فإن طلب العلم له سبل مأمونة توصل للمقصود، ومن استقام على الجادة وصل بإذن الله المعبود، ومن قفز خطوة أو درجة لم يأمن العثار بل والسقوط والانكسار.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فإن طلب العلم له سبل مأمونة توصل للمقصود، ومن استقام على الجادة وصل بإذن الله المعبود، ومن قفز خطوة أو درجة لم يأمن العثار بل والسقوط والانكسار.
وهذه المراحل هي:
١- مرحلة ما قبل الدرس: وتتمثل في التحضير والإعداد.
قال ابن بدران في المدخل إلى مذهب الإمام أحمد (ص٤٨٩-٤٩٠): ” أننا كنا نأتي إلى المتن أولا فنأخذ منه جملة كافية للدرس، ثم نشتغل بحل تلك الجملة من غير نظر إلى شرحها، ونزاولها حتى نظن أننا فهمنا، ثم نقبل على الشرح فنطالعه المطالعة الأولى امتحانا لفهمنا، فإن وجدنا فيما فهمناه غلطا صححناه، ثم أقبلنا على تفهم الشرح على نمط ما فعلناه في المتن، ثم إذا ظننا أننا فهمناه راجعنا حاشيته إن كان له حاشية مراجعة امتحان لفكرنا، فإذا علمنا أننا فهمنا الدرس تركنا الكتاب واشتغلنا بتصوير مسألة في ذهننا فحفظناه حفظ فهم وتصور لا حفظ تراكيب وألفاظ، ثم نجتهد على أداء معناه بعبارات من عندنا غير ملتزمين تراكيب المؤلف، ثم نذهب إلى الأستاذ للقراءة وهنالك نمتحن فكرنا في حل الدرس ونقوم ما عساه أن يكون به من اعوجاج ونوفر الهمة على ما يورده الأستاذ مما هو زائد على المتن والشرح، وكنا نرى أن من قرأ كتابا واحدا من فن على هذه الطريقة سهل عليه جميع كتب هذا الفن مختصراتها ومطولاتها وثبتت قواعده في ذهنه “.
٢- مرحلة الدرس: وتتمثل في حسن الاستماع والإنصات والتركيز مع الأستاذ. وهكذا كانت مجالس السلف لذلك حصلوا العلم والفهم.
أخرج الخطيب البغدادي في الجامع (٣٢٤) عن أحمد بن سنان القطان، قال : ” كان عبد الرحمن بن مهدي لا يُتحدث في مجلسه، ولا يُبرى فيه قلم، ولا يبتسم أحد، فإن تحدث أو برى قلما، صاح ولبس نعليه ودخل . وكذا يفعل ابن نمير . وكان من أشد الناس في هذا . وكان وكيع أيضا في مجلسه كأنهم في صلاة، فإن أنكر من أمرهم شيئا انتعل ودخل . وكان ابن نمير يغضب ويصيح، وكان إذا رأى من يبري قلما تغير وجهه ” .
٣- مرحلة ما بعد الدرس وتتمثل في المذاكرة مع النفس، والمدارسة مع الأقران، والتلخيص، وحفظ المهم.
قال السخاوي ف يفتح المغيث (٣ /٣١٥-٣١٦) : “فالمذاكرة تعينك على ثبوت المحفوظ، وهي من أقوى أسباب الانتفاع به.
والأصل فيها معارضة جبريل مع النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في كل رمضان…..وقال علي: (تذاكروا هذا الحديث، إن لا تفعلوا يدرس)، وقال ابن مسعود: (تذاكروا الحديث ; فإن حياته مذاكرته)، ونحوه عن أبي سعيد الخدري وابن عباس. وقال الخليل بن أحمد: ذاكر بعلمك تذكر ما عندك، وتستفيد ما ليس عندك. وقال عبد الله بن المعتز: من أكثر مذاكرة العلماء لم ينس ما علم، واستفاد ما لم يعلم.
وقال إبراهيم النخعي: من سره أن يحفظ الحديث فليحدث به، ولو أن يحدث به من لا يشتهيه. وقد كان إسماعيل بن رجاء يجمع صبيان الكتاب، ويحدثهم كي لا ينسى حديثه…وقيل أيضا: حفظ سطرين خير من كتابة وِقرين، وخير منهما مذاكرة اثنين.
ولبعضهم:
من حاز العلم وذاكره … صلحت دنياه وآخرته
فأدم للعلم مذاكــــرة … فحياة العلم مذاكرتـه”.
فلا بد إذن من الجمع بين الإعداد والتحضير، والتركيز مع الأستاذ، والمراجعة بعد الدرس.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
________________________
كتبه: أحسن موسي
Source link