منذ حوالي ساعة
إنَّ المستقبل للإسلام، ومن كان مسلمًا سينتصر، وكيف لا ينتصر ومعه الحقُّ الذي قامت به السَّموات والأرض، ومعه الله وملائكته والمؤمنون؟!
أربعةَ عشرَ قرنًا ونيِّفٌ انقضت على الإسلام منذ بَدْءِ الرِّسالة، حقَّق فيها انتصاراتٍ وإنجازات هائلةً، كما لَقِيَ فيها مصاعبَ ومحنًا قاتلة، حقَّق الإسلام انتصاراتٍ وإنجازات أشبه بالمستحيلات، لم يحققها دين غيره، ولا أمَّة غير أمته:
وانتصر على الفُرس والرُّوم، وهما القوتان اللتان كانتا تتنازعان السِّيادة على العالم القديم؛ قوة الفرس في الشرق، وقوة الروم في الغرب، وَرِثَهما الإسلام وحملةُ رسالته، وأنفقوا كنوزهما في سبيل الله.
كان الفتح الإسلامي فتحَ تَمَدْيُن للبلاد، وإصلاحٍ للعباد؛ لذا قال المؤرخون بحق: “ما عرف التاريخ فاتحًا أعدل ولا أرحم من العرب؛ أي: المسلمين”.
مُنذ فجر الإسلام بدأت حركات الرِّدَّة، فواجهها أبو بكر الصديق بعزيمة مُنقطعة النَّظير، حتَّى آب العرب من جديد إلى هذا الدِّين.
وجاء الصليبيون بقَضِّهم وقَضيضِهم، فدخلوا فلسطين، واستولوا على بيت المقدس، وأقاموا في بلاد المسلمين وعلى أنقاضهم إماراتٍ وممالكَ ظَلَّت نحو قرنين من الزمان.
وفي العصر الحديث ابتُلِيت بلادُ الإسلام بالاستعمار، وتَحوَّل أكثر بُلدانِهم إلى مستعمرات.
لما دخل القائد العسكري البريطاني (اللنبي) سنة 1917م القُدْسَ، قال كلمته المعروفة: “اليوم انتهت الحروب الصليبية”، ولما دخل القائد العسكري الفرنسي دِمَشْقَ، ووصل إلى قبر صلاح الدين، وَقَفَ يقول بشماتة: “ها قد عدنا يا صلاحَ الدين”.
ومن شر ما حَدَثَ في هذا القرن: قيام الكِيَان الصِّهْيَوني، فقامت لهم دولة بعد أن تَمزَّقوا في الأرض، وقطعهم الله فيها وفرقهم، لقد قام لليهود كيان، وقامت لهم دولة في قلب بلاد الإسلام، عند المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، وظَلَّ هذا الكيان يُحاول ويقاتل؛ حتَّى يثبت أقدامه في ظِلِّ ضعف عربي ودعم غربي.
قامت لليهود دولة، ولكن هيهات أن تستمر!
فالمسلمون قد يضعُفُ أمْرُهم، ولكن لا يموتون، فيوم يعودون لدينهم وشرعهم سيكتب الله لهم النَّصر، والشَّرع والتاريخ شاهدان على ذلك، والسُّنة الرَّبانية والتاريخ كلاهما يؤكِّدان حقيقة “أنَّ الإسلام خالد وباقٍ”.
فكُلَّما هبط تاريخ الأمة الإسلامية، سرعان ما يعلو، نحن المسلمين نواجه واقعًا غَدَا فيه الإسلامُ غريبًا، وأمته مهزومةً، وأحواله مضطربةً، وأعداؤه يتربصون به، ومع ذلك فإنَّنا نرى النور ينبثق من قلب الظلام، والانتشار يشرق من وسط الغربة.
وهذا حديث رسول الله يؤكد أنَّنا – وإن عشنا غربةً – لابُدَّ أن نعيش من بعدها نصرًا: «بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود غريبًا، فطوبى للغرباء»، قالوا: يا رسول الله، ومن الغرباء؟ قال: «الذين يصلحون عند فساد الناس».
بدأ الإسلام غريبًا ثم انتشر، وفي تاريخه تجدَّدت غربته، وتجدد معها نصره، وفي واقعنا نرى ملامحَ النَّصر تلوح في أفق هذه الغربة الحاضرة.
نحن لا ندري كم بَقِيَ من عمر هذه الدنيا، لا ندري ذلك، ولكنَّ الذي نعلمه يقينًا أنَّ الإسلام باقٍ ما بقيت الحياة، وأنَّه ما بقيت الشَّمس تطلُع وتغرب فإنَّ الإسلام يتجدد ولا يتبدد، وقد تَمرض أمَّته ولكنها لا تموت، وعندما يظُنُّ أعداؤها أنَّها أصبحت جثةً، وأنها أوشكت أنْ تُدفَن – يبدأ فجرٌ جديد لها يحير الأعداء، ويجعلهم ينسحبون من حيثُ أقبلوا، ويتقهقرون من حيث تقدموا.
إنَّ هذا الدين باقٍ إلى قيام الساعة، والله – تعالى – يقول: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8].
إنَّ المستقبل للإسلام، ومن كان مسلمًا سينتصر، وكيف لا ينتصر ومعه الحقُّ الذي قامت به السَّموات والأرض، ومعه الله وملائكته والمؤمنون؟!
وهذا مستشرق أمريكي ذو أصل لبناني (فيليب حتي)، يبيِّن في كتابه “تاريخ العرب”: “إنَّ الأمة الإسلامية واجهت في أوائل القرن الثاني عشر للميلاد وضعًا غريبًا، فقد اندحرت في كُلِّ جبهة، وانهزمت في كُلِّ ميدان، وانطلقت بين الناس كلمةٌ واحدة، هي: إنَّ كلَّ شيء يُؤذن بزوال دين محمد.
وفي الوقت نفسِه استطاع التَّتار شرق العالم الإسلامي أن يهدموا المُدُن العظام، ولما دخلوا بغدادَ، ورَمَوا بالكتب الإسلاميَّة في الفُرات، حتَّى اسودت المياه من كثرة الحبر الذي بَادَ.
هكذا وصف (فيليب حتي) فصلاً من فصول التَّاريخ الإسلامي، ولكن في نِهاية الفصل قال: “وعندما انتهى هذا القرن كان هناك سؤال آخر: هل سيقف شيءٌ أمام دين محمد؟ كيف؟! ما الذي حدث؟!”.
الذي حدث أنَّ المسلمين استطاعوا أن يستردُّوا بيتَ المقدس بعد تسعين سنة من قيام دولة لاتينية فيه؛ حيث كانت فرنسا والفاتيكان هم الذين يُعيِّنون الولاة في بيت المقدس، سقطت الدولة اللاتينية في فلسطين، أسقطها صلاح الدين، وأعاد الأذان إلى المنارة الخرساء، وأعاد التوحيد وكلمته إلى المنبر الساكت، واستطاع المسلمون شرق العالم الإسلامي أن يُدخلوا التتار في الإسلام.
هذا هو دين الإسلام، وهذه هي أمَّة الإسلام.
يجب أن يُعرف أنَّه لا يموت، إنَّه باقٍ إلى قيام الساعة، وعندما ينتظر أعداؤه أن تُشيَّعَ جنازة الأمَّة المسلمة، يبدأ شروق شمسها من جديد.
القِلَّة والكثرة ليست هي السبب الحقيقي للنَّصر، فلقد انتصر المسلمون في بدر وهم قِلَّة، وانهزموا في حنين وهم كثرة، إنَّما ينتصر المسلمون إذا أحسنوا عَلاقتهم بالله، وأدَّوا ما عليهم له.
واللامبالاة وعدم الاهتمام من النِّفاق، فضلاً عن التخذيل والتنكيل.
إن على المسلمين أن يستيقظوا، وأن يعرفوا أن صلحهم مع الله هو أساس نجاحهم، وأن انتصارهم رهن باستقامة أمورهم.
آن لنا أنْ نعرف أنفسنا، نَحن مُسلمون قبل كُلِّ شيء، ونحن بالإسلام كلُّ شيء، وبغير الإسلام لا شيء، لا نقبل من أحد أنْ يقولَ لنا: عيشوا بغير الإسلام مهما كان؛ إننا مسلمون نعتزُّ برسالة الإسلام، نعيش بها، ونعيش لها، ونموت عليها.
______________________________________________________
الكاتب: محمود سفور
Source link