. الربيع بن حبيب الفراهيدي (توفي 110 هـ) له كتاب الآثار”، دار الكتب بالقاهرة.
كلثوم بن محمد بن أبي سدرة الحلبي (توفي تقريبا في الربع الأخير من القرن الثاني الهجري)، له صحيفة، مخطوطة في شهيد علي
539.
جويرية بن أسماء بن عبيد البصري (توفي 173 هـ)، له صحيفة، مخطوطة في شهيد علي 539
موطأ مالك بن أنس (93-179 هـ).
جامع معمر بن راشد الأزدي البصري نزيل صنعاء اليمن (95-153 هـ).
أحاديث سفيان بن سعيد الثوري (97-161هـ) التي ما زال بين أيدينا جزء منها ومروياته مبثوثة في الكتب.
عبد الله بن لهيعة (97-154 هـ)، له صحيفة ما تزال محفوظة في بردية فيهايدلبرج.
إسماعيل بن جعفر (130-10 هـ)، له جزء في الحديث، مخطوط في كويبرلي 428.
عبد الله بن المبارك (118-181 هـ)، له كتاب الزهد والرقائق”، “الجهاد“، “المسند”، “كتاب البر والصلة”، لمعظمها مخطوطات متفرقة في العالم ومعظمها مطبوع
نسخة إبراهيم بن سعد (183/18210هـ) مخطوط في دار الكتب بالقاهرة حديث 1558
كتاب الآثار لأبي يوسف القاضي (113-182 هـ).
أمالي أحمد بن حبيب الشجاعي السرخسي، ألفها سنة 184 هـ. مخطوط في الظاهرية، مجموع 62-5
كتاب الآثار لمحمد بن الحسن الشيباني (131-189 هـ).
جامع ابن وهب الفهري مولاهم المصري (125-197 هـ).
مسند أبي داود الطيالسي (133-204 هـ).
مرويات الإمام محمد بن إدريس الشافعي (150-204 هـ) المسندة في كتبه المتنوعة كالأم والرسالة واختلاف الحديث.
…
وقد اعتمدت في معظم الأسماء التي في هذه القائمة على كتاب “تاريخ التراث ” لفؤاد سزكين رحمه الله، المجلد الأول – الجزء الأول، قسم الحديث. إلى جانب عناوين أخرى أضفتها…
ماذا نستفيد من استعراض هذه القائمة؟
نستفيد منها أن تدوين السنة النبوية بدأ منذ عهد الصحابة، وظل متواصلا ينقل اللاحق عن السابق بالرواية الشفهية المعضودة بالنسخ في الكتب حتى عصر البخاري ومسلم والترمذي وأبي داود وأقرانهم من أهل القرن الثالث الهجري، أي الذين ظهرت مصنفاتهم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلّم بنحو قرنين، ثم استمر الأمر للأجيال التي تلت هؤلاء.
ولو طالع الباحث كتب البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي وأقرانهم لوجد أن مادتها مبثوثة فيما ذكرنا من صحف وأجزاء حديثية ومصنفات متقدمة عليهم، ولكنهم لم يكتفوا بحفظ هذه النسخ ولم ينقلوها كتابة فقط، بل كان الأساس هو الحفظ والرواية الشفهية وكانت الكتابة مواكبة لها للمزيد من التدقيق والحفظ.
والنتيجة أن من يزعم أن تدوين الحديث النبوي قد بدأ بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بقرنين فهو جاهل لم يطلع على التراث الإسلامي، ويتحدث بغير علم. وبين أيدينا عشرات المجلّدات المحققة المطبوعة في الحديث والآثار جميعها لأئمة عاشوا وماتوا قبل أن يكتب البخاري صحيحه!
ومن يراجع كتب الحديث وعلومه سيدرك أن ما ذكرناه هنا هو غيض من فيض، فقد بات تقليد “تقييد العلم “بالكتابة ممارسة شائعة لدى المسلمين الأوائل من الصحابة والتابعين ومن أراد الاطلاع على ما روي حول هذا التقليد فليقرأ “باب ذكر الرخصة في كتابة العلم” من كتاب “جامع” بيان العلم وفضله للإمام ابن عبد البر، وكتاب “تقييد العلم” للإمام الخطيب البغدادي. “
Source link