منذ حوالي ساعة
تحرص الدوائر المعادية للعالم الإسلامي على استمرار القطيعة بين تركيا والعرب، فالتعاون بين الجانبين يزيد من قوة المسلمين
تحرص الدوائر المعادية للعالم الإسلامي على استمرار القطيعة بين تركيا والعرب، فالتعاون بين الجانبين يزيد من قوة المسلمين، ويجعلهم يعودون إلى الساحة الدولية كيانًا ضخمًا تصعب السيطرة عليه، ويعيد إلى الأذهان فكرة التعاون على أساس الوحدة الإسلامية التي اختفت منذ الحملات الاستعمارية وضعف الدولة العثمانية وسقوطها، ويكون بداية لتشكيل حالة من الوعي أمام الأجيال الجديدة التي عاشت فترة مظلمة من التبعية والإذلال في ظل الهيمنة الخارجية.
جاء الفوز المستحق للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات الأخيرة وانتصاره على تكتل المعارضة الداخلية والدول الغربية ليفتح آفاقًا جديدة في العلاقات بين الأتراك والعرب، وكان الدعم الشعبي القوى سببًا في تصحيح الكثير من المواقف السياسية، التي كانت ضد تركيا، ودفع الكثير من الدول العربية إلى القبول بالأمر الواقع، والتعامل مع إسطنبول كعاصمة لدولة كبرى لها تأثيرها ونفوذها على الصعيدين الإقليمي والدولي.
كانت المبادرة من أردوغان الذي أكد الانفتاح على العرب، وإعادة الحياة إلى قنوات الاتصال والتواصل التي كانت متعطلة بتأثير مباشر من القوى الدولية، التي عمقت القطيعة لوضع نهاية للرابطة الإسلامية، التي حمت العالم الإسلامي قرونًا، وجاءت جولة الرئيس التركي الخليجية في يوليو/تموز الماضي لتبديد الجمود وفتح أبواب التعاون الاقتصادي، والأهم هو الاتفاقات العسكرية التي تسببت في الانزعاج الغربي من هذا التطور الجديد.
الاستفادة من السلاح التركي
المثير للاهتمام أن الأتراك لم يبخلوا بتقديم خبرتهم في مجال التسليح لغيرهم من العرب، وهذا يخالف المتعارف عليه دوليًّا، فكل الدول المصنعة للسلاح تحتكر أسرار أسلحتها لنفسها، لتربح من صفقات البيع، كما أنها لا تبيع كل أسلحتها خاصة في المنطقة العربية لحماية الكيان الصهيوني، فأمريكا رغم ما تجنيه من دول الخليج لا تبيع لهم الطائرات المقاتلة الفائقة، ولا تبيع لهم منظومات الدفاع الجوي المتقدمة.
وهذا القبول التركي بنقل التكنولوجيا يستحق التقدير، وخطوة ذكية جدًّا لصالح تقوية العالم الإسلامي أمام خصومه، فحالة الانهزام التي يعيشها المسلمون والعرب سببها الضعف العسكري الذي فتح الطريق أمام الأساطيل الأوروبية منذ القرن السادس عشر لاحتلال العواصم الإسلامية من المغرب وحتى إندونيسيا ونهب ثرواتها، وما زالت هذه السيطرة حتى الآن هي التي تجعل المسلمين تحت الاحتلال بأشكاله وألوانه، وهذا الضعف العسكري يشجع القوى الخارجية لمنع أي محاولة للتحرر والاستقلال.
نقل التكنولوجيا العسكرية من تركيا إلى السعودية نموذج يحتذى به، يمكن تكراره في مصر والجزائر ودول إسلامية أخرى، ويمكن توسيع مجالاته، لسد نقاط الضعف في أنظمة التسليح المتعددة، والاستفادة من المليارات العربية التي يتم إنفاقها في شراء الأسلحة التقليدية التي لا تحقق الحماية ولم يعد لها أي أهمية، وقد كشفت الحروب الأخيرة خاصة في أوكرانيا أن القدرة الصاروخية والأسلحة الذكية والمسيّرات هي أسلحة حسم الحروب المستقبلية.
الحواداث العنصرية ضد العرب في تركيا!
لا يمكن فصل الحملة الإعلامية بشأن حوادث الاعتداء على العرب في تركيا عن الغضب الأوروبي والأمريكي من توطيد العلاقات بين العرب وتركيا، فهذه الحوادث مُبالَغ فيها، فالمشاجرات موجودة في كل الدول بين أبناء البلد الواحد، وفي ظل وجود ملايين من السياح العرب في تركيا، طبيعي أن تحدث مشاجرات واحتكاكات، لكن تظل حوادث معزولة وليست ظاهرة عنصرية خارجة عن السيطرة.
لقد لاحظنا في حملات الدعاية التي صاحبت الانتخابات الأخيرة بروز أصوات متطرفة من المعارضة التركية حرضت ضد اللاجئين السوريين، وأعلنت أرقامًا مُبالغًا فيها لحشد أصوات العنصريين، وقد نجحوا في إثارة قطاعات من الكارهين للتوجه الإسلامي لحزب العدالة والتنمية، وقد سممت هذه الافتراءات الأجواء ضد المهاجرين، لكن بعض هؤلاء السياسيين من الطابور الخامس الذي يعمل لصالح القوى الخارجية يقوم الآن بتوجيه الحملة ضد العرب وليس المهاجرين فقط.
هناك أبواق وصفحات على مواقع التواصل معروفة بتوجهها الصهيوني مخصصة لنشر التحريض، وقد لاحظت أن بعض الصفحات المزيفة بأسماء تركية تقوم بإعادة بث صور المشاجرات وتصويرها على أنها منتشرة في عموم تركيا، وكثيرًا ما تنشر أخبارًا كاذبة وتدق طبول الحرب، كما أن بعض العرب يشاركون بدون قصد في الحملة بنية الضغط على الحكومة التركية فيخوفون الآخرين.
هذه الحملة تخدم أعداء تركيا والعرب، فالسياحة العربية مصدر دخل للأتراك، ووجودهم يحسّن من الاقتصاد التركي، ولا يوجد عاقل يحب بلده يحرض ضد العرب، فهم ليسوا أعداء تركيا، فجنوبي تركيا به عرب وشمالي سوريا به تركمان، كلهم مسلمون، بل إن زوجة الرئيس التركي السيدة أمينة أردوغان من أصل عربي، والحق الذي يؤمن به كل مسلم هو أن الإسلام لا يعرف الفرق بين القوميات، فالدين يوحدنا ويجمعنا، ومن يسعى للفرقة هو في حقيقته كاره للإسلام الذي كان سببًا في وجود تركيا.
الحقيقة أنه كلما زاد التعاون الإسلامي زادت حملات الهجوم وافتعال الصراعات بين القوميات، لكن مواجهة هذه الحملات يكون بإعادة الاعتبار إلى الثوابت الإسلامية، وترسيخ فكرة الاعتصام بحبل الله لتقوية حصانة شعوبنا.
الفرصة متاحة أمام العرب والأتراك لإنهاء التبعية واستعادة قوة العالم الإسلامي، وعليهم اغتنام حالة الفراغ الدولي والاستعداد لنظام عالمي جديد، على أسس عادلة، يكون المسلمون فيه لهم مكانهم واحترامهم، فلْيسيروا في طريق التعاون ولا يبالوا بمؤامرات القوى الكبرى التي كانت متفرغة لضربنا وتفريقنا، فكلها تُستنزَف الآن في حروب الزعامة التي لن تنتهي في المستقبل القريب.
المصدر : الجزيرة مباشر
-
صحفي وكاتب مصري، شغل موقع مساعد رئيس تحرير جريدة الشعب، ورئيس تحرير الشعب الالكترونية.
Source link