معاني الظن في القرآن الكريم

من معاني الظن في القرآن الكريم: العلم، واليقين. ولذلك جعل الإسلام طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، لما له من أهمية واعتبار في معرفة المنطلقات والثوابت، وتحديد الأهداف والغايات، وتأصيل المنهج الشرعي لمعرفة الحق واتباعه.

من معاني الظن في القرآن الكريم: العلم، واليقين. ولذلك جعل الإسلام طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، لما له من أهمية واعتبار في معرفة المنطلقات والثوابت، وتحديد الأهداف والغايات، وتأصيل المنهج الشرعي لمعرفة الحق واتباعه.

فلابد من العلم قبل العمل؛ لأن العلم هو الميزان الذي توزن به الأقوال والأعمال. وهذه قاعدة أساسية في منهج السلف يكررها علماء هذا المنهج ويؤكدونها، وتجدها عنوانا بارزا في صحيح البخاري: باب العلم قبل العمل.
والعلم هو المصباح الكاشف للطريق، إذ يعين على كشف الشبهات، وبيان الغي من الرشد، والحق من الباطل. وبه يأمن العالم الوقوع في الزلة والفتنة وتفريق الدين. ذلك أن الجهل بالشرع ومقاصده أحد الأسباب الكبيرة التي تؤدي إلى الفتن وغوائلها.

والمقصود هاهنا بالعلم هو العلم بدين الله تعالى وحدوده وأحكامه كما جاءت في كتاب الله تعالى وأحاديث الرسول ﷺ الصحيحة بفهم السلف الصالح أهل القرون الأولى المفضلة، وليس المبتدعة المناطقة الفلاسفة المحكمة لآرائهم وعقولهم.

والعلم الذي ينفع صاحبه ويقيه به الله عزوجل غوائل الفتن ليس بكثرة الرواية والحفظ فحسب، وإنما هو الفقه بالأدلة ومقاصد الشريعة، ومعرفة خير الخيرين وشر الشرين، والتريث في الحكم على الشيء حتى يتم تصوره من جميع جوانبه. فالعلم بالشرع هو الذي يورث صاحبه الميزان الصحيح الذي توزن به الرايات والطوائف، وتحديد المواقف منها ولاء أو براء. والمراد بهذا الميزان ميزان أهل السنة والجماعة الذي هو العدل والوسط بين الغلو والجفاء، والإفراط والتفريط.

أما اليقين فهو درجة عليا من درجات الإيمان، وهو بهذا المعنى نظير الإحسان الوارد في حديث جبريل عليه السلام، لكن الإحسان في عمل الجوارح، واليقين في عمل القلب.
وإذا أضيف إلى اليقين الصبر، وصل من تحلَّى بهما إلى منزلة السؤدد والإمامة في الدين، كما قال تعالى: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون} [السجدة: 24].

وقد بلغ موسى عليه السلام قمة اليقين عندما رأى أصحابه فرعون وجنوده وهم قريبون منهم لاستئصالهم؛ فالبحر أمامهم والعدو خلفهم: {فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون * قال كلا إن معي ربي سيهدين}  [الشعراء:61-62]. فقال كلمة اليقين بقلب واثق مستيقن بوعد الله تعالى ومعيته ونصره، فأنجزه الله عزوجل وعده وأنقذه من عدوه الذي كان مصيره هو وجحافله المدججة بالسلاح الغرق في البحر.

وقد بلغ رسول الله ﷺ ذروة اليقين، ليس فيما أخبر الله عزوجل به من أمور الدين والإيمان فحسب، بل في كل خبر ووعد، حتى إنه عليه الصلاة والسلام كان موقنا بأن الله تبارك وتعالى سينصره ويظهره على العالمين، وهو ما يزال وأصحابه في أقسى مواقف الاضطهاد والتشريد والأذى في مكة حين قال لخباب: «ولَيُتِمَّنَّ الله تبارك وتعالى هذا الأمر حتى يسير الراكب ما بين صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه…».

ويحكي عدي بن حاتم في قصة قدومه على رسول الله ﷺ وإسلامه أن النبي عليه الصلاة والسلام حدثه فقال له: «أما إني أعلم الذي يمنعك من الإسلام، تقول: اتبعه ضعفة الناس، ومن لا قوة لهم وقد رمتهم العرب، أتعرف الحيرة؟» قال عدي: لم أرها وقد سمعت بها، قال عليه الصلاة والسلام: «فوالذي نفسي بيده لَيُتِمَّنَّ  الله هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد، ولتفتحن كنوز كسرى بن هرمز»، قال عدي: قلت: كسرى بن هرمز؟! قال صلوات الله عليه: «نعم كسرى بن هرمز، وليبذلن المال حتى لا يقبله أحد».
 
ومن معاني الظن في القرآن الكريم: الشك، والخرص بغير برهان، وخواطر النفس الكاذبة. فقد ذم القرآن الكريم أهل التخرص والشك، القائلين على الله تعالى بغير علم، الذين يتهمون الله تعالى في حكمه، ويحسبون أنهم لا يرجعون إليه سبحانه وتعالى ليحاسبهم على ما أسلفوا من الأعمال.
ولذلك نهى الله عزوجل الإنسان عن اتباع ما ليس له به علم، ونهاه عن التعبد بموجب الظن وما تهواه النفس. وأنبأنا جل ذكره في كتابه العزيز أن هذا الظن ليس من الحق في شيء، ونهانا عن التخرص في الدين، وأخبر أنه خلاف الهدى الذي جاءنا منه تبارك وتعالى.

وقد نهى الله جل ثناؤه نبيه ﷺ أن يقفو من ليس له به علم، بل جعل القول عليه بلا علم في منزلة فوق الشرك في قوله تعالى: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} [الأعراف: 33]، حيث ترقى من الأسهل إلى الأشد، فبدأ جل شأنه بالفواحش ثم بالإثم وهو أشد، ثم بالبغي وهو أعظم من الإثم، ثم بالشرك وهو أخطر من البغي، ثم القول على الله تعالى بلا علم.

 

وأكثر الناس ظنا بالله سوءا هم المنافقون والمشركون، فقد استحوذت على قلوبهم خواطر النفس الكاذبة، فلا علم ولا يقين عندهم، وإنما هي مجرد الظنون والأوهام والتخرصات. ولذلك تجدهم يتهمون الله تعالى في حكمه، وأنه لا ينصر دينه، ولا يعلي كلمته، ويعتقدون أن أهل الباطل ستكون لهم الدائرة على أهل الحق. ومقصودهم في كل هذا خذلان المؤمنين وبث الأراجيف والإشاعات بينهم لزعزعة صفهم. ولكن الله عزوجل أدار عليهم ظنهم، وكانت دائرة سوء عليهم في الدنيا قبل عذاب الآخرة.

فعندما حاصر الأحزاب من قريش وغطفان وغيرهم النبي ﷺ وصحبه في المدينة، نجم النفاق، فقال أناس من المنافقين: قد كان محمد يعدنا فتح فارس والروم، وقد حصرنا هاهنا، وأحدنا لا يستطيع أن يخرج يبول من الخوف: {وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا} [الأحزاب: 12].

وكان موقف الأعراب مماثلا لموقف المنافقين؛ فحين دعي أعراب المدينة من جهينة ومزينة للجهاد مع النبي ﷺ، أخذوا يتعللون بالأعذار الواهية وهي معالجة الأموال وإصلاح المعايش والأهل. لكن تخلفهم في واقع الأمر يعود إلى سوء ظنهم.

فقد حسبوا أن رسول الله ﷺ ومن معه من أصحابه سيهلكون، فلا يرجعون إلى المدينة أبدا باستئصال العدو إياهم. وزيّن الشيطان ذلك الظن السيئ في قلوبهم وحسّنه لهم، فتخلفوا عن الجهاد وقعدوا عن صحبة النبي ﷺ، واعتقدوا أن الله عزوجل لن ينصر نبيّه ﷺ وأصحابه المؤمنين على أعدائهم الكفرة، وأن عدوهم سيقهرونهم ويغلبونهم. قال تعالى: {بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا} [الفتح: 12].

وكان سبب ذلك الظن السيئ والخرص والاختلاق أمران: أحدهما: أن هؤلاء الأعراب كانوا قوما هلكى فاسدين لا خير فيهم، استحوذت الدنيا على قلوبهم وأصبحت هي همهم، فلا يرفعون رأسا لأمر الجهاد في سبيل الله تعالى وإعلاء كلمته وكبت أعدائه. ثانيهما: ضعف إيمانهم وعلمهم ويقينهم بوعد الله تعالى، ونصر دينه وشريعته.


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

أقسام التوكل – محمد بن صالح العثيمين

منذ حوالي ساعة التوكل ينقسم إلى ثلاثة أقسام:الأول: توكل عبادة وخضوع، وهو الاعتماد المطلق على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *