الاقتناع وقوة الإقناع – طريق الإسلام

إنَّ غياب وعي الفتاة بحقيقة فطرتها وحاجاتها، وجهلها برسالتها ودورها في المُجتمع المسلم – أبرز انحرافاتٍ كبيرةً

من الواجب على الفتاة المُسلمة أن تعْتَزَّ بدينها، وترفع رأسها؛ {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} [آل عمران: 139]، نقولها بكل صَرَاحة: “لقد انتهى عهدُ الخجل والتواري من الانتساب لهذا الدِّين، والعمل بأوامره، والانتهاء عن نواهيه؛ لقد بدأ عهد المُصارحة العلنيَّة”.

وحتَّى نتمكَّن من إقناع الفتاة للاعتداد بثقافتها ودينها، لا بُدَّ أن نقوم بالآتي:
1- تسليحُها بالعلم الشَّرعي الصَّحيح، وإعانتها على تحصيله؛ بالعلم الشرعي تكشف ضلالَ المُضللين، وانحرافَ المُنحرفين، وبالعلم الشَّرعي تعي الفتاة وتدرك حقيقةَ مُخطَّطات المُنافقين، الذين يتربَّصون بها وأخواتِها دوائرَ الشُّبهات والشهوات؛ لسلخها عن دينها وحيائها وعِفَّتها، وبالعلم الشَّرعي تقفُ الفتاة شامِخة في عليائها شموخَ الجبال الرَّاسيات، لا تزعزعها شُبهة ولا تغريها شَهوة، وتقف موقفًا راسخًا ممن يزعزعُ دينَها وقيمها وأخلاقها، وهذا الواجب تقوم به الجامعاتُ، والمُؤسسات المعنيّة بالمرأة، والدَّاعيات الفقيهات بالعلم الشرعي، والدُّروس العلميَّة في المساجد وعَبْر وسائل الإعلام بمختلف أنواعه، وفي ذلك حصانة واعتزاز.

2- أن يغرس في فكرها أنَّ العقلاء في النَّاس لا يغترُّون بالمظاهر الزَّائفة؛ بل يجعلون المعيار والقيمة للمَرء بقدر عقلهِ وقوة حجته، وحسن فعاله وفصاحة لسانه؛ فهؤلاء لا يجعلون قيمتها في أنوثتها وجمالها؛ رُوي عن علي – رضي الله عنه – قوله: “قيمة المَرء ما يُحْسنه“؛ ومن هنا وجب على القائمين على بَرامِجها أن يكسبوها الفكر النَّاقد للأفكار المُنحرفة التي أفرزتها العولمة، ونَعَقَ بها دعاةُ التَّحرير والتَّغريب؛ ففي ذلك بيانٌ لسبيل المجرمين.

من هذه الأفكار المغلوطة: مفهوم الحرِّية“؛ فالغربُ الكافر دعا إلى الانحطاط، وشيوع الفاحشة، والانسلاخ من كُلِّ خُلُق ودين؛ باسم الحُرية الشخصيَّة، وعدم القوامة عليها؛ فذاقت بذلك مرارة الحرِّية الشخصية: بارتفاع نسبة المُخدِّرات والزِّنا، والاغتصاب والسَّرقات، وأصبحت المرأة سلعة من السِّلع؛ كقطعة أثاث تباعُ وتشتَرى ثُمَّ ترمى؛ يقول الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: “إنَّ الحرية الجاهليَّة البهيمية معناها: أنَّ كلَّ إنسانٍ يفعل ما يشاء، ويأتي ما يشاء، ويعبد ما يشاء…”؛ لذلك يجبُ أنْ تفهم الفتاة حقيقة الحرِّية في إسلامها: “أنْ يَحْيا النَّاس كما يشاءُ الرحمن لها؛ بالأحكام الرَّبانية، وفْقَ القرآن، والسنة النَّبوية، والشرع المطهر”.

ومن ذلك:مفهوم اللباس الشرعي“، الذي هو مَظهر من مظاهر المرأة المُسلمة، فإذا لبست لباسًا غربيًّا؛ تقليدًا للغربيَّات، وتشبُّهًا بالكافرات، واتِّباعًا لهن، وأخذت بالموضات في الحجاب والأزياء – فهذا هو الخطر الذي نخشاه؛ فإنَّ التشبه في الظاهر يُؤدي إلى تشبُّه بالباطن إلى تأثير بالأخلاق والعادات والعقائد، أمَّا إذا عرفت الفتاة الغاية من اللباس والحجاب، وأنَّها تتعبد الله بذلك، وقد شرعه؛ صيانةً لها، وطهارة لقلبها، وحماية من النُّفوس المريضة الطامعة – استطاعت بكُلِّ شموخ وعزَّة أن تفتخر بحجابها الإسلامي؛ بذا تكون عصِيَّة على التَّغريب ودعاة التحرير.

3- تدريب الفتيات على الحوار والنِّقاش القائم على قُوَّة الإقناع بالحجة والبيان؛ وذلك من خلال صياغة المناهج التعليميَّة، التي تبرز شخصية الفتاة، وتسهم في حلِّ قضاياها النَّفسيَّة والسُّلوكية والاجتماعية؛ مِمَّا يكسبها القُدرة على إظْهار الاعتزاز بهذا الدِّين ومعرفة خصائصه ومزاياه، ولا بُدَّ من إعدادها وتفعيل دَوْرها؛ بإعطائها الفرصة للكتابة والإلقاء في المجتمعات النِّسائية، وصقل موهبة القادرات على تَحمُّل الدَّعوة؛ بالدَّورات الشَّرعية، واللقاءات الثَّقافية المكثفة، والتَّجارب الثَّرية، التي تركز على دور المرأة في الرَّد على شبهات أدعياء التَّحرر، وتبصيرها بالتَّحدِّيات التي تُواجه المرأة المُسلمة في هذا العصر، والمرأة أقدرُ من الرَّجل على طرح ما يهم الفتاة المعاصرة، وأعرف بقضاياها المُلِحَّة، متى رزقت علمًا وفقهًا وإخلاصًا، وهي أقوى في إقناعهن بعدم الاستجابة لشُبهات المغرضين، والرد على المبطلين، ولئن كنَّا في الماضي لسنا بحاجة إلى مثل هذا الإعداد؛ فقد أصبحنا اليوم نُغْزى بهذه الشبهات في عقر دورنا.

لذا تبدو الحاجة مُلحَّة إلى وضع التَّصوُّرات الإسلاميَّة؛ لإعداد الفتاة المسلمة إعدادًا يتناسب مع المُتغيرات الاجتماعية الحديثة، التي تُعد من أعظم أسباب انحراف كثير من النِّساء؛ لذا يجب على المُتخصصين بالدرجة الأولى أنْ يقوموا بواجبهم العِلْمي في تحقيق هذه المقاصد الحسنة، ودعم هذا المجال التَّربوي الحيوي الهام في القطاعين الحكومي والخصوصي.

4- تبصير الفتاة بطبيعتها وفطرتها التي فَطَرها الله عليها، وتبصيرها بحاجاتها النفسيَّة والاجتماعيَّة، ودورها الفعَّال في المجتمع، لا سيما في هذا العصر الذي أصبحت فيه مشكلة الانحرافات الخلقية تُشكِّل خطرًا محدقًا بالأمة.

إنَّ غياب وعي الفتاة بحقيقة فطرتها وحاجاتها، وجهلها برسالتها ودورها في المُجتمع المسلم – أبرز انحرافاتٍ كبيرةً؛ بسبب ما تعانيه من جهل، حيث شاركت في الغناء والموسيقى، وفي مجالِ السينما والتَّمثيل، كما أن الحجاب – الذي يعد من أهم خُصوصيَّات الفتاة – أصبح نَبْذُه شعار المرأة المتحضرة المعاصرة، إلى غير ذلك من الانحرافات والضلالات، التي أصابت كثيرًا من الإناث في هذا العصر.

5- إحياء معاني الإيمان في قلبها، وربط هذه المعاني بسعادتها في الدُّنيا والآخرة، وأنَّ العزَّة في اتِّباع شرع الله؛ {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} ​​​​​ [المنافقون: 8]، فالمؤمن يسمو على خِلْقته الطِّينية التي سلَّ منها، بروحه الموصولة بالجانب العلوي، إذا خالط الإيمانُ بشاشة قلبه، فإذا علا إيمانها، اعتزَّت بحجابها، ورضيت بالقرار في بيتها، واصطبغ الحياء بتصرفاتها، وعرفت طبيعة تكوينها، فلم تنجرفْ خلف كلِّ ناعق؛ بل جعلت شرْعَ الله هو سائقها ودليلها، فيجب على المُربِّين أن يعرضوا قضايا الفتاة بأسلوبٍ إيماني عصري مُقنع، قائمٍ على الحجة والبيان؛ ليتغلغل الخير والصلاح في قلبها.

__________________________________________________
الكاتب: 
أ. سلمان الجدوع


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

شرح ما يفعل من رأى الرؤيا أو الحلم

منذ حوالي ساعة الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان؛ فإذا رأى أحدكم شيئاً يكرهه؛ فلينفث …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *