السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ماحكم اجبار الأب لأبنته على الحجاب، بعد عدم امتثالها للنصح والوعظ؟
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فالشارع الحكيم أوجب على الأب أن يأمر ابنته بالحجاب في سن التمييز؛ لتتدرب عليه كما تتدرب على الصلاة والصوم وغيرهما من شرائع الإسلام، لا سيما إن كانت ذات هيئة أو ناهزت البلوغ، وهي مسؤولية، كما يجب عليه إلزامها بالحجاب بعد البلوغ؛ قال الله – تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}[التحريم: 6]، وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمر قال قال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها…)).
وروى مسلم عن معقل بن يسار المزني قال سمعت رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يقول: ((ما من راع يسترعيه الله رعية يموت يومَ يَموت وهو غاشٌّ لرعيته، إلاَّ حَرَّم الله عليه الجنة)).
جاء في ذكره “المجموع” للنووي: “على الآباء والأمهات تعليم أولادهم الصِّغار ما سيتعين عليهم بعد البلوغ، فيعلمه الولِيُّ الطهارةَ والصلاةَ والصومَ ونحوها، ويعرّفه تحريم الزنا، واللواط، والسرقة، وشرب المسكر، والكذب، والغيبة وشبهها، ويعرفه أنَّ بالبلوغ يدخل في التكليف، ويعرفه ما يبلغ به، وقيل: هذا التعليم مُستحب، والصحيح وجوبه… قال عليُّ بن أبي طالب – رضي الله عنه – ومجاهد وقتادة: معناه علِّموهم ما ينجون به من النار“. اهـ.
ولا شكَّ أن الحجاب من أهم ما يَجب على الوالدين تعويد البنات عليه، ونهيهم عن التبرُّج والسُّفور، ولا يسقط وجوب النصح والرغبة الصادقة في النجاة بها ومساعدتها بكل الوسائل الممكنة، ولكن دعوة الفتاة الكبيرة تختلف بلا شك عن الصغيرة، فيغلب الترغيب والإقناع والدعوة بالحسنى والموعظة الحسنة عن القول الخشن والإلزام المباشر، مع بيان شروط الحجاب الصحيحة بالأدلة هذا أولا.
فإِن أصرت الفتاة على ترك الحجاب بعد معاودة المحاولة تلو الآخرى، ولم تستجب بالرغم من إقامة كلِّ الحجج عليها، والأخذ بكل أسباب الهداية فلا مانع حينئذ من حملها على الحجاب بأيِّ وسيلة، كما يمكنك منعها من الخروج أصلا حتى ترعوي؛ لأن إنكار المنكر فرض على المستطيع باليد، ثم باللسان عند العجز عن التغيير باليد، ثم بالقلب عند العجز عن اللسان؛ ففي الصحيح عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه, وذلك أضعف الإيمان.
ولكن كل هذا بشرط أن لا يؤدي لمفاسد أكبر من تركها للحجاب، فإن لَم يجد استخدام القوة أيضًا، أو أدَّى لمفاسد أكبر فالمسؤولية حينئذ تقع على الفتاة، ولا يبقى على الوالد إلاَّ النُّصح والتوجيه، والصبر الجميل والمجاهدة في المعركة الطويلة معركة الهداية والدعوة إلى الله، فالفتاة بعد سن التكليف تصبح مسؤولة عن أعمالها، ولم يكلف الله تعالى الوالد إلا ما في وسعه، وأمر الهداية إلى الله وليس لأحد من الخلق، وإنما يجب على الخلق هداية البيان والإرشاد وبيان الصراط المستقيم، والترغيب فيه، وبذل الجهد في الهداية، والله سبحانه هو من يخلق في قلوب الخلق الإيمان، ويوفقهم بالفعل؛ كما قال تعالى لنبيه: {إنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}[القصص: 56]
أيضًا فإن الله سبحانه أمر الله نبيه، أن يأمر النساء عموما، ويبدأ بزوجاته وبناته، لأنهن آكد من غيرهن، ولأن الآمر [لغيره] (1) ينبغي أن يبدأ بأهله، قبل غيرهم
هذا؛ ومن المعلوم أن هداية الخلق والتربية والتوجيه مسؤولية كبيرة ومهمة جليلة، تتطلب وقتا وجهدا وتحتاج لكثير من الصبر والتروي والحكمة، ومجاهدة للنفس وللغير وفي ذلك بلا شك أجر عظيم؛ كل هذا يتطلب طلب العون من الله تعالى وصدق اللجوء إليه، مع حسن البيان أن الفتاة المحَجبة أفضل مِنْ غَيْرِهَا وهذه بدَهِية يدركها كل أحد وإن جحدت باللسان؛ فالحجابُ شعار العفة والطاهرة؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 59]؛ فالحجابُ حِمَايةٌ للفَتَاة المُسلمة، لا سيما في هذا العصر، الذي عَمَّ فيه الفساد وطم، وانتشرت فيه المنكرات، والجوهرةُ الغاليةُ هِيَ التي يحفظُها أهلُها، ويُبْعِدُونَهَا عَنِ الأعيُنِ، والأيدي، والإسلامُ بتشريعِهِ للحِجَابِ جَعَلَ الفَتَاةَ جوهرةً مَصُونةً، وسلعَةً غاليةً يَبْذُلُ الرجالُ مِنْ أَجْلِهَا الأموالَ، والوَسَائِطَ، ويَتَقَدَّمُونَ لأهلِهَا طالبين القُربَ، والشَّرَفَ.
ومن أجل تلك الحكم حرص الشارع الحكيم أن يأمر الفتاة المسلمة متى بلغت المحيض بالحجاب الشرعي، وبسَترِ زينتها عن الرجال الأجانب ؛ قال اللّه – تعالى – فى كتابه العزيز: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31]، وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: 59]، ونهى سبحانه وتعالى عَنِ التَّبَرُّجِ فقال سبحانه وتعالى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:33]،، والله أعلم.
Source link