منذ حوالي ساعة
الإيمان بأسمائه الحُسنى وصفاته العُلْيا الواردة في كتابه العزيز، والثَّابتة عن رسوله الأمين، من غير تَحريف ولا تعْطيل ولا تكْييف ولا تَمثيل..
الإيمان بالله لا يتحقَّق إلَّا بالإيمان بالأسماء والصِّفات:
لأنَّ الإيمان بالله يتضمَّن أربعة أمور:
1- الإيمان بوجودِه سبحانَه وتعالى.
2- والإيمان بربوبيَّته.
3- والإيمان بانفرادِه بالألوهيَّة.
4- والإيمان بأسمائه وصفاته[1].
فمِن الإيمان بالله:
الإيمان بأسمائه الحُسنى وصفاته العُلْيا الواردة في كتابه العزيز، والثَّابتة عن رسوله الأمين، من غير تَحريف ولا تعْطيل ولا تكْييف ولا تَمثيل[2].
يقول ابن القيّم (ت 751هـ) رحمه الله: “فإنَّ التَّصديق الحقيقي بـ “لا إله إلَّا الله” يستلْزم التصديق بشُعَبها وفروعها كلها، وجميع أصول الدين وفروعه من شعب هذه الكلمة؛ فلا يكون العبد مصدقًا بها حقيقة التَّصديق، حتَّى يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه، ولا يكون مؤمنًا بالله إلهِ العالمين حتَّى يؤمن بصفات جلاله ونعوت كماله، ولا يكون مؤمنًا بأنَّ الله لا إلهَ إلَّا هو حتَّى يسلب خصائص الإلهيَّة عن كل موجود سواه، ويسلبها عن اعتقاده وإرادته، كما هي منفيَّة في الحقيقة والخارج، ولا يكون مصدِّقًا بها من نفَى الصفات العليا، ولا مَن نفى كلامه وتكليمه، ولا مَن نفى استواءَه على عرشه، وأنَّه يرفع إليه الكلِم الطيّب والعمل الصَّالح، وأنَّه رفع المسيح إليْه، وأسرى برسولِه – صلَّى الله عليه وسلَّم – إليه، وأنَّه يدبِّر الأمر مِن السَّماء إلى الأرض ثمَّ يعرج إليْه، إلى سائر ما وصف به نفسَه ووصفه به رسولُه – صلَّى الله عليه وسلَّم”؛ اهـ[3].
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: 728هـ) رحمه الله:“وما وَصف الرَّسولُ – صلَّى الله عليه وسلَّم – به ربَّه – عزَّ وجلَّ – من الأحاديث الصِّحاح التي تلقَّاها أهل المعرفة بالقبول، وجب الإيمانُ بها كذلك، مثل قولِه – صلَّى الله عليه وسلَّم -: «ينزل ربُّنا إلى السَّماء الدنيا كلَّ ليلة حين يبقى ثلُث الليل الآخر، فيقول: مَن يدعوني فأستجيب له؟ مَن يسألني فأعطيه؟ مَن يستغفرني فأغفر له» ؟[4]، وقوله – صلَّى الله عليْه وسلَّم -: «لَلَّهُ أشدُّ فرحًا بتوبة عبدِه من أحدِكم براحلته» [5]، وقوله – صلَّى الله عليْه وسلَّم -: «يضْحك اللهُ إلى رجُلين يقتُل أحدهُما الآخر كلاهُما يدخل الجنَّة» [6]، وقوله: «عجِب ربُّنا مِن قُنُوط عبادِه، وقُرْبِ غِيَرِهِ، ينظر إليكم أَزِلين قنِطِين فيظلُّ يضحك يعلم أنَّ فرجكم قريب» [7]، إلى أمثال هذه الأحاديث التي يخبر فيها رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – عن ربِّه بما يخبر به.
فإنَّ الفرقة النَّاجية – أهل السُّنَّة والجماعة – يُؤْمنون بذلك كما يؤمنون بِما أخبر الله به في كتابِه العزيز، مِن غير تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ومِن غير تكييفٍ ولا تمثيل، بل هُمُ الوسط في فِرَقِ الأمَّة كما أنَّ الأمة هي الوسط في الأمم، فهم وسط في باب صفات الله – سبحانه وتعالى – بين أهل التَّعطيل الجهميَّة، وأهل التَّمثيل المشبِّهة[8].
وكذلك الإيمان برسولِه لا يتحقَّق إلا بتصديقه فيما أخبر عن ربِّه.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:
يجب على الخَلْق الإقرارُ بما جاء به النَّبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – فما جاء به القرآن العزيز أو السُّنَّة المعلومة وجب على الخلْق الإقرار به جملةً وتفصيلًا، عند العلم بالتَّفصيل، فلا يكون الرَّجُل مؤمنًا حتَّى يُقِرَّ بما جاء به النَّبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – وهو تحقيق شهادة أن لا إلهَ إلَّا الله وأنَّ محمَّدًا رسول الله، فمن شهِد أنَّه رسولُ الله شهِد أنَّه صادق فيما يُخْبِر به عن الله – تعالى – فإنَّ هذا حقيقة الشَّهادة بالرسالة، إذِ الكاذب ليس برسولٍ فيما يكذبه، وقد قال الله تعالى:
{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [الحاقة: 44 – 46].
إذا تبيَّن هذا فقد وجب على كل مسلم تصديقُه فيما أخبر به عن الله تعالى، مِن أسماء الله وصفاته، ممَّا جاء في القرآن وفي السُّنَّة الثَّابتة عنه، كما كان عليْه السَّابقون الأوَّلون مِن المهاجرين والأنصار، والذين اتَّبعوهم بإحسان، الذين رضي الله عنْهم ورضوا عنه[9].
[1] شرح العقيدة الوسطية لابن عثيمين: (ص 47). شرح العقيدة الواسطية المؤلف: محمد بن صالح بن محمد العثيمين (ت 1421 هـ)، خرج أحاديثه واعتنى به: سعد بن فواز الصميل، الناشر: دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، الطبعة: السادسة، 1421هـ، عدد الأجزاء: 2.
[2] العقيدة الصحيحة وما يضادُّها لابن باز: (ص 13). العقيدة الصحيحة وما يضادُّها المؤلف: عبد العزيز بن عبد الله بن باز (ت 1420هـ)،الناشر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، الطبعة: السنة السابعة العدد الثالث محرم 1395هـ/ يناير 1975 م، عدد الصفحات: 14.
[3] التبيان في أقسام القرآن لابن القيم: (1/ 36).
[4] صحيح؛ رواه البخاري ( 1077/ الجمعة/ باب: الدُّعاء في الصَّلاة من آخر الليل)، ورواه مسلم (1261/ صلاة المسافرين وقصرها/ باب: التَّرغيب في الدُّعاء والذكر في آخر الليل).
[5] صحيح؛ رواه البخاري ( 1077/ الجمعة/ باب: الدُّعاء في الصَّلاة من آخر الليل)، ورواه مسلم (1261/ صلاة المسافرين وقصرها/ باب: التَّرغيب في الدُّعاء والذكر في آخر الليل)
[6] صحيح؛ رواه البخاري (2614/ الجهاد والسير/ باب: الكافر يقتل المسلم ثم يسلم)، ورواه مسلم (3504/ الإمارة/ باب: بيان الرجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة).
[7]لم أقف عليه بهذا اللفظ، ولكن في صفة العجب حديث (إنَّ الله ليعجب من الصَّلاة في الجميع) انظر السلسلة الصحيحة (1652)، وحديث (إنَّ ربك ليعجب للشَّاب لا صبوة له) صحَّحه أيضًا الألباني في السلسلة الصحيحة (2843).
[8] مجموع الفتاوى: (3/ 138 – 141).
[9] مجموع الفتاوى: 5/ 156؛ يُنظر: أهمية دراسة الأسماء والصفات، أبو مريم محمد الجريتلي، تاريخ الإضافة: 19/8/2009مـ – 27/8/1430هـ.
__________________________________________________
الكاتب: الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
Source link