تتميَّز مرحلة الشباب بكونها مرحلة التطور والتشكُّل في مختلف جوانب الشخصية الإنسانية، وهي تعتبر مرحلة الإعداد والبناء للمستقبل
تتميَّز مرحلة الشباب بكونها مرحلة التطور والتشكُّل في مختلف جوانب الشخصية الإنسانية، وهي تعتبر مرحلة الإعداد والبناء للمستقبل؛ ولذا يواجه الشباب والفتيات في سبيل ذلك العديد من المشاكل والمعوِّقات، الأمر الذي يؤكد على حاجتهم الماسَّة للعب والترفيه الفعَّال؛ لتحقيق ذواتهم، ومجابهة ما يقف أمامهم من صعاب، فكان لزامًا على الوالدين والمسؤولين تربية الشباب والتعرُّف على مطالبهم واحتياجاتهم، والعمل على إشباعها من خلال اللعب والترفيه.
إن المواظبة على الحزم والجد في كل الأحوال أمرٌ شاقٌّ على نفس الشاب والفتاة؛ لأن النفس مجبولة على المراوحة والاستجمام، وهنا نجد مراعاة النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الحاجة مع أصحابه، جاء في صحيح مسلم عن عبدالله بن مسعود “كانَ عبدُ اللهِ يُذَكِّرُنَا كُلَّ يَومِ خَمِيسٍ، فَقالَ له رَجُلٌ: يا أَبَا عبدِالرَّحْمَنِ، إنَّا نُحِبُّ حَدِيثَكَ وَنَشْتَهِيهِ، وَلَوَدِدْنَا أنَّكَ حَدَّثْتَنَا كُلَّ يَومٍ، فَقالَ: ما يَمْنَعُنِي أَنْ أُحَدِّثَكُمْ إلَّا كَرَاهيةُ أَنْ أُمِلَّكُمْ، إنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَتَخَوَّلُنَا بالمَوْعِظَةِ في الأيَّامِ، كَرَاهيةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا”، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: يُستفاد من الحديث “استحباب ترك مداومة الجد في العمل الصالح خشية الملال”.
كما أَذِنَ للحبشة أن يلعبوا في مسجده الشريف بحرابهم وسهامهم على عادتهم، وأَذِنَ لأُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالنظر إليهم؛ مراعاة منه لحاجتها إلى الترفيه، تقول رضي الله عنها: “وَاللَّهِ لقَدْ رَأَيْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَقُومُ علَى بَابِ حُجْرَتِي، وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ بحِرَابِهِمْ، في مَسْجِدِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، يَسْتُرُنِي برِدَائِهِ؛ لِكَيْ أَنْظُرَ إلى لَعِبِهِمْ، ثُمَّ يَقُومُ مِن أَجْلِي، حتَّى أَكُونَ أَنَا الَّتي أَنْصَرِفُ، فَاقْدِرُوا قَدْرَ الجَارِيَةِ الحَدِيثَةِ السِّنِّ، حَرِيصَةً علَى اللَّهْوِ”؛ (رواه مسلم) .
يقول شخص: ابني مُدمِن على الألعاب الإلكترونية، يجلس أمام الشاشة الساعات الطوال، كثير السهر، عصبي جدًّا، لا يوجد لديه أصدقاء، يكره زيارات الأهل والجيران أو الخروج للتنزُّه، أصبح مهملًا لواجباته الدينية والدراسية، في الآونة الأخيرة تعرَّف على فتاة، تطوَّرت علاقته معها حتى تعلَّق قلبُه بها، ماذا أفعل؟
الترفيه هو ذلك الوقت الذي يكتسبه الإنسان لنفسه بعيدًا عن التعليم الرسمي، أو العمل، أو المسؤوليات المنزلية، أو أداء وظائف أخرى في الحياة، وله الحرية في أنْ يفعل فيه ما يشاء من تفاعل مع العائلة، أو الأسرة، أو قضاء الوقت بشكل منفرد، أو لتطوير الجسد في الرياضة بأنواعها، أو لتطوير المهارات العقلية والفكرية وتطوير الذات.
ويُعَدُّ اللعب والترفيه من الحاجات الأساسية للشاب والفتاة؛ فهو يُخفِّف حدة الضغوط والمشكلات التي يواجهونها في الحياة، كما يساهم بشكل ملحوظ على تفريغ الانفعالات المكبوتة لديهم، وحدة القلق والتوتُّر النفسي، ويمنح الشعور بالسعادة والرِّضا والبهجة، واللعب يعمل على استعادة الطاقة المفقودة من أداء الواجبات العملية والرسمية، ويدعم صحة الشاب والفتاة، ويشبع احتياجاتهم الجسمية، ويكسبهم المهارات الحركية والقوام المعتدل والمظهر الحسن.
أما إذا كان اللعب والترفيه بشكل جماعي، فهو يساعد على التعاوُن والانسجام والقدرة على التكيُّف مع الآخرين، كما يساهم الترفيه الجماعي على تقوية العلاقات واحترام الغير، والمودَّة، والصداقة، والأُخُوَّة، والثقة بالآخرين، والولاء للمجتمع والوطن، وإنكار الذات، وحب العمل، وأداء الواجب، والتطوُّع للخدمات الاجتماعية، كما أن الأنشطة الجماعية قد تكون عاملًا مُحفِّزًا لتنمية مهنة المستقبل، من خلال تنمية مهاراتهم وقدراتهم التي قد تبدأ بهوايةٍ يُمارسها الفرد في حياته اليومية، ثم يُنمِّيها ويُطوِّرها؛ حتى تنتهي بمهنةٍ يحترفها في مستقبل حياته.
وعلى الآباء والمسؤولين عن تربية الشباب والفتيات الأخذ بعين الاعتبار عند اختيار الأنشطة الترفيهية لهم بالتالي:
• ألَّا يكون اللعب والترفيه في أنشطة تلحق الضرر بالشباب والفتيات أو بالآخرين سواء كان الضرر ماديًّا، أو معنويًّا، أو حسيًّا.
• اختيار الوقت المناسب بحيث لا يؤثر على واجباتهم الدينية أو الدراسية أو المنزلية أو الأسرية.
• الابتعاد عن الإسراف في اللعب والترفيه خصوصًا فيما يتعلَّق بالوقت والمال والصحة.
• أن يكون له أهداف وأثر إيجابي على الشابِّ والفتاة وعلى المجتمع والوطن.
• التنوُّع في الأنشطة يعطي مجالًا لاكتشاف المواهب، ويساعد على تنمية قدرات الشباب الصحية والعقلية والجسدية والفكرية.
• عدم التركيز على الترفيه الإلكتروني؛ لما يُسبِّبه من آثار صحية وسلوكية وعقدية وتربوية على الشباب والفتيات.
• الابتعاد عن الاختلاط بين الجنسين أثناء اللعب والترفيه؛ لما يفضي إليه من ترك الحياء والحشمة والتجرُّؤ على الجنس الآخر، ومن علاقات مُحرَّمة.
أسأل الله أن يُصلِح الشباب والفتيات، وأنْ يُثبِّتَهم على طاعة الله والحب والتواصُل السليم والعمل الصالح، وأن يجعلهم لَبِنات خيرٍ على المجتمع والوطن، وصلَّى الله على سيِّدنا محمد.
______________________________________________________
الكاتب: عدنان بن سلمان الدريويش
Source link