ظننا في ما سبق أن ما لا نبصره مقصور فقط على الغيبيات – أو عالم الغيب – وذلك مثل الجن والملائكة.. والروح، والسماوات العلُى الخ. ووهمنا أننا نبصر كل ما هو غير ذلك، فسميناه “عالم الشهادة”! ولو أنه قد لا يكون جديرا بهذا الاسم، ذلك أننا لم نكن قد علمنا بعد أننا لا نبصر إلا قليلا
قال الله تعالى
{﴿فَلا أُقسِمُ بِما تُبصِرونَ وَما لا تُبصِرونَ﴾} [الحاقة: ٣٨-٣٩]
ما نبصره نعلمه، وهذا طبيعي، لكن ماذا عما لا نبصره؟! فلو أن شيئا ما لا نبصره، فطبيعي أيضا ألا نعلمه حتى نعرف بقرينة أخرى غير الإبصار أنه موجود لكننا لا نبصره!
وعليه فإن ما نعرف مما لا نبصره هو قليل بالنسبة لكل ما لا نبصره، وكلما ازددنا علمًا علمنا عما لا نبصره أكثر فأكثر
ظننا في ما سبق أن ما لا نبصره مقصور فقط على الغيبيات – أو عالم الغيب – وذلك مثل الجن والملائكة.. والروح، والسماوات العلُى الخ. ووهمنا أننا نبصر كل ما هو غير ذلك، فسميناه “عالم الشهادة“! ولو أنه قد لا يكون جديرا بهذا الاسم، ذلك أننا لم نكن قد علمنا بعد أننا لا نبصر إلا قليلا جدا من عالم “ما هو ليس غيبا”!
ولما علمنا قصور البصر والحواس وما يساعدهما من التكنولوجيا، فقد اضطررنا إلى إنشاء مبدأ جديدا في العلم – والمعرفة عموما – مفاده أن دليل الوجود لم يعد بالضرورة أن نشاهده، ولكن يكفي أن نقيس أثره.
** أمثلة اكتشفها الإنسان في المرحلة الأولى للنهضة العلمية الحديثة:
* الطيف غير المرئي من الموجات الكهرومغناطيسية
* وجود الالكترون والنواة – ومكوناتها الداخلية – وحركة الالكترون داخل الذرة، ثم اكتشاف باقي الجسيمات الأولية عدا الجرافيتون (لم يُكتـشَف أثرُه بعد)
* الحقول عامة، الحقل الكهرومغناطيسي وحقل الجاذبية، وغيرهما من الحقول
* الزمن وتطور مفهومه بعد ظهور النسبية الخاصة لكونه بعدا فيزيائيا غير مرئي
* مفهوم الزمكان (المكان مندمجا مع الزمان) وخصائصه و”انحنائه” بتأثير كثافة المادة أو كثافة الطاقة في العموم
# امثلة من الكون لما لا نبصره!
——————-
** أمثلة اكتشفها الإنسان في المرحلة الأخيرة من النهضة العلمية:
* توسع الكون باضطراد، بل تسارع هذا التوسع، حتى أننا لم نعد قادرين إلا على رصد جزء فقط من الكون حولنا يسمى “الكون الذي يمكن اكتشافه” Discoverable Universe، أما ما وراء هذه الكرة فهذا لا طاقة لنا باكتشافه مهما تقدمت علومنا!
* مجال هيجز … المسئول عن اكتساب الجسيمات الأولية لكتلتها القصورية، ومجال هيجز يفترض أن يمتد في الكون بأكمله بما فيها المادة
* المادة المظلمة (*)… وهي مادة لم يتم اكتشاف أثرها في المعمل (أو المصادمات) بعد لكن سبب فرض وجودها هو تأثير الجذبوي. ونسبتها في الكون 26.8٪ من الطاقة الكلية للكون
* الطاقة المظلمة … وهي نوع من الطاقة تم افتراض أنها يتخلل الكون كله، ويفترض أنها مسؤولة عن التوسع المتسارع للكون. ونسبتها في الكون 68.3٪ من الطاقة الكلية للكون.
ومجموع المادة المظلمة والطاقة المظلمة حوالي 95٪ من طاقة الكون!
خلاصة:
——–
# كل ما يستحيل قياسه (**) من الوجود هو عالم الغيب
# كل ما أمكننا قياسه (إجراء التجارب عليه) – ومنه ما نبصره وما لا نبصره – هو تقريبا 5٪ فقط من الطاقة الكلية للكون. وهذا يمكن أن نسميه الظاهر (ما ظهر إلى الآن ولو أثره) – من عالم الشهادة.
# كل ما لم يمكننا قياسه (لم يمكننا إجراء التجارب عليه) حتى الآن – وكله مما لا نبصره – هو تقريبا 95٪ من الطاقة الكلية للكون. وهذا يمكن أن نسميه الخَفِي (ما لم يظهر إلى الآن ولو أثره) من عالم الشهادة.
أي أن ما لا نبصره (وما لا تبصرون) هو:
———
1- كل عالم الغيب
2- أغلب الظاهر من عالم الشهادة
3- كل الخَفِي من عالم الشهادة (وهو أغلب عالم الشهادة)
الدرس المستفاد
———
مع تقدم المعارف البشرية يزداد الإنسان يقينا أن الاقتصار على حواسه في الاعتراف بالوجود هي أكبر حماقة يمكن أن يقع في الجنس البشري
والله أعلم
—-
#إلى_الله_تأملات_وخواطر
(*) من المفترض أنها لا تتفاعل مع الموجات الكهرومغناطيسية (بما فيها الضوء المرئي)، لذلك فمن المحال – حسب هذا الفرض – أن يتم رؤيتها أو قياس أي طيف كهرومغناطيسي لها.
(**) نعرف الاستحالة عادة من الدين
Source link