بدعوى أن الاسلام ليس فيه كهنوت، وكون أن الاسلام ليس فيه كهنوت لا يعني أنه ليس هناك تخصص علمي في الإسلام، فالإسلام يجعل القول الفصل للفقهاء في شئون الدين وأهل العلم في كل علم
كل علم له منهجه وأدواته ومتخصصوه فأنت لا تذهب لـ(سباك) كي يشخص لك مرضك ويكتب لك علاج ولا تذهب لطبيب كي يبني لك عمارة، التخصص يجب أن نحترمه ولا خلاف بين العقلاء على هذا، لكن البعض يجعل الإسلام (ملطشة) للجميع فيبيحون لكل من هب و دب أن يفتي في الإسلام بدون علم ولا تخصص ولا موضوعية، وذلك بدعوى أن الاسلام ليس فيه كهنوت، وكون أن الاسلام ليس فيه كهنوت لا يعني أنه ليس هناك تخصص علمي في الإسلام، فالإسلام يجعل القول الفصل للفقهاء في شئون الدين وأهل العلم في كل علم قال تعالى: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر ألو الألباب} سورة الزمر من الآية 9.
والقرآن نبه على التخصص كثيرا مثل قوله سبحانه و تعالى: {{فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}} [سورة التوبة آية 122] . وقوله عز و جل: {{وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} } [سورة النساء آية 83] .
وقال الله تعالى أيضا: {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} } [سورة النساء آية 59] .
وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية: “وهذا أمر من الله، عز وجل، بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة، كما قال تعالى: {{وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله}} [ الشورى : 10 ] فما حكم به كتاب الله وسنة رسوله وشهدا له بالصحة فهو الحق، وماذا بعد الحق إلا الضلال، ولهذا قال تعالى: {{إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر}} أي: ردوا الخصومات والجهالات إلى كتاب الله وسنة رسوله، فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم {إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر}”.أ.هـ.
ونبه القرآن على وجوب العلم قبل القول والعمل حتى في أصل الدين نفسه فقال سبحانه وتعالى: {{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ}} [سورة محمد آية 19] .
وقال القرطبي في تفسير هذه الآية: “عن سفيان بن عيينة أنه سئل عن فضل العلم فقال: ألم تسمع قوله حين بدأ به فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك فأمر بالعمل بعد العلم وقال: {اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو} إلى قوله {{سابقوا إلى مغفرة من ربكم}} وقال: {{واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة}} ثم قال بعد: {{فاحذروهم}} وقال تعالى: {{واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه}} ثم أمر بالعمل بعد”.أ.هـ.
وخلاصة كلام العلامة سفيان بن عيينة رحمه الله هو أن الله أمر في كل هذه الآيات بالعلم ثم رتب بعده العمل، فالعلم واجب قبل العمل وشرط للعمل.
وهذا كله يدل على عظم واهمية مكانة العلم في الإسلام كما يدل على أنه لا قيمة ولا وزن للكلام والعمل بدون علم، وهذا يضاف إلى الآيات الدالة على وجوب التخصص المذكورة في صدر هذا المقال.
وورد في السنة النبوية التحذير من القول بغير علم واعتباره من أشراط الساعة فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «“إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يترك عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا”» [رواه البخاري ومسلم في صحيحهما] ([1]).
ولذلك رغب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في التفقه في الدين فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «“من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» ” [رواه البخاري ومسلم] ([2])، وقال العلماء إن مفهوم هذا الحديث أن من لم يرد الله به خيرا فإنه لا يتفقه في الدين.
وحذر عقبة بن عامر رضي الله عنه من الذين يتكلمون في الإسلام بمجرد الظن والتوهم فقال: «“تعلموا العلم قبل الظانين”» [رواه البخاري في صحيحه] ([3]).
([1])انظر:عبد الحق الاشبيلي،الجمع بين الصحيحين، ط دار المحقق، الرياض 1999، الطبعة الأولى، حديث رقم 4653.
([2])نفس المصدر حديث رقم 1566.
([3])نفس المصدر ج4 ص575 .
Source link