يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة

يثبت الله الذين آمنوا في الحياة الدنيا وفي الآخرة بكلمة الإيمان المستقرة في الضمائر، الثابتة في الفطر، المثمرة بالعمل الصالح المتجدد الباقي في الحياة.

أيها المسلم هل عشت وذقتَ يومًا لذة قول الله:  {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} في موقف ما من مواقف حياتك، واستشعرت معية الله معك وكأنَّك تعيش في عالم آخر، ففي هذه الآية الكريمة: {يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلْءَاخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّٰلِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ} [إبراهيم: 27].

 

يخبرنا الله تعالى أنه يثبت عباده المؤمنين، الذين قاموا بما عليهم من إيمان في الحياة الدنيا عند ورود الشبهات بالهداية إلى اليقين، وعند عروض الشهوات بالإرادة الجازمة على تقديم ما يحبه الله على هوى النفس ومراداتها، ويجعلهم متمسكين بالحق، ثابتين عليه دون أن يصرفهم عن ذلك ترغيبٌ أو ترهيب.

 

يثبت الله الذين آمنوا في الحياة الدنيا وفي الآخرة بكلمة الإيمان المستقرة في الضمائر، الثابتة في الفطر، المثمرة بالعمل الصالح المتجدد الباقي في الحياة. ويثبتهم بكلمات القرآن وكلمات الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وبوعده للحق بالنصر في الدنيا، وكلها كلمات ثابتة صادقة حقةٌ، لا تتخلف، ولا يمس أصحابها قلق ولا حيرة ولا اضطرابٌ.

 

يثبتهم على الحقيقة الكبرى، حقيقة التوحيد لله الواحد القهار، وحقيقة الدين الواحد وهو الإسلام الواحدة الذي لا يتبدل، وحقيقة الدعوة الواحدة التي لا تتغير.

 

يثبتهم على كلمة الإسلام فلا يبدلونها إلى صوفية أو شيعية أو…….

 

وهنا يحضرني قول سحرة فرعون عندما توعدهم بقوله: {فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَٰفٍۢ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِى جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ} [طه: 71].

 

فكان قولهم: {لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ۗ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ * إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ، وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ، جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ مَن تَزَكَّى} [طه: 72 – 76].

 

انظر أيها المسلم كيف ألهم الله السحرة الذين آمنوا بربهم أن يقفوا من الطاغية موقف المعلم المستعلي وهزأت قلوبهم المؤمنة بتهديد الطغيان الجائر، وواجهته بكلمة الإيمان القوية، وباستعلاء الإيمان الواثق، وبتحذير الإيمان الناصع، وبرجاء الإيمان العميق، وما يملك القلب البشري أن يجهر بهذا الإعلان القوي إلا بقوة الإيمان؛  {يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا}.

 

هذا المشهد قد نراه في مواقف بعض القلوب المؤمنة التي ثبتها الله على الحق على مر الأزمنة، وهنا نتذكر موقف الصحابي الجليل النضر بن أنس – رضي الله عنه – يوم أحد، حين وجد أصحابه قد ألقوا بأيديهم، وقالوا له: إن محمدًا قد مات: فقال: ” فما تصنعون بالحياة من بعده؟ فقوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله.  {يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا}

 

ولا ننسى قول أبي بكر حين مات رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ألا مَنْ كان يعبد محمدًا صلى الله عليه وسلم فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت »، وقال: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30]، وقال: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]، فنشج الناس يبكون؛ (رواه البخاري).

 

وقد قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: “والله لكأنَّ الناس لم يكونوا يعلمون أن الله أنزلها حتى تلاها أبو بكر رضي الله عنه، فتلقاها منه الناس، فما يسمع بشر إلا يتلوها”.

 

{يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا}.

 

كذلك نذكر بقول امرأة العزيز بعد أن نور الإيمان في قلبها وتحول قلبها من الظلام إلى النور: {وَمَآ أُبَرِّئُ نَفۡسِيٓۚ إِنَّ ٱلنَّفۡسَ لَأَمَّارَةُۢ بِٱلسُّوٓءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّيٓۚ إِنَّ رَبِّي غَفُور رَّحِيم} [يوسف: 53].

 

حيث يؤكد بعض المفسرين أن هذا التحول قد تم بعد أن استقرت عقيدة الإِيمان التى آمن بها يوسف فى قلبها.

 

{يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا}.

 

لذلك تجد أن المؤمن الذي استقر الإيمان في قلبه قولا وعملًا وروحًا فإن الله يلهمه الصواب والحكمة في المواقف الحرجة فيكون سلوكه ولسانه في الحياة موافقًا هدى الله.

 

{وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَءَاتَىٰهُمْ تَقْوَىٰهُمْ} [محمد: 17].

 

{وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلْكِتَٰبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُصْلِحِينَ} [الأعراف: 170].

______________________________________________________________
الكاتب: أ. د. فؤاد محمد موسى


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

شرح ما يفعل من رأى الرؤيا أو الحلم

منذ حوالي ساعة الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان؛ فإذا رأى أحدكم شيئاً يكرهه؛ فلينفث …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *