حكم من لم يؤمن بالكتب السماوية – خالد عبد المنعم الرفاعي

منذ حوالي ساعة

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فمن المقرر عند أهل السنة والجماعة أن الإسلام يتناول من أظهر الإسلام مع التصديق المجمل في الباطن، ولا يقتصر اسم المسلم على من أتى بالإسلام الواجب وما يلزمه من الإيمان الواجب، على الرغم من صاحبه قد ترك من حقائق الإيمان الواجبة علمًا وعملاً بالقلب، وهو ما يسمى بالإيمان المجمل، أو أصل الإيمان، أو مطلق الإيمان، وهو قول القلب واعتقاده، وهو الحد الأدنى من الإيمان الذي ينجي صاحبه من الكفر، وينجيه من الخلود في النار، ويدخله في زمرة الإيمان.

ومعلوم أن الإيمان يتفاضل، ومن المعلوم أن أكثر العامة وبعض الخاصة لا يعرفون تفاصيل شعب الإيمان، وهم مسلمين بغير خلاف؛ وذلك لأن الإيمان الواجب يتنوع وليس شيئًا واحداً في حق جميع الناس، فتأمل ذلك؛ فوجود التفاوت بين الناس في العلم والإيمان وغيرهما أمر ضروري لا بد منه؛ لتفاوت إرادتهم وأفهامهم وقوى إدراكهم، فإنه أمر لا بد منه في النشأة الإنسانية.

فمن صدّق برسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعلم كثيرًا مما جاء به، فإنه يكون مؤمنًا بشرط أنه إذا بلغه شيء مما كان يجهله آمن به، فلو كذّب به، لم يكن مؤمنًا بإجماع المسلمين،

.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في “مجموع الفتاوى” (7/ 271_272): “وكل مؤمن لا بد أن يكون مسلمًا؛ فإن الإيمان يستلزم الأعمال، وليس كل مسلم مؤمنًا، هذا الإيمان المطلق؛ لأن الاستسلام لله والعمل له لا يتوقف على هذا الإيمان الخاص، وهذا الفرق يجده الإنسان من نفسه ويعرفه من غيره، فعامة الناس إذا أسلموا بعد كفر، أو ولدوا على الإسلام والتزموا شرائعه وكانوا من أهل الطاعة لله ورسوله= فهم مسلمون ومعهم إيمان مجمل، ولكن دخول حقيقة الإيمان إلى قلوبهم إنما يحصل شيئًا فشيئًا إن أعطاهم الله ذلك، وإلا فكثير من الناس لا يَصِلُون لا إلى اليقين ولا إلى الجهاد، ولو شككوا لشكوا، ولو أمروا بالجهاد لما جاهدوا، وليسوا كفارًا ولا منافقين، بل ليس عندهم من علم القلب ومعرفته ويقينه ما يدرأ الريب، ولا عندهم من قوة الحب لله ولرسوله ما يقدمونه على الأهل والمال، وهؤلاء إن عرفوا من المحنة وماتوا دخلوا الجنة. وإن ابتلوا بمن يورد عليهم شبهات توجب ريبهم، فإن لم ينعم الله عليهم بما يزيل الريب، وإلا صاروا مرتابين وانتقلوا إلى نوع من النفاق“. اهـ.

وقال أيضًا – في معرض رده على فرق المرجئة – “الإيمان”(ص: 156، 187): “وهؤلاء -يعني المرجئة-غلطوا من وجوه:

أحدها: ظنهم أن الإيمان الذي فرضه الله على العباد متماثل في حق العباد، وأن الإيمان الذي يجب على شخص يجب مثله على كل شخص، وليس الأمر كذلك؛ فإن أَتباع الأنبياء المتقدمين أوجب الله عليهم من الإيمان ما لم يوجبه على أمة محمد، وأوجب على أمة محمد من الإيمان ما لم يوجبه على غيرهم، والإيمانُ الذي كان يجب قبل نزول جميع القرآن، ليس هو مثل الإيمان الذي يجب بعد نزول القرآن، والإيمانُ الذي يجب على من عرف ما أخبر به الرسول مفصلاً ليس مثل الإيمان الذي يجب على من عرف ما أخبر به مجملاً؛ فإنه لابد في الإيمان من تصديق الرسول في كل ما أخبر، لكن من صدق الرسول ومات عقب ذلك لم يجب عليه من الإيمان غير ذلك. وأما من بَلَغَه القرآن والأحاديث وما فيهما من الأخبار والأوامر المفصلة، فيجب عليه من التصديق المفصل بخبر خبر، وأمر أمر ما لا يجب على من لم يجب عليه إلا الإيمان المجمل؛ لموته قبل أن يبلغه شيء آخر.

وأيضاً: لو قدّر أنه عاش، فلا يجب على كل واحد من العامة أن يعرف كل ما أمر به الرسول، وكل ما نهى عنه، وكل ما أخبر به، بل إنما عليه أن يعرف ما يجب عليه هو، وما يحرم عليه، فمن لا مال له لا يجب عليه أن يعرف أمره المفصل في الزكاة، ومن لا استطاعة له على الحج ليس عليه أن يعرف أمره المفصل بالمناسك، ومن لم يتزوج ليس عليه أن يعرف ما وجب للزوجة، فصار يجب من الإيمان تصديقاً وعملاً على أشخاص ما لا يجب على آخرين…

إلى أن قال: الوجه الثامن: أن الإنسان قد يكون مكذبًا ومنكراً لأمور لا يعلم أن الرسول أخبر بها، وأمر بها، ولو علم ذلك لم يُكذب ولم يُنكر، بل قلبه جازم بأنه لا يخبر إلا بصدق ولا يأمر إلا بحق، ثم يسمع الآية أو الحديث، أو يتدبر ذلك، أو يُفَسّر له معناه، أو يَظهر له ذلك بوجه من الوجوه، فيصدق بما كان مكذبًا به، ويعرف ما كان منكراً، وهذا تصديق جديد، وإيمان جديد= ازداد به إيمانه، ولم يكن قبل ذلك كافراً بل جاهلاً، وهذا وإن أشبه المجمل والمفصل لكون قلبه سليمًا عن تكذيب وتصديق لشيء من التفاصيل، وعن معرفة وإنكار لشيء من ذلك، فيأتيه التفصيل بعد الإجمال على قلب ساذج، وأما كثير من الناس، بل من أهل العلوم والعبادات، فيقوم بقلوبهم من التفصيل أمور كثيرة تخالف ما جاء به الرسول وهم لا يعرفون أنها تخالف، فإذا عرفوا رجعوا فمن علم ما جاء به الرسول وعمل به أكمل ممن أخطأ ذلك؛ ومن علم الصواب بعد الخطأ وعمل به فهو أكمل ممن لم يكن كذلك”. اهـ.

وقال ابن أبي العز الحنفي في “شرح الطحاوية” (1/7- 8): “(وجوب الإيمان المجمل على كل أحد):

ولا ريب أنه يجب على كل أحد أن يؤمن بما جاء به الرسول إيمانًا عامًا مجملاً، ولا ريب أن معرفة ما جاء به الرسول على التفصيل فرض على الكفاية؛ فإن ذلك داخل في تبليغ ما بعث الله به رسوله، وداخل في تدبر القرآن وعقلِه وفَهمه، وعلم الكتاب والحكمة، وحفظ الذكر، والدعاء إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعاء إلى سبيل الرب بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، ونحو ذلك مما أوجبه الله على المؤمنين، فهو واجب على الكفاية منهم.

وأما ما يجب على أعيانهم: فهذا يتنوع بتنوع قُدرهم وحاجتهم ومعرفتهم، وما أمر به أعيانهم، ولا يجب على العاجز عن سماع بعض العلم أو عن فهم دقيقه ما يجب على القادر على ذلك.

ويجب على من سمع النصوص وفهمها مِن علم التفصيل ما لا يجب على من لم يسمعها، ويجب على المفتي والمحدث والحاكم ما لا يجب على من ليس كذلك”. اهـ.

إذا تقرر هذا علم أن من أتى بالإيمان المجمل وهو الإيمان المطلق فإنه ناجٍ في الآخرة، فمن آمن أن لله رسلا بعثهم لهداية الخلق دون معرفة أعيانهم فهو مؤمن، وكذلك من آمن أن الله خلق ملائكة دون معرفة أشخاصهم، وكذلك الإيمان بأن الله أنزل كتبًا على رسله مجملاً ولم يعرف منها إلا القرآن فهو مؤمن أيضًا، بخلاف من لم يؤمن بكتب الله رأسًا فهذا لا يكون مؤمنًا؛ لأنه لا عذر لأحد في عدم الإقرار المجمل بالإسلام، وأركان الإيمان، والبراءة المجملة من كل دين يخالف دين الإسلام، فكل من لم يدن بدين الإسلام فيفرد الله وحده تبارك وتعالى بالعبادة والطاعة، فهو كافر،، والله أعلم.


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

كثرة الحلف والحنث – خالد عبد المنعم الرفاعي

منذ حوالي ساعة السؤال: أنا عصبية دائما أحلف فأنا في أشياء متذكرة وقليلة ولكني متيقنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *