صلاة الفجر تلك المحبَّبة إلى قلوب العابدين المتَّقين، الطَّائعين لله – عزَّ وجلَّ – الثقيلةُ على المنافقين، هذه الصلاة العزيزة، منها نبدأ يومَنا، ونبدأ سعْيَنا إلى الله – عزَّ وجلَّ – ورحلتَنا لإصلاح أنفسنا التي طالَها ما طالها من ذنوبٍ ومعاصٍ…
صلاة الفجر تلك المحبَّبة إلى قلوب العابدين المتَّقين، الطَّائعين لله – عزَّ وجلَّ – الثقيلةُ على المنافقين، هذه الصلاة العزيزة، منها نبدأ يومَنا، ونبدأ سعْيَنا إلى الله – عزَّ وجلَّ – ورحلتَنا لإصلاح أنفسنا التي طالَها ما طالها من ذنوبٍ ومعاصٍ، ورانَ على قلوبنا ما ران مِن هذه الأدران الفاسدة؛ من معصيةٍ لله – عزَّ وجلَّ – ومِن فسادٍ في النَّوايا والأخلاق، حتَّى ارتكَسْنا في مرتعٍ آسِن، لا تقرُّ معروفًا، ولا تنكر منكرًا.
من صلاة الفجر نبدأُ في تصحيح مسارِنا في الحياة، ومنها نبدأ رحلةَ الجهاد الشاقِّ، جهادَ النَّفْس – وما أشقَّه مِن جهاد! – كما ورد في الأثَر: “رجَعْنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر جهاد النَّفس”.
وإليها يَنتهي المؤمن القائم القانت لربِّه في جوف الليل، يدعو ربَّه خوفًا وطمَعًا، يخضب جِيدَه بدموعه, ينتهي من قيام اللَّيل عند الفجر، فيخلص من نورٍ إلى نور، وإلى ركعتي الفجر التي قال عنها النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: «لو يعلم الناس ما في ركعتَيِ الفجر من الخير لأَتَوهُما ولو حبْوًا».
أوَّلاً: يدعو المؤمِنُ ربَّه في ذهابه للمسجد:
«اللَّهم اجعل لي في قلبي نورًا، وفي بصَري نورًا، وفي سَمْعي نورًا، وعن يميني نورًا، وعن يساري نورًا، ومن فوقي نورًا، ومن تحتي نورًا، ومن أمامي نورًا ومِن خَلْفي نورًا، ومن فوقي نورًا، ومن تحتي نورًا، اللهم اجعل لي نورًا».
يلتمس الإنسان الطائع لربِّه هذا النُّورَ الذي يولد مع ولادة ذلك اليوم الجديد، فيختار لنفسه ولادةً نورانيَّة، حقيقيَّة جديدة، روحانيَّةً مِن هذه الصلاة العظيمة، وكما قال النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: «من صلَّى العتمتين في جماعةٍ فكأنَّما قام الليل كلَّه».
فلْنَجعل من ولادة النُّور في صلاة الفجر ولادةً جديدة لنا، نعمِّق بها معانِيَ الإيمان في قلوبنا وأعمالِنا، فاللهَ الله في صلاة الفجر!
ويُروى عن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – أَّنه جلس مع أصحابه ذاتَ صباحٍ، فسألَهم: «من أصبح منكم اليوم صائمًا؟ من منكم اليوم اتبع جنازة؟ من عاد منكم اليوم مريضًا؟ من منكم تصدق اليوم بصدقة» ؟.
قال أبو بكر الصِّديقُ – رضي الله عنه -: أنا يا رسول الله، فقال النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: «ما اجتمعن في امرئٍ مسلم إلاَّ دخل الجنة»؛ (رواه مسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه).
وما كان سَبْقُ أبي بكر للصحابة بكثرة صلاةٍ ولا صيام، ولكن بشيءٍ وَقر في صدره، ألاَ وهو الإيمان واليقين.
والإيمان ليس كلمةً تُقال باللِّسان، وإنَّما هو حقيقةٌ ذات تكاليف، وأمانةٌ ذات أعباء، وجهادٌ يَحتاج إلى صبرٍ، وجهدٌ يَحتاج إلى احتمال، كما قال سيد قطب – رحمه الله.
ولَم يكُنْ سؤال النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: «من منكم صلَّى الفجر في جماعة» ؟؛ وذلك لأنَّ هذا الأمر من ثوابت المسلم التي ينبغي أن يتمسَّك بها.
فعن إبراهيم النَّخعي أنه قال: “إذا رأيتَ الرَّجُل يتهاون في تكبيرة الإحرام فاغسِل يديك منه”.
وعن أبي لبابة قال: يقولون: “ركْعَتا الفجر، فيهما رغب الدَّهر، وطرفة عين من الصَّلاة المكتوبة خيرٌ من الدُّنيا وما فيها”.
وصلاة الفجر لها معنًى خاصٌّ عندنا نحن المسلمين؛ وذلك لأنَّ عندها يَنتهي المسلمُ من قيام الليل الذي هو شرَفُ المؤمن وهو عزُّه، وفي سهام اللَّيل من الدُّعاء الذي لا يُخطئُ أبدًا، وفي التفسير عن استغفار يعقوبَ – عليه السَّلام – لأبنائه أخَّره إلى آخِر الليل، وصلاة الفجر بها يبدأ اليوم وبِها يبدأ النصر، نَصْر المسلم على نفسه وشيطانِه، وهواه وعدُوِّه.
قال الرسول الكريم – صلَّى الله عليه وسلَّم -: «يَعقد الشيطان على قافية رأسِ أحدكم إذا هو نام ثلاثَ عُقَد، يقول: ارقد عليك ليلٌ طويل، فإذا استيقظَ فذكَر الله انحلَّت عقدة، فإذا توضَّأ انحلت الثانية، فإذا صلى انحلَّت الثالثة، فقام نشيطَ البدن، وإلاَّ كان خبيثَ النَّفسِ كَسلان».
وهي صلاة التمييز، تَمييز المؤمن من المُنافق، فيُروى عن عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما – قال: “إذا تخلَّف الرجلُ عن صلاة الفجر والجماعةِ أسَأْنا به الظنَّ، ولقد رأيتُنا ما يتخلَّف عنها إلاَّ منافِقٌ مَعلوم النِّفاق، ولقد كان يُؤتَى بالرَّجُل يتهادى بين الرجلين حتَّى يُقام في الصَّف”.
وقَلب المؤمن يَهفو لصلاة الفجر، ولسانُ حاله يقول: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه: 84]، وبِصلاة الفجر تنبت الحكمةُ في القلب، والضِّياء في الوجه، والبَركةُ في الرِّزق، ودعاء النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – للأمة: «بارك الله لأُمَّتي في بُكورها».
ويالَها من صلاةٍ؛ هذه الصلاة الحبيبة للنَّفس! فعن الحسَن – رحمه الله – قال: “التَمِسوا الحَلاوة في ثلاث: الصَّلاة، والقرآن، والذِّكر، فإن وجدتُموها فامْضُوا وأبشِروا، وإن لَم تجدوها فاعلموا أنَّ أبوابكم مغلقة، وأعيدوا الكرَّة”.
وما زال طارقُ الباب يطرقه، حتَّى يُقال له: أبشر بالفتوح.
فتعالوا بنا نبدَأْ في تصحيح مَسارِنا من صلاة الفجر، ونعُدْ بها عودةً للأمام، ونبدَأْ منها بإصلاحِ أحوالنا وجهادِ أنفسنا، ولْنَبدأ منها ترسيخَ الأخلاق والسَّجايا الإسلاميَّة فينا، وفي مجتمعاتنا.
وصلَّى الله على سيِّدنا محمد، والحمد لله ربِّ العالمين.
______________________________________________________
الكاتب: د. طارق محمد حامد
Source link