أهم مهارة في الحياة مهارة اتخاذ القرار، ومفهوم اتخاذ القرار هو: عملية الاختيار الأمثل من بين خيارين أو أكثر.
أهم مهارة في الحياة، مهارة يجب علينا أن نُتقنها وأن نعلِّمها أولادنا وموظفينا وكافة المسلمين والبشر كافة، مهارة إذا أتقنها الإنسان كانت له سبب مهم في النجاة من النار، ودخول الجنة بإذن الله، وسبب في الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة، إنها مهارة اتخاذ القرار، ومفهوم اتخاذ القرار هو: عملية الاختيار الأمثل من بين خيارين أو أكثر.
عباد الله، قال الله تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان: 3]، وقال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: 5 – 10]، وقال سبحانه وتعالى: {ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا} [النبأ: 39]، وقال تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف: 29]، وقال تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 256].
أيها المسلمون، إن المتدبر في الآيات السابقة ليَعلم تمام العلم أن الله قد جعل للإنسان قدرة على الاختيار في الحياة الدنيا، وذلك من تمام عدله سبحانه وتعالى.
عباد الله، تدبَّروا هذه الآيات؛ قال الله سبحانه وتعالى لأبينا آدم عليه السلام: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [البقرة: 35، 36].
عباد الله، إن الشيطانَ حاضرٌ في كل قرار يتخذه الإنسان في حياته؛ لكي يجعله يتخذ القرار الذي يُبعده على مصلحته في الدنيا والآخرة، فالشيطان يريد أن يكون الإنسان شقيًّا في الدنيا والآخرة، يريده مشركًا ضعيفًا مريضًا فقيرًا حزينًا بائسًا خاسرًا في الدنيا والآخرة، وإن كل قول وصمت وكل فعل وترك، وكل شعور إيجابي وسلبي، إنما هو قرار يتخذه الإنسان، وإن الله سبحانه وتعالى من تمام عدله أن أعطى الإنسان القدرة على الاختيار الأنسب، فالإنسان يختار أن يدخل الإسلام ويختار الخروج منه، ويختار الإيمان أو الكفر، ويختار الشكر أو الجحود، ويختار الطاعة أو المعصية…..
إن حياتنا كلها عبارة عن اتخاذ قرارات، وقد نصيب وقد نخطئ، فإن أَصبنا سعِدنا في الدنيا والآخرة، وإن أخطأنا عمدًا أو إهمالًا شقِينا في الدنيا والآخرة.
عباد الله، إن عملية البيع والشراء والزواج والطلاق، وأداء أركان الإسلام وتركها، والسفر والإقامة، واختيار التعلم أو الجهل، والإقدام على الطاعة أو المعصية، وإنفاق المال في الحلال والحرام، والمحافظة على الصحة والقيم، والتعامل الحسن مع جميع الناس، إنما هي قرارات، فمنا من يُحسن اتخاذ القرار ومنا مَن يسيء قراراته.
فقد أولى العلماء اهتمامًا كبيرًا في تحديد خطوات عملية إجرائية لاتخاذ القرار الرشيد، وإن العمل بهذه الخطوات لهو من التوكل على الله حقَّ توكُّله؛ قال الله سبحانه وتعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159].
وإليكم مراحل عملية اتخاذ القرار:
1- تحديد المشكلة وتشخيصها أو تحديد الهدف النهائي من التغيير.
وهذه المرحلة من أهم المراحل التي يجب على الفرد توخي الدقة والإتقان في أدائها، فتحديد المشكلة وتحديد الهدف مرحلة حساسة تترتب عليها المراحل القادمة، فالخطأ في هذه المرحلة يؤدِّي إلى الفشل في جميع الخطوات التي تتبعها، وهنا واللهِ يحذر إبليس وجنوده، ويُكثِّفون جهودهم في هذه المرحلة لأهميتها، فمثلًا قرر إنسان أن يدخل الجنة، أو أن يزيد من دخله الحلال، أو أن يحافظ على صحته، أو أن يحلَّ مشكلة للمسلمين أو للبشر، هنا يحضر إبليس وجنوده لإفشال المشروع وإجهاضه في مهده، وإن قرَّر الإنسان أن يكفر أو يشرك أو يعصي الله، أو ينشر منكرًا، أو يطلق أو يفسد في الأرض، فإن إبليس وجنوده يُزينون الهدف ويزينون الخطوات، ويدعمون ذلك.
2- جمع البيانات والمعلومات والبدائل، في هذه المرحلة يجب أن نجمع المعلومات من مصادرها الصحيحة الموثَّقة، ويجب أن تكون مكتوبة واضحة كاملة، وهنا يجب استشارة أهل العلم الموثوقين كل في تخصُّصه.
3- تحديد البدائل المتاحة، وقد تكون اثنين أو أكثر، داخلية أو خارجية، سهلة أو صعبة، وهنا أيضًا يحضر إبليس وجنوده؛ إما بصرف الإنسان عما يحقِّق شكر الله، أو بتوجيهه لكفر النعم، أو بتقديم المفضول على الفاضل، ويسعى إبليس في هذه المرحلة إلى صرف الإنسان عن الموارد الصحيحة أو نقصها أو للتعجيل، أو التسويف أو إعجاز الإنسان وتكسيله، أو إعاقته أو إيقافه.
4- التقييم العلمي للبدائل واختيار أفضلها، وهناك مصفوفة جميلة ابتكرها الإنسان للمقارنة بين البدائل المتاحة؛ بحيث تكون البدائل في العمود الأيمن وتكون معايير الاختيار في رؤوس الأعمدة الأخرى، ثم نجعل لكل معيار نقاطًا إيجابية، ونجمع النقاط في كل صف لكل بديل، وسنحصل على أعلى نقاط للبديل الأفضل.
5- اختيار البديل المناسب.
6- التنفيذ الفوري للقرار، ومتابعته بعد عملية اختيار البديل المناسب، تأتي عملية التنفيذ، وتتبعها بداية ظهور الآثار والنتائج المترتبة عليها سلبية كانت أم إيجابية، وبروز نقاط القوة والضعف، وبدء عملية تقييم النتائج المترتبة، ومدى كفاءتها في تلبية المتطلبات التي وُضعت لأجلها، وفي حال عدم تحقق النتائج المرجوَّة من القرار يجب إعادة هيكلة قرارات بديلة وتصحيحيَّة، لسد الثغرات الحاصلة، وإيجاد البدائل والحلول المناسبة من جديد.
_________________________________________
الكاتب: لاحق محمد أحمد لاحق
Source link