منذ حوالي ساعة
وليعلم المؤمن علما جازما أن من حقق شروط الدعاء وراعى آدابه كان حريا أن يستجيب الله له، وأنه ينبغي أن يجعل همه عند الدعاء النظر فيما قد يحصل منه من تقصير قد يكون سببا في تخلف الدعاء..”
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه :” إني لا أحمل هم الدعاء ولكن أحمل هم الإجابة، فإذا ألهمت الدعاء كانت الإجابة معه “.
وهذا يبين أصلا عظيما، وهو أن الدعاء مفتاح التوفيق، وأن من أراد الله تعالى به الخير وفقه للدعاء، وأعانه على تحقيق شروطه، وأهم ما ينبغي مراعاته في الدعاء الثقة بالله تعالى وأن يلجأ إليه صادقا مضطرا، قد تخلص من حوله وقوته، وفوض أمره تفويضا تاما إلى الله تعالى، وأيقين بأن الله تعالى يجيب دعاء من دعاه بصدق ويقين، فإن من كان حاله كذلك كان أحرى ألا يرد الله دعاءه، وحاصل ذلك كله هو ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة».
وليعلم المؤمن علما جازما أن من حقق شروط الدعاء وراعى آدابه كان حريا أن يستجيب الله له، وأنه ينبغي أن يجعل همه عند الدعاء النظر فيما قد يحصل منه من تقصير قد يكون سببا في تخلف الدعاء، بخلاف من ينظر لنفسه ودعائه بعين الكمال، ويجعل همه في إجابة الله تعالى لدعائه، ويردد في نفسه كيف أنه قد دعا وكرر الدعاء ثم لم يستجب له، فإن هذا قد عكس الأمر وخالف مقتضى العبودية لله تعالى، وما يلزم عنها من محاسبته لنفسه واتهامها بالتقصير، والجزم بأن الكمال المطلق هو في تدبير الله تعالى لمخلوقاته، وفي حكمته في تسيير شؤون خلقه، وأنه تعالى لا يظلم أحدا، وأن عقوبته لا تجاوز عدله، فلا يعاقب إلا من يستحق العقوبة، وأن عطاءه وثوابه أوسع من عمل العبد.
ومما يبين ذلك ما جاء في الحديث القدسي أن الله تعالى قال : ” «أنا عند ظن عبدي بي» “، فمن حسن ظنه بالله تعالى وتوكل عليه وجزم بأن ما يختاره الله له هو الخير كان الله عند ظنه، فوفقه وفتح له أبواب الخير ورزقه من حيث لا يحتسب، ومن كان ظنه بالله تعالى بخلاف ذلك كان جزاؤه بحسب ظنه، فيكون اعتقاده الباطل وظنه السيء بالله تعالى هو السبب فيما يؤول إليه أمره.
والعجب ممن يغفل عن هذا الأصل العظيم، ويسلك طريق من يبيعون الوهم تحت مسمى قانون الجذب، حيث يدعون وجود طاقة إيجابية وطاقة سلبية في الكون، وأن الإنسان يجذب الطاقة الإيجابية إذا كانت أفكاره إيجابية، ويجذب الطاقة السلبية إذا كانت أفكاره سلبية، ويؤكدون على أن الفكرة هي التي تحدد الواقع وتخلق القدر، ويبالغون في وصف تلك الطاقة الكونية الخاصة بقانون الجذب حتى يدعون أن لها ذبذبات حقيقية تكون مهمة الإنسان مجرد التوافق معها لتحقيق مطالبه، مع أن كل ما يدعونه لم يثبت بأي طريقة علمية، ولم يعتمد في الدراسات والجامعات المعتبرة، وإنما هو لفيف من فلسفات وديانات شرقية قائمة في الأساس على عقيدة وحدة الوجود، وقد تسربت تحت مسمى التنمية البشرية إلى قطاعات واسعة تلقفتها دون وعي بأصولها ولوازمها، مع أنها عند التحري والتدقيق ضلال في الاعتقاد ودعاوى لا أساس لها في مجال البحث العلمي الموثوق.
والذي يفتح بصيرة من أراد الله هدايته للعلم بحقيقتها أن يعلم أنه لا فرق في التعامل بها بين الملحد والمؤمن، لإنها في حقيقتها طلب من الكون المخلوق، وحرص على التوافق على ما يظن أنه حقيقة لما يسمونه الطاقة الحيوية، وهي عند هؤلاء تقوم في نهاية المطاف مقام الإله الخالق عند أهل الإيمان، فمن أراد الله هدايته عرف التمييز بين الطريقين، وجعل دعاء الله تعالى وحسن الظن به هو الطريق لتحقيق مطالبه، ومن جعل هذه الأوهام وسيلته في ذلك كان ممن يخشى عليه الانحراف.
_______________________________________
الكاتب: عبدالله القرني
Source link