سُئل ابن مسعود: ما الصراط المستقيم؟ قال: (هو طريقٌ تركنا النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في أولهِ وآخره في الجنة)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
في قول الله – جَلَّ وَعَلَا -: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6]، ما هذا الصراط المستقيم اَلذِي أمرنا الله – تَبَارَكَ وَتَعَالَى – أنْ ندعوهُ في الفرائض سبع عشرة مرة أنْ يدلنا وأنْ يرشدنا إلى هذا الصراط المستقيم؟
قبل أنْ نبيِّن هذا الصراط المستقيم نقرِّر مسألة مهمة جدًّا في قول الله – جَلَّ وَعَلَا -: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:3]، فما مات النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إلا وقد بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة، وكشف الله بهِ الغمة، فصلى الله عليه وسلم.
• قال – عَلَيْهِ اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «تركتُكم على البيضاءِ ليلِها كنهارِها لا يزيغُ عنها بعدي إلا هالِكٌ».
فالصراط المستقيم هو الإسلام، الإسلام اَلذِي ارتضاهُ الله – تَبَارَكَ وَتَعَالَى – وهو دين -آدم عليه السلام – ودين جميع الأنبياء – عَلَيْهِم اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ – وهو دينُ إبراهيم إمام الحنفاء ودين خاتم الأنبياء والمرسلين – عَلَيْهِ اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
• الإسلام اَلذِي يعتقد فيهِ المسلم الصراط المستقيم، هو استسلامهُ لله – تَبَارَكَ وَتَعَالَى – بالتوحيد، فيسمو بعقيدة لا إله إلا الله، ويتحرر من ذل العبودية لغير الله – جَلَّ وَعَلَا – الصراط المستقيم هو الإسلام اَلذِي ينقاد فيهِ المسلم باطنًا وظاهرًا لله بالطاعة، فترتسم معالم منهجيته في هذه الحياة، فيقوم إسلامُه على عقيدةٍ صافية وعبادةٍ مخلصة، وخلقٍ فاضلٍ، وأدبٍ جمٍّ.
سُئل ابن مسعود: ما الصراط المستقيم؟ قال: (هو طريقٌ تركنا النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في أولهِ وآخره في الجنة)، وقد وضح النبيّ -صلى الله عليه وسلم- هذا الصراط للصحابة – رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُم – بمثلٍ ضربهُ للصحابة، فخطَّ خطًّا وخطَّ خطين عن يمينه، وخطَّ خطين عن يسارهِ، ثم وضع يده – عَلَيْهِ اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ – في ذلك الخط المستقيم، فقال: «هذا سبيل الله»، ثم تلا هذه الآية: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:153]».
• إنَّ أعظم بلاءٍ يتعرض لهُ المسلم في طريقهِ إلى الله – تَبَارَكَ وَتَعَالَى – وهو يسلك هذا الصراط المستقيم، عداوة الشيطان الرجيم اَلَّذِي أخذ العهد والميثاق على أنهُ يذلُّ بني آدم، فهو جالس للعبدِ في جنبات هذا الطريق يريد أنْ يأخذهُ ذات اليمين وذات الشمال، {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف:16-17].
وكل طريقٍ يسلطهُ ابن آدم الشيطان قاعدٌ فيهِ، يريد أنْ يصدهُ عن الحقِّ وعن الهدى، {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}، فزيَّن الشيطان لدعاة البدع صدَّ الناس عن الحق، وعن الصراط المستقيم اَلَّذِي ارتضاهُ الله – تَبَارَكَ وَتَعَالَى – للبشرية.
فمن الناس مَنْ جعل هذا الصراط المستقيم مقتصرًا على المسجد، ولا شأن للإسلام وهذا في شؤون الحياة، ومن الناس مَنْ جعل هذا الصراط المستقيم مقتصرًا على التصديق عند تعريفهِ للإيمان، ولا دخل للأعمال في مسمى الإيمان، فلا يزيد الإيمان ولا ينقص، وساوى بين إيمان أبي بكرٍ ومَن زنى وشرب الخمر، نعوذ بالله من ذلك.
ومنهم مَنْ جعل هذا الصراط المستقيم عند حديثهِ عن الإيمان، جعل الإيمان شيئًا واحدًا:
• إمَّا أنْ يبقى كلهُ.
• أو يذهب كلهُ.
فكفّروا مَنْ وقع في كبيرةٍ من كبائر الذنوب، واستحلُّوا دماء المسلمين بأدنى الحيل، وكل هذا والله جنايةٌ من أولئك على مفهوم صراط الله المستقيم اَلَّذِي ارتضاهُ الله – تَبَارَكَ وَتَعَالَى – للخلقِ أجمعين، فاللهم احفَظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام راقدين، والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد.
Source link