يعتقدون أنها تجلب الحظ السعيد، والرزق الوافر، والطمأنينة والهناء، وهذا والله مع كونه شركًا، هو نقص في العقل؛ إذ كيف يعتقد إنسان عاقل سوِيٌّ في جمادات لا تنفع ولا تضر؟
في هذه الدنيا لنا آمال نرجوها، وخططٌ نسعى لتحقيقها، كذلك تعترينا ظنونُ خوفٍ تُقْلِقنا، وعواقب خطر نَحْذَرها، ويحتار الإنسان كيف ينال الخير ويبتعد عنه الشر؟ وهل ثمة أسباب يفعلها لتحقيق ذلك؟ وتلكم الأسباب هل هي ناجحة أم خاسرة؟ وهل هي في الأساس شرعية أم محرَّمة؟ وحيرة الإنسان – يا عباد الله – ناجمة عن حاجته الْمُلِحَّة لنَيلِ الفوز، وتجنب الشر والخسارة.
وقد جعل الله لكل شيء أسبابًا يعملها الإنسان مستصحبًا معها أعمالًا يؤدِّيها بقلبه.
لكن عندما ضاقت حيلة بعض بني البشر، وقد استبدَّ به الجهل، أوجد لنفسه أسبابًا مخترعةً، وطُرُقًا واهيةً مصطنعةً، وربما أعانه على ذلك وأرشده أهلُ الضلال والخُرافة، ممن يسعَون لإفساد عقائد الناس، ويعتاشون على ذلك، ويأكلون أموالهم بالباطل، فيتكسبون بالتضليل ويتاجرون بالوهم، والله من ورائهم محيط.
يزعمون أن الأبراج كــــ(الميزان والعقرب) تخبر بطبائع الناس حسنها ورديئها، وأن بعض الأحجار تجلب الخير وتدفع الضُرَّ، وأن تعليقاتٍ وتمائمَ يخطُّها هؤلاء الخرافيون بأيديهم ليضعها الرجل والمرأة، أو يعلقوها على أبنائهم، أو على بعض ممتلكاتهم؛ لتكون جذبًا للمنفعة، أو دفعًا للمضرة.
عباد الله: من البدع المنتشرة في هذا الزمان: (تعليق التمائم).
والتمائم: جمع تميمة؛ وهي ما يُعلَّق بأعناق الكبار أو الصغار، أو يُوضَع على البيوت أو السيارات، سواء كانت من القلائد، أو الحبال، أو من الأساور والخواتم، والخرز والعظام، لدفع الشر – وخاصةً العين – أو لجلب النفع.
والتميمة: إما أن تكون ورقةً يُكتَب فيها غير القرآن الكريم، من الطَّلاسِمِ والتعاويذ، وحتى القرآن الكريم على الصحيح لا يُعلَّق، فكيف إذا كان طلاسمَ، وسحرًا، وشعوذةً؟
يفعلون ذلك لاعتقادات باطلة؛ منهم من يعتقد أن ذلك يدفع الضرر والخطر، والمرض والعين، والحوادث، وغيرها من الآفات، ومنهم من يعتقد أنها تجلب الحظ السعيد، والرزق الوافر، والطمأنينة والهناء، وهذا والله مع كونه شركًا، هو نقص في العقل؛ إذ كيف يعتقد إنسان عاقل سوِيٌّ في جمادات لا تنفع ولا تضر؟
نعم أيها الكرام، التمائم ضلال مبين، وخطر عظيم على عقيدة الإنسان وسلوكه؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الرُّقَى، والتمائم، والتِّوَلَةَ شرك»؛ (رواه الإمام أحمد وأبو داود، وصححه الشيخ الألباني).
وعن عيسى بن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال: دخلت على عبدالله بن عكيم أبي معبد الجهني، أعُودُه وبه حُمْرَة، فقلنا: ألَّا تعلق شيئًا؟ قال: الموت أقرب من ذلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من تعلق شيئًا وُكِلَ إليه»؛ (رواه الترمذي، وحسَّنه الشيخ الألباني).
فلْنَحْذَرْ غاية الحذرِ من اتخاذ أي شيء من هذه الأمور، نظن فيه بذاته جلبَ خيرٍ أو دفعَ ضرٍّ.
وعن عقبة بن عامر الجهني، ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل إليه رَهْطٌ، فبايع تسعةً وأمسك عن واحد، فقالوا: يا رسول الله، بايعت تسعةً وتركت هذا؟ قال: «إن عليه تميمةً»، فأدخل يده فقطعها، فبايعه، وقال: «من علَّق تميمةً فقد أشرك»؛ (رواه الإمام أحمد والحاكم، وصححه الشيخ الألباني).
والعلة في كون تعليق التمائم من الشرك هي – والله أعلم – أن من علَّقها يعتقد فيها النفع، ويميل إليها، وتنصرف رغبته عن الله إليها، ويضعُف توكله على الله وحده، وكل ذلك كافٍ في إنكارها والتحذير منها.
وفي الأسباب المشروعة والمباحة ما يغني عن التمائم، وانصراف الرغبة عن الله إلى غيره شركٌ به، أعاذنا الله وإياكم من ذلك.
وتعليق التمائم يعتبر من الشرك الأصغر ما لم يعتقد مُعلِّقها بأنها تدفع عنه الضرر بذاتها دون الله، فإذا اعتقد هذا الاعتقاد، صار تعليقها شركًا أكبرَ.
وما ذاك إلا لأنها تُعلِّق القلوب بغير الله، وتجعلها في إعراض وغفلة عن الله عز وجل، والواجب تعليق القلوب بالله وحده، ورجاء الشفاء منه وسؤاله، والضراعة إليه في طلب الشفاء؛ لأنه المالك لكل شيء، وهو النافع الضار، وهو الذي بيده الشفاء، فلهذا شرع الله عز وجل تركَ هذه التعاليق وشرع النهي عنها؛ حتى تجتمع القلوب على الله، وعلى الإخلاص له، والتوكل عليه، وسؤاله الشفاء سبحانه وتعالى دون كل ما سواه.
ولنَتَّقِ الله – يا عباد الله – في أنفسنا، ولنتَّقِ الله فيمن استرعانا الله من الأبناء، فإن أولئك الدجالين قد كثُروا في وسائل التواصل، وتلقَّفهم البنات والأولاد، وصاروا يَتْبَعونهم في دَجَلِهم؛ جهلًا منهم بخطر هذا الصنيع.
فعن زينب امرأة عبدالله، قالت: كان عبدالله إذا جاء من حاجة فانتهى إلى الباب، تَنَحْنَحَ وبَزَقَ؛ كراهية أن يهجُم منا على شيء يكرهه، قالت: وإنه جاء ذات يوم، فتنحنح، قالت: وعندي عجوز تَرقيني من الحُمْرة، فأدخلتها تحت السرير، فدخل، فجلس إلى جنبي، فرأى في عنقي خيطًا، قال: ما هذا الخيط؟ قالت: قلت: خيط أرقي لي فيه، قالت: فأخذه فقطعه، ثم قال: إن آل عبدالله لَأغنياءُ عن الشرك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الرُّقَى، والتمائم، والتِّوَلَةَ شرك»، قالت: فقلت له: لِمَ تقول هذا وقد كانت عيني تقذف، فكنت أختلف إلى فلان اليهودي يرقيها، وكان إذا رقاها سكنت؟ قال: إنما ذلك عمل الشيطان كان ينخُسُها بيده، فإذا رقيتِها كفَّ عنها، إنما كان يكفيك أن تقولي كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أذهِبِ الباس ربَّ الناس، اشفِ أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقمًا»؛ (رواه الإمام أحمد وأبو داود، وصححه الشيخ الألباني).
يا أهل التوحيد، إن للحروز والتمائم في زماننا هذا صورٌ متنوعات، وأشكال متعددات:
فأصبح يروَّج لأنواع من الأساور يُزعَم أن فيها شفاءً وعافيةً، ودفعًا ورفعًا.
ويروَّج لأنواع من الأحجار تُوصَف بأنها أحجار كريمة، وأنها تنفع في كذا، وتمنع من كذا.
ويروَّج كذلك لأشكال هندسية، إما سداسية أو غير ذلك، ويُقال كذبًا وزورًا: ثبت بالتجارب أنها نافعة في كذا، ومانعة من كذا.
ويروَّج لعين تُوضَع في خاتم، أو في سلسال، أو تُعلَّق في سيارة، ويزعم أنها واقية، وأنها نافعة دافعة.
ومنها لُبْس بعض شبابنا أساورَ جلدٍ أو حديد.
أو وضع المصحف في رفِّ السيارة؛ لدفع العين.
ومنها سوار علاج الروماتيزم زعموا، يُباع بالمتاجر الإلكترونية، وقد نفى نفعه أهل الطب، وأفتى أهل الشرع أنه من الشرك الأصغر.
ومنها تعليق جلد الذئب أو شعره؛ لطرد الجن.
ومما يُشاهَد لدى بعض سائقي الشاحنات أنهم يُعلِّقون قُماشًا أسودَ في السيارة، أو خرزًا أزرقَ على المرآة الأمامية، لدفع العين زعموا.
إلى غير ذلكم من الخرافات والخزعبلات التي ما أنزل الله بها من سلطان.
عباد الله: السبيل الشرعي لدفع كل ما يخشى الإنسان ضَرَرَه في الحياة: أن يفعل المؤمنُ الأسبابَ في مظانِّها، مستصحبًا أعمالَ القلوب، من خوف ورجاء ومحبة لله، وإيمان بما قضى وقدر، فيكون ممتلئًا باليقين بالله، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن الله معينه في صالح أمره، وكذلك يكون متوكلًا على الله في سائر شأنه، ممتلئًا باليقين بالله غير مغترٍّ بقدرته، ولا يكون يائسًا بسبب مشاكل الحياة وضغوطها وهمومها؛ فإن الله تعالى يقول: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اعقِلْها وتوكل»؛ (رواه الترمذي، وابن حبان، وحسنه الشيخ الألباني).
ومما يُشرَع فعله لرفع كرب وبلاء أو دفعه: فعل الأسباب المشروعة؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ بالأسباب – مع اعتماده على المسبِّب؛ وهو الله عز وجل – من أذكار الصباح والمساء، والرقية الشرعية، والأدعية المأثورة، وآية الكرسي وآخر البقرة والمعوذتين، وكذا المحافظة على الواجبات الشرعية، فمتى لزِمها، حُفِظَ وكُفِيَ من الشرور بحول الله وقوته.
فاتقوا الله تعالى، وثِقُوا بربكم، وكونوا دائمًا ربانيين، تفوزوا برضا رب العالمين.
نسأل الله تعالى أن يحيينا موحِّدين، وأن يميتنا موحِّدين، وأن يحشرنا في زمرة إمام الموحِّدين، مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا، إنه سميع الدعاء.
______________________________________________________
الكاتب: أحمد بن عبدالله الحزيمي
Source link