فمِنكَ وحدَك – منصور بن محمد المقرن

تفوّق طالبٌ في دراسته فـنَسب ذلك إلى ذكائه واجتهادِه، وحصل موظفٌ على ترقية فعزا ذلك إلى فهمه وقدراتِه، وتضاعفت أرباحُ تاجرٍ فافتخر بحسن إدارته وإمكاناتِه، وتبوأ رجلٌ مكانة فأرجع ذلك إلى كبراء ووجهاء وطّد معهم علاقاتِه.

 

تفوّق طالبٌ في دراسته فـنَسب ذلك إلى ذكائه واجتهادِه، وحصل موظفٌ على ترقية فعزا ذلك إلى فهمه وقدراتِه، وتضاعفت أرباحُ تاجرٍ فافتخر بحسن إدارته وإمكاناتِه، وتبوأ رجلٌ مكانة فأرجع ذلك إلى كبراء ووجهاء وطّد معهم علاقاتِه.

أيها السادة! كم مرةً نسمع أشخاصًا ينسبون ما بهم من نعمة إلى أنفسهم أو إلى غيرهم، وينسون المنعم والمتفضل الأعظم عليهم، وهو الله جلّ جلاله، قال تعالى: {(وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)} ، قال ابن كثير: “مَا بِالْعَبْدِ مِنْ رِزْقٍ وَنِعْمَةٍ وعافية ونصر فمن فضله سبحانه عَلَيْهِ وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِ“، وقال ابن القيم: “فليحذر كل الحذر من طغيان: (أنا) و (لي) و (عندي)، فإن هذه الألفاظ الثلاثة ابتلي فيها إبليس، وفرعون، وقارون: فـ {(أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ)} لإبليس، و { (لِي مُلْكُ مِصْرَ)} لفرعون، و {(إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي)} لقارون“.

فالله جل جلاله يختبر عباده بالنعم لتمحيصهم، فقد حكى الله تَعَالَى عَن نبيه سُلَيْمَان عليه السلام لما رأى عرش بلقيس عِنْده قوله: {(هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أم أكفر)} .

وفي نسبة النِّعم إلى غير الله تعالى، جحودٌ لكرم المنعم سبحانه! الذي لا ينقطع، وفواتٌ للزيادة من النعم، بل وتعرضٌ لمقت الله وغضبه؛ فقد قال تعالى: { (لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)} . وفي ذلك أيضاً الجزع والحزن عند جفاء أو موت من يظن أنه هو المنعم عليه من البشر. إضافة إلى أن فيه تعلّقًا بالمخلوقين لطلب النفع ودفع الضر، وما قد يتطلبه ذلك من تذلل لهم، أو طاعتهم في معصية الله تعالى؛ قال الرازي: “وكُلُّ نِعْمَةٍ حَصَلَتْ لِلْإنْسانِ فَهي مِنَ اللَّهِ تَعالى لِقَوْلِه: (وما بِكم مِن نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)؛ فَثَبَتَ بِهَذا أنَّ العاقِلَ يَجِبُ عَلَيْهِ ألَّا يَخافَ ولا يَتَّقِيَ أحَدًا إلّا اللَّهَ”.

ولأهمية استشعار النِعم ونسبتها إلى الله تعالى؛ أمر سبحانه أنبياءه بتذكير أقوامهم بنعم الله عليهم، كما ذكّر سبحانه عباده في مواضع كثيرة من القرآن بنعمه عليهم، بل الأعجب أنه تعالى ذكّر حتى أنبياءه -الذين لا يغفلون عن عبادته- بنعمه عليهم؛ فقال لموسى: {(وَلَقَدۡ مَنَنَّا عَلَیۡكَ مَرَّةً أُخۡرَىٰۤ، إِذۡ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَىٰۤ أُمِّكَ مَا یُوحَىٰۤ} )، وقال لعيسى: {(إِذۡ قَالَ ٱللَّهُ یَـٰعِیسَى ٱبۡنَ مَرۡیَمَ ٱذۡكُرۡ نِعۡمَتِی عَلَیۡكَ وَعَلَىٰ و⁠لِدَتِكَ إِذۡ أَیَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِ)،} وقال لصفيه محمد صلى الله عليه وسلم: {(أَلَمۡ یَجِدۡكَ یَتِیما فَـَٔاوَىٰ، وَوَجَدَكَ ضَاۤلّا فَهَدَىٰ، وَوَجَدَكَ عَاۤئلا فَأَغۡنَى)} .

ولأجل أن يتذكر المسلم دائماً المنعم الأكبر سبحانه؛ شرع الله تعالى ذِكراً يقال عند كل صباح ومساء، وهو قول: (اللَّهُمَّ ما أصبح/أمسَى بي مِن نِعمَةٍ أو بِأحَدٍ مِن خَلقِكَ فَمِنكَ وَحدَكَ لا شَريكَ لَكَ فَلَكَ الحَمدُ وَلَكَ الشُّكرُ) رواه أبوداود.

فما أجمل أن نُذكِّر أنفسنا ومن حولنا من أهلٍ وغيرهم -في كل حين- بالمنعم الأعظم سبحانه؛ حتى تطمئن النفوس، وتزداد النعم، وتتحرر الإرادة، وترتفع الجباه.

كتبه / منصور بن محمد المقرن


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

حديث عجيب – محمد بن علي بن جميل المطري

حديث عجيب فيه أن المسلمين إذا لم يجاهدوا الكفار جعل الله بأسهم بينهم!! حديث عجيب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *