فحتى ننال هذه الثمرات، علينا الحرص على البيئة الصالحة التي تُعيننا على فعل الخيرات والمداومة عليها، وقد وصَّى اللهُ رسولَه صلى الله عليه وسلم بالصبر على الرفقة الصالحة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد:
فأوصيكم – أيها المؤمنون – ونفسي بتقوى الله؛ فهي العصمة من البلايا، والمَنعة من الرزايا؛ {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 2، 3].
يا عباد الله، العمل الصالح هو كل عمل أو قول يرضاه الله سبحانه من عباده؛ جاء عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: ((سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: «أدومها وإن قلَّ»، وقال صلى الله عليه وسلم: «اكلفوا من الأعمال ما تُطيقون»؛ (رواه البخاري)، وقال تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج: 19 – 23].
ويُشترط – يا عباد الله – لصحة العمل الصالح أمران؛ الأول: أن يكون العمل موافقًا لِما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كما قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 7]، والثاني: أن يكون العبد مخلصًا لله سبحانه وتعالى في عمله؛ كما قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5].
أيها المسلمون، نحن في هذه الدنيا سائرون إلى الله سبحانه، فكل يوم يمر علينا يقربنا إلى الآخرة، ويبعدنا عن الدنيا؛ لذا علينا أن نلزم الطريق المستقيم، وأن نحرص على الأعمال الصالحة؛ حتى نكون مع الأنبياء والصديقين، والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا؛ قيل للحسن البصري رحمه الله: سبقنا القوم على خيل دُهم، ونحن على حُمر معقرة؟ فقال: “إن كنتُ على طريقهم، فما أسرع اللحاق بهم!”؛ (من كتاب الفوائد لابن القيم)، وقال تعالى مخاطبًا نبيه صلى الله عليه وسلم: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]، وقال سبحانه على لسان نبيه عيسى: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 31].
يا عباد الله، وللمداومة على الأعمال الصالحة ثمرات كثيرة؛ منها:
أولًا: نيل محبة الله سبحانه: جاء في الحديث القدسي: «وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أُحبه، فإذا أحببتُه، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنه»؛ (رواه البخاري).
ثانيًا: سبب لتكفير الذنوب والخطايا: جاء في صحيح البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((إن رجلًا أصاب من امرأة قُبلةً، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره فأنزل الله عز وجل: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]، فقال الرجل: يا رسول الله، ألي هذا؟ قال: «لجميع أمتي كلهم».
ثالثًا: الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم: عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمِل عملًا أثبته))؛ أي: داوم عليه؛ (رواه مسلم).
رابعًا: البعد عن الغفلة: قال تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف: 205]، وقال صلى الله عليه وسلم: «من قام بعشر آيات لم يُكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كُتب من القانتين، ومن قام بألف آية كُتب من المقنطرين»؛ (رواه أبو داود).
خامسًا: أنها تجبر النقص الحاصل من الفرائض: كما قال صلى الله عليه وسلم: «إن أول ما يُحاسَب به العبد يوم القيامة من عمله صلاتُه، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيئًا، قال الرب تبارك وتعالى: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك»؛ (رواه الترمذي).
سادسًا: سبب للنجاة من الشدائد والمحن: كما قال تعالى عن يونس عليه السلام: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ} [الصافات: 143 – 145].
سابعًا: أنها تجعل الأعمال الصالحة سهلةً وميسرة على أصحابها: قال سبحانه: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا} [مريم: 76].
ثامنًا: أن الأجر يثبت عند العجز عنه، سواء بمرض أو سفر أو غيره: قال صلى الله عليه وسلم: «إذا مرِض العبد، أو سافر، كُتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا»؛ (رواه البخاري).
تاسعًا: أنها سبب لدخول الجنة: قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 133، 134].
فحتى ننال هذه الثمرات، علينا الحرص على البيئة الصالحة التي تُعيننا على فعل الخيرات والمداومة عليها، وقد وصَّى اللهُ رسولَه صلى الله عليه وسلم بالصبر على الرفقة الصالحة؛ بقوله: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28]، وكذا الحرص على الدعاء الصالح بأن يُعيننا ويوفقنا، ويبارك لنا في أعمارنا وأوقاتنا، وأعمالنا وذرياتنا.
هذا، وصلُّوا وسلِّموا – عباد الله – على نبيكم؛ استجابة لأمر ربكم: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلم على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.
__________________________________________________
الكاتب: عدنان بن سلمان الدريويش
المصدر: الألوكة
Source link