التقاطع طريق الشقاق! – فيصل بن علي البعداني

فيا دعاةَ الحق وطلابَ العلم، تواصَلوا، تعارَفوا، تلطّفوا، ترفّقوا، واقتربوا من بعضكم، فإنّ القُرب يُورِث المحبّة، والمجالسةُ تفتح القلوب، والتباعدُ لا يُنتج إلا الجفاء.

كنتُ في جلسةٍ مع بعض الدعاة نتبادل فيها الحديث حول الدعوة وأحوال الدعاة، فجاء على الطريق ذِكرُ أحد طلاب العلم، فقال أحدهم بلهجةٍ حازمة: أما أنا فلا أحبه!
فسألته مستغربًا: ولِمَ ذاك؟
قال: لقد شذّ في مسألة كذا، وخالف ما عليه الدليلُ البيّنُ في كذا.
فقلت له بهدوء: وهل هذا كل ما تعرفه عنه؟
فقال: نعم، هذا فقط ما أعرفه عنه.

فقلت له: اسمح لي إذًا أن أحدّثك عنه، فأنا أعرفه عن قرب. فالرجل أيضًا صاحبُ قرآنٍ يتلوه آناء الليل وأطراف النهار، ولا يكاد ينهي ختمةً إلا ويبدأ بأخرى، لسانُه رطبٌ بذكر الله، وقلبُه معلّقٌ بالمساجد. وهو صاحبُ غيرةٍ على دين الله، يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، لا تأخذه في الله لومةُ لائم.
ثم هو من أطيب الناس خلقًا، هاشٌّ باشٌّ، ليّنُ العريكة، حسنُ العِشرة، كريمُ النفس واليد، يتفقّد المحتاجين، ويسعى في تفريج الكرب، ويغتبط لفرح إخوانه إذا أصابوا خيرًا أو فتح الله لهم بابَ نفعٍ للناس، من أيّ فريقٍ كانوا، يدور مع الحق حيث دار، دون تعصّبٍ منه لأحدٍ من الناس.
وفوق ذلك كله، هو داعيةٌ نشِط، يبذل جهدَه في نشر العلم والدعوة إلى الله بكل سبيل.

ثم قلت له: فقل لي بربك، هل مثلُ هذا الرجل يُبغَض ويُجفَى لمجرّد أنه شذَّ في مسألة كذا، أو انفرد برأيٍ لم يُصب فيه الدليلَ في مسألةٍ كذا؟
فقال: اللهم لا.

فقلت: فإذن، لعلّنا نحن من ظلمناه حين حصرنا صورتَه في زلّةٍ أو مخالفة، ونسينا بحرَ حسناته وكثيرَ بذله.
وأعتقد يا صاحبي أنّ الدعاة لو تعرّفوا على بعضهم عن قرب، لذاب كثيرٌ من الجفاء بينهم وسوءِ الظنّ؛ فإن من أعظم أسباب التباغض والتفرّق بين أهل الصدق كامنٌ في قلّة التواصل، وترك الزيارة والمجالسة، وانقطاع الحوار، وترك المخالطة والسماع المباشر. فالشيطان لا يفتأ ينفخ في مسامعهم حتى يُباعد بينهم، فيقول: لقد زلّ، ويُزيّن لكلّ طرفٍ سوءَ ظنّه بأخيه، حتى يُفسد ذاتَ البين ويقطع حبالَ المودّة.

ولو أنّهم تزاوروا، وتحاوروا، وجلس بعضُهم إلى بعضٍ بنيّةٍ صادقةٍ وقصدٍ حسن، لاكتشفوا أنّ بينهم من المشتركات أكثرَ ممّا يظنّون، وأنّ ما يُفرّقهم غالبُه يعود إلى ظلالِ سوء فهمٍ أو أثرٍ من كِبرٍ خفيٍّ، لا يكاد يصمد أمام لحظةِ صدقٍ ومصافحةِ ودّ.

فيا دعاةَ الحق وطلابَ العلم، تواصَلوا، تعارَفوا، تلطّفوا، ترفّقوا، واقتربوا من بعضكم، فإنّ القُرب يُورِث المحبّة، والمجالسةُ تفتح القلوب، والتباعدُ لا يُنتج إلا الجفاء.
ومن يدري؟ لعلَّ الذي تظنّه بعيدًا عنك اليوم، هو أقربُ الناس إليك غدًا متى عرفتَه عن قرب.

فهل وعيتَ يا أخي خطورةَ التباعدِ الواقع بين كثيرٍ من دعاة اليوم؟
والله الهادي.


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

أكسب كل يوم ألف حسنة

منذ حوالي ساعة قال ﷺ: ‏«أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة»؟، فسأله سائل: …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *