استثمار المواهب: “زيد بن ثابت رضي الله عنه نموذجًا”
أسفر التخطيط السليم والجهود العملية المبذولة لاستثمارِ موهبةِ زيد بن ثابت رضي الله عنه عن تحقيقِه لإنجازات عظيمة، قدَّم مِن خلالها زيدُ بن ثابت رضي الله عنه باقةً من تلك الإنجازات لدينه وأهله وقضيَّته، انتفعَت منها الأجيال اللاحقة، وما زِلنا نحن اليوم نأخذ منها الكثير وننتفع بها، وستكون منفعةً عظيمة مستمرَّة للأجيال القادمة كذلك، إن شاء الله؛ ومنها:
1- بعد أن تمكَّن زيد بن ثابت رضي الله عنه من إتقان الكتابة جيدًا، اختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون كاتبًا للوحي؛ تمهيدًا لتهيئته لمهمَّة عظيمة في المستقبل.
2- لقد تعلم رضي الله عنه اللغةَ السريانية التي كان اليهود يتعاملون بها (قراءة وكتابة)، وفي وقت قياسي وبأمرٍ من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أتقنها في سبعة عشر يومًا فقط، وأبدى مهارة عالية وأداءً متميزًا جدًّا، وسرعة في الإنجاز حين تعلمها، فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال: “أمرني رسول الله أن أتعلم السريانية”[1].
3- أصبح عالمًا بالفرائض (علم المواريث)، فكان المرجِعَ في هذا العلم لبقية الصحابة والتابعين، وبذلك كان يمارس موهبتَه في الرياضيات ويخدم من خلالها أهله، فلقد كان زيد بن ثابت رضي الله عنه من علماء الصحابة، فعن ابن عباس رضي الله عنه: أنه أخذ لزيد بن ثابت بالركاب، فقال: “تنحَّ يا بن عم رسول الله”، فقال: “هكذا نفعلُ بعلمائنا وكبرائنا “[2]، وعبدالله بن عباس رضي الله عنه معروف مَن هو، إنه حبر الأمة وعالمُها.
4- اختاره أمير المؤمنين أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعدَ وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنجاز أشرف مهمَّة يقوم بها إنسانٌ، وهي كتابة القرآن الكريم كلام الله تعالى لأول مرة، بجمعه مرة واحدة في كتاب واحد، وكان العمل بمرحلتين في عهد أبي بكر رضي الله عنه وعثمان بن عفان رضي الله عنه، وكان زيد بن ثابت رضي الله عنه هو رئيسَ فريق العمل ورأس الحربة فيه، فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه: (فقال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل، ولا نتَّهِمك، كنتَ تكتبُ الوحي لرسول الله، فتتبَّع القرآن فاجمَعْه، فوالله لو كلَّفَني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليَّ مما أمرني به من جمع القرآن، قلتُ: كيف تفعلانِ شيئًا لم يفعَلْه النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال أبو بكر: هو والله خيرٌ، فلم أزل أراجِعه حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر، فقُمْت فتتبَّعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال)[3] .
وكان اختيار أبي بكر الصديق لزيد بن ثابت رضي الله عنه شخصيًّا لهذه المهمة موفَّقًا، وقد جاء هذا الاختيار وَفقًا لمجموعة من الأسباب:
• أنه رضي الله عنه من كتَّاب الوحي أولًا، وممن يحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب ثانيًا، وهذا يعني أنه متخصص بنوع العمل، ويمتلك الخبرة الفنية الكافية لمباشرته.
• أنه شاب موهوب، والشباب فئة عمرية تتميز بالقوة البدنية والفكرية، والنشاط الذهني الإيجابي الفعَّال، والصبر والمطاولة، والذاكرة الثابتة، والإقدام في العمل، والدقة في أداء الأعمال.
• أن زيد بن ثابت رضي الله عنه كان عاقلًا، وحين وصفه أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالعقل لم يكن يقصِدُ رضي الله عنه العقل العامَّ الذي يتصف به معظم الناس ويستثنى منهم المجانين، ولكن القصد هنا إعمال العقل، ومستوى التفكير العالي لزيد بن ثابت رضي الله عنه، وإمكانياته في تمييز وتحليل المسائل المعقَّدة بشكل واضح باستخدام عقله، ومستوى الأفكار الإبداعية الناتجة من استخدام العقل في العمل.
• أنه غير متَّهم، ما يعني أن له تاريخًا نظيفًا ومُشرِّفًا في العمل لخدمة الإسلام ودولته، وأنه رضي الله عنه معروفٌ بصدقه وأمانته وشدة ورعه، فلا يُختار لمثل هذه المهامِّ المتردِّدُ وغير المؤمن بقضيته، أو الخائن، ومن له أيام سوداء بعد إسلامه.
قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
فمَن للقوافي بعد حسَّانَ وابنِهِ *** ومَن للمثاني بعدَ زيدِ بنِ ثابتِ
[1] الجامع الصحيح، سنن الترمذي، 2715.
[2] الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، ج2، ص360.
[3] صحيح البخاري، 4679.
____________________________________________________
الكاتب: عبدالستار المرسومي
Source link