قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].
قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].
إذًا فمن الواضح أن مفتاح القدوة للبشرية جمعاء هو الرسول صلى الله عليه وسلم، وما جاء به من شرع فيه منهجٌ للعالمين، وليس للمسلمين فقط؛ فهي الرسالة الخاتمة والمهيمنة على كل الأديان وكل الرسالات، وهي هنا تسمى القدوة العامة لكل البشر، ولكنها في نفس الوقت القدوة الأساس لمنطلق بقية القدوات؛ بمعنى أنه كلما زاد الإيمان، زاد نور القلب الذي يوجِّه صاحبه إلى القدوة ممن حوله من الصالحين؛ فالأرواح جنود مجنَّدة؛ كما جاء في الحديث: حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء، حدثنا جعفر يعنب بن يرقان، عن يزيد يعني ابن الأصم، عن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه قال: «أرواح بني آدم جنود مجندة، ما تآلف منها تعارف، وما تناكر منها اختلف»[1]، كما يقود هذا النور الإيماني إلى أنواع القدوة الأخرى من إعلام ومؤسسات؛ إلخ.
من هنا نكون قد وقفنا على أثر القدوة العامة والقدوة الخاصة، ولكن بقي لنا أن نذكر أنواع وأثر القدوة من حيث هيكلة العمل في الإسلام للفرد المسلم وحياته، ذلك أن الدين الإسلاميَّ وضع لنا منهاجًا للعمل بمقتضاه، وهو ذلك المنهاج الذي يتدرج على مستوى الرسالة العالمية من الفرد إلى الجماعة إلى الأمة ككل، فكيف يكون تقسيم القدوة على هذه الهيكلة؟
تنقسم القدوة هنا إلى:
1- القدوة على مستوى الفرد.
2- القدوة على مستوى الجماعة.
3- القدوة على مستوى الدولة.
4- القدوة على مستوى البلد المسلم الواحد.
5- القدوة على مستوى العالم الإسلامي أو الأمة الإسلامية.
• أما القدوة على مستوى الفرد؛ فالإيمان علىمستوى الفرد هو القائد لها، والقدوة كما أوضحنا سابقًا.
• أما القدوة على مستوى الجماعة، فعلى الجماعة أن تقتدي بجماعة الصحابة ومعهم الرسول صلى الله عليه وسلم، كيف كانوا يعملون؟ كيف كانوا يحلون مشاكلهم واختلاف الرأي بينهم؟ كيف يقيمون جماعة مؤسسة لدولة إسلامية قدوة؟ وهو ما يعرف بالإيمان علىمستوى الجماعة؛ حيث يشير القرآن في كثير من آياته إلى مخاطبة الإيمان على مستوى الجماعة ممثَّلًا في جملة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 104].
• أما القدوة على مستوى الدولة، فهي تنطلق من الجماعة السابق الحديث عنها؛ لأنه لا دولة بلا جماعة، ولا جماعة بلا أفراد؛ لذلك قلنا: إنه نظام الهيكلة في العمل الإسلامي؛ وعليه فإن أول ملامح القدوة في الدولة المسلمة صلاح جماعتها الحاكمة وإيمان أفرادها، فبهم تنتظم الدولة القدوة التي يقتدي بها كل العالم الإسلامي، بل تكون هي القائد والقدوة للتمكين في المستقبل للتحول إلى الأمة القدوة إن شاء الله، كما أن من أهم ملامح هذه الدولة القدوة دستورها الإسلامي وشعاراتها الإسلامية التي ترفعها، رغم الكل، وأمام الكل دون خوف أو تردد، وهو ما يقابَل في الدين الهيمنة والإظهار؛ قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33]، مما يكسب شعبها القوة في الأخذ بهذا الدين، فتكون الجماعة الحاكمة للبلد القدوة أو الدولة القدوة هي جماعة قدوة للشعب وقدوة للرعية، وهو ما يُعرف بالإيمان علىمستوى الدولة.
أما القدوة على مستوى الأمة فهو في توحيد الأمة؛ قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، وهو وعد الله في المستقبل القريب إن شاء الله بمجيء التمكين؛ قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55].
هذا باختصار أنواع القدوة على أساس العمل في الإسلام على ضوء الرسالة العالمية للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا في مجمله ما يُعرف بالاتباع الإيماني؛ فالقدوة والاتباع متلازمان، ومن أهم مميزات الاتباع الإيماني ما يلي:
• إنه اتباع جوارحي لقلبٍ قدوةٍ؛ أي قلب أصبح قدوة لجوارح صاحبه.
• هو فكر تخطَّى مرحلة الإيمان على مستوى الفرد إلى الجماعة إلى الأمة؛ أي تحول من الصلاح إلى الإصلاح.
هو اتباع ذاتي القيادة بمعنى قيادة القلب ونوره الإيماني مباشرة للجوارح والعمل في الأرض:
بقيَ التعرف على بعض آليات الوصول إلى القدوة الصحيحة واتباعها باختصار، كما يلي:
1- المؤسسات العامة والخاصة في الدولة للتمهيد لوجود آلية عمل مشتركة؛ لتكون أساسًا لانطلاق القدوة ووصولها إلى كل شرائح المجتمع.
2- الأسرة والعمل على إيجاد وسائل لتدريب الأسر على تربية الأبناء على القدوة الصحيحة، والقيم الدينية والمجتمعية.
3- البيئة وهي كل ما يحيط بالعبد من وسائل وبَشَرٍ، وأجهزة إعلامية وتقنية، ومؤسسات؛ أي: كل ما يحيط بحياة العبد المعيشية والدينية والدنيوية، أينما يذهب يجد القدوة أمامه، ويجد النصح والإرشاد والتقويم؛ قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 104].
وما التوفيق إلا من عند الله.
[1] سنن أبي داود الجزء الرابع، حديث رقم: 4834، ص260.
_________________________________
الكاتب: أ. محاسن إدريس الهادي
Source link