أيها الآباء وأيتها الأمهات، منذ أن يأتي الطفل إلى هذا العالم وهو يتعلم من محيطه كل ما يشاهده، فإن وجد هذا الطفل والديه علاقتهما بالقرآن في كل نشاط من حياتهما فسوف ينشأ عليه، وسيكون القرآن الكريم متأصلًا في سلوكه كلما كبر…
القرآن هو كتاب الله الكريم، وحبله المتين، ونوره المبين، وهو الذكر الحكيم والصراط المستقيم، يقول الله سبحانه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء: 9]، إن التربية السليمة للأبناء تحتاج إلى الجهد والصبر والتحمُّل وليست بالأمر السهل الهيِّن، فالذرية الصالحة غاية كل والدينِ؛ لهذا يجب عليهما تنشئتهم التنشئة السليمة، التنشئة الربانية.
أيها الآباء وأيتها الأمهات، منذ أن يأتي الطفل إلى هذا العالم وهو يتعلم من محيطه كل ما يشاهده وكل ما يتأثر به، يكون لصيقًا بوالديه، يتعلم منهما ويقلدهما ويطبع شخصيتيهما في أدق التفاصيل، فإن وجد هذا الطفل والديه علاقتهما بالقرآن في كل نشاط من حياتهما فسوف ينشأ عليه، وسيكون القرآن الكريم متأصلًا في سلوكه كلما كبر، أما إذا ربطنا القرآن في حياة أجيالنا بالصلوات فقط، أو في المدرسة على مقاعد الدراسة لحصد أعلى الدرجات، فإننا سنُفقِد أولادَنا الخشوعَ والاستشعارَ بكتاب الله، وحرمانهم من تذوُّق حلاوة كلام الله ومعانيه والتدبُّر في آياته.
يقول أبو أحمد: أنا حريص على أن يحفظ ابني كتاب الله وهو صغير، أشركته في حلقات التحفيظ، لي معه كل يوم وقفات مع كتاب الله نتعلم فيها قصة آية، أو أدب، أو إعجاز، وقد رأيت -ولله الحمد- أثر كتاب الله على عبادته وعلى سلوكه ومعاملته معي ومع إخوانه وزملائه.
أيها الآباء، علينا أن نتذكَّر، ونُذكِّر غيرنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «خيرُكُم مَن تعلَّمَ القرآنَ وعلَّمَهُ»؛ (رواه الترمذي) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «الْماهِرُ بالقُرْآنِ مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ، والذي يَقْرَأُ القُرْآنَ ويَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وهو عليه شاقٌّ، له أجْرانِ»، (وفي رواية): «والذي يَقْرَأُ وهو يَشْتَدُّ عليه له أجْرانِ»؛ (رواه مسلم).
وعن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ القرآن وتعلَّم وعمل به أُلبس والداه يوم القيامة تاجًا من نور، ضوؤه مثل ضوء الشمس، ويكسى والداه حُلَّتين لا تقوم لهما الدنيا فيقولان: بم كُسينا هذا؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن»؛ (رواه الحاكم).
وحتى ننشئ أولادنا على حب كتاب الله والتعلق به علينا بالتالي:
• أن يكون الوالدان قدوةً صالحةً للأولاد في قراءة القرآن، والاستماع إليه.
• تحديد وقت معين يوميًّا أو خلال الأسبوع لدراسة القرآن وتلاوته وحفظه مع الأولاد.
• إلحاق الطفل بحلقة تحفيظ للقرآن الكريم، أو وضع معلم خاص لتعليمه التلاوة والحفظ.
• تحفيز الطفل بالهدايا والكلمات المُشجِّعة التي تدفعه للاستمرار في تلاوة القرآن وحفظه.
• البحث له عن صحبة صالحة، تعينه على حفظ كتاب الله.
• البعد عن الإجبار والتخويف والزجر في الحفظ، بل اتباع سبيل الرفق واللين في التعليم، كما قال صلى الله عليه وسلم: «ما كان الرِّفْقُ في شيءٍ إلَّا زانَه، ولا نُزِعَ من شيءٍ إلَّا شانَه»؛ (صحيح الجامع).
• تيسير الحفظ للأولاد بتهيئة المكان والزمان، مع التدرج في الحفظ وعدم الحرمان من اللعب والترفيه وممارسة الرياضة.
• من طبيعة الأولاد حب القصص؛ ولذا علينا الحرص على سرد قصص القرآن بأسلوب جاذب وميسر، خاصة عند التلاوة.
• من أساليب التشجيع والتحفيز، تسجيل صوت الطفل وهو يقرأ القرآن؛ حتى يكرر سماعه، ويشجعه على التلاوة والحفظ.
• عمل مسابقات في الحفظ والتلاوة له ولغيره؛ حتى نزيد التنافس بين الأولاد، ومنها يحصل التكرار والتأكيد على ما حفظه.
• الدعاء له، وتعليمه على أن يدعو لنفسه ولغيره مع التكرار، بأن يحفظه الله، ويعينه على الحفظ والإتقان.
• تذكيره وربطه بالأجر المترتب على تلاوة القرآن وحفظه، كما قال صلى الله عليه وسلم: «يقالُ لصاحِبِ القرآنِ: اقرَأ وارقَ ورتِّل كما كُنتَ تُرتِّلُ في الدُّنيا فإنَّ منزلتَكَ عندَ آخرِ آيةٍ تقرؤُها»؛ رواه الترمذي.
• تذكيره بحصول البركة له في دنياه وآخرته، قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29].
أسأل الله العظيم أن يصلح لنا أنفسنا وذرياتنا، وأن يبارك لنا فيما رزقنا، وصلى الله على سيدنا محمد.
___________________________________________________
الكاتب: عدنان بن سلمان الدريويش
Source link