قوة الإسلام – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة

إنَّ المستقبل للإسلام، ومن كان مسلمًا سينتصر، وكيف لا ينتصر ومعه الحقُّ الذي قامت به السَّموات والأرض، ومعه الله وملائكته والمؤمنون؟!

أربعةَ عشرَ قرنًا ونيِّفٌ انقضت على الإسلام منذ بَدْءِ الرِّسالة، حقَّق فيها انتصاراتٍ وإنجازات هائلةً، كما لَقِيَ فيها مصاعبَ ومحنًا قاتلة، حقَّق الإسلام انتصاراتٍ وإنجازات أشبه بالمستحيلات، لم يحققها دين غيره، ولا أمَّة غير أمته:

 

وحَّد الإسلام العرب، وأخرجهم من الظُّلمات إلى النُّور، وجعل منهم خير أمة أخرجت للناس.

وانتصر على الفُرس والرُّوم، وهما القوتان اللتان كانتا تتنازعان السِّيادة على العالم القديم؛ قوة الفرس في الشرق، وقوة الروم في الغرب، وَرِثَهما الإسلام وحملةُ رسالته، وأنفقوا كنوزهما في سبيل الله.

وصل الإسلام في أقلِّ من قرن من الزمان إلى الصين شرقًا، وإلى الأندلس غربًا، وكاد أن يدخل فرنسا وأوروبا الغربيَّة، لولا ما قدَّر الله في معركة (بواتيه).

كان الفتح الإسلامي فتحَ تَمَدْيُن للبلاد، وإصلاحٍ للعباد؛ لذا قال المؤرخون بحق: “ما عرف التاريخ فاتحًا أعدل ولا أرحم من العرب؛ أي: المسلمين”.

 

ومع هذه الانتصارات والإنجازات المعجزة، فقد لَقِيَ الإسلامُ خلال تاريخه شدائدَ ومحنًا لو أصيب بها غيره لهلك وضاع.

مُنذ فجر الإسلام بدأت حركات الرِّدَّة، فواجهها أبو بكر الصديق بعزيمة مُنقطعة النَّظير، حتَّى آب العرب من جديد إلى هذا الدِّين.

ثم تدنَّى حال المسلمين إلى يوم أنْ دَخَل التتار بغدادَ، وحطَّموا الخلافة العباسيَّة، وقتلوا الخليفة، وأذلُّوا الأمة الإسلاميَّة أشدَّ الذل.

وجاء الصليبيون بقَضِّهم وقَضيضِهم، فدخلوا فلسطين، واستولوا على بيت المقدس، وأقاموا في بلاد المسلمين وعلى أنقاضهم إماراتٍ وممالكَ ظَلَّت نحو قرنين من الزمان.

وفي العصر الحديث ابتُلِيت بلادُ الإسلام بالاستعمار، وتَحوَّل أكثر بُلدانِهم إلى مستعمرات.

احتُلَّت بلادُ المسلمين ودخلها الاستعمار، وهو في الظاهر يحمل اسم الاستعمار، وفي الحقيقة يحمل روحًا صليبية حاقدة، لم يستطع القادة العسكريُّون أن يخفوها.

لما دخل القائد العسكري البريطاني (اللنبي) سنة 1917م القُدْسَ، قال كلمته المعروفة: “اليوم انتهت الحروب الصليبية”، ولما دخل القائد العسكري الفرنسي دِمَشْقَ، ووصل إلى قبر صلاح الدين، وَقَفَ يقول بشماتة: “ها قد عدنا يا صلاحَ الدين”.

ومن شر ما حَدَثَ في هذا القرن: قيام الكِيَان الصِّهْيَوني، فقامت لهم دولة بعد أن تَمزَّقوا في الأرض، وقطعهم الله فيها وفرقهم، لقد قام لليهود كيان، وقامت لهم دولة في قلب بلاد الإسلام، عند المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، وظَلَّ هذا الكيان يُحاول ويقاتل؛ حتَّى يثبت أقدامه في ظِلِّ ضعف عربي ودعم غربي.

قامت لليهود دولة، ولكن هيهات أن تستمر!

فالمسلمون قد يضعُفُ أمْرُهم، ولكن لا يموتون، فيوم يعودون لدينهم وشرعهم سيكتب الله لهم النَّصر، والشَّرع والتاريخ شاهدان على ذلك، والسُّنة الرَّبانية والتاريخ كلاهما يؤكِّدان حقيقة “أنَّ الإسلام خالد وباقٍ”.

فكُلَّما هبط تاريخ الأمة الإسلامية، سرعان ما يعلو، نحن المسلمين نواجه واقعًا غَدَا فيه الإسلامُ غريبًا، وأمته مهزومةً، وأحواله مضطربةً، وأعداؤه يتربصون به، ومع ذلك فإنَّنا نرى النور ينبثق من قلب الظلام، والانتشار يشرق من وسط الغربة.

وهذا حديث رسول الله يؤكد أنَّنا – وإن عشنا غربةً – لابُدَّ أن نعيش من بعدها نصرًا: «بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود غريبًا، فطوبى للغرباء»، قالوا: يا رسول الله، ومن الغرباء؟ قال: «الذين يصلحون عند فساد الناس».

وهذا الحديث لا يحمل على التشاؤم كما يظُنُّ المُنهزمون؛ ولكنَّه يحمل البشرى وَقْت الأزمات.

بدأ الإسلام غريبًا ثم انتشر، وفي تاريخه تجدَّدت غربته، وتجدد معها نصره، وفي واقعنا نرى ملامحَ النَّصر تلوح في أفق هذه الغربة الحاضرة.

نحن لا ندري كم بَقِيَ من عمر هذه الدنيا، لا ندري ذلك، ولكنَّ الذي نعلمه يقينًا أنَّ الإسلام باقٍ ما بقيت الحياة، وأنَّه ما بقيت الشَّمس تطلُع وتغرب فإنَّ الإسلام يتجدد ولا يتبدد، وقد تَمرض أمَّته ولكنها لا تموت، وعندما يظُنُّ أعداؤها أنَّها أصبحت جثةً، وأنها أوشكت أنْ تُدفَن – يبدأ فجرٌ جديد لها يحير الأعداء، ويجعلهم ينسحبون من حيثُ أقبلوا، ويتقهقرون من حيث تقدموا.

إنَّ هذا الدين باقٍ إلى قيام الساعة، والله – تعالى – يقول: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8].

إنَّ المستقبل للإسلام، ومن كان مسلمًا سينتصر، وكيف لا ينتصر ومعه الحقُّ الذي قامت به السَّموات والأرض، ومعه الله وملائكته والمؤمنون؟!

والله، إنَّ المستقبل للإسلام، لو أحسنَّا العمل، وصبرنا على طول الطريق، إنَّنا نؤكد أن الأمة قد تمرض ولكنها لا تموت، وقد تضعُف ولكنها سرعان ما تتجدد وتتماسك.

وهذا مستشرق أمريكي ذو أصل لبناني (فيليب حتي)، يبيِّن في كتابه “تاريخ العرب”: “إنَّ الأمة الإسلامية واجهت في أوائل القرن الثاني عشر للميلاد وضعًا غريبًا، فقد اندحرت في كُلِّ جبهة، وانهزمت في كُلِّ ميدان، وانطلقت بين الناس كلمةٌ واحدة، هي: إنَّ كلَّ شيء يُؤذن بزوال دين محمد.

لقد استطاع الصِّليبيون الزاحفون من غرب العالم الإسلامي أنْ يأخذوا بيت المقدس، وأن يتحسسوا الطريق إلى شمال الجزيرة العربية؛ كي يصلوا إلى القبر النَّبوي في المدينة المنورة.

وفي الوقت نفسِه استطاع التَّتار شرق العالم الإسلامي أن يهدموا المُدُن العظام، ولما دخلوا بغدادَ، ورَمَوا بالكتب الإسلاميَّة في الفُرات، حتَّى اسودت المياه من كثرة الحبر الذي بَادَ.

كان كلُّ شيء يُؤذن بزوال دين مُحمد، ما بَقِيَ إلا أنْ تنطبق الكماشة وتقترب أذرعتها على قَلْب العالم الإسلامي؛ ليتلاشى الإسلام من العالم كله”.

هكذا وصف (فيليب حتي) فصلاً من فصول التَّاريخ الإسلامي، ولكن في نِهاية الفصل قال: “وعندما انتهى هذا القرن كان هناك سؤال آخر: هل سيقف شيءٌ أمام دين محمد؟ كيف؟! ما الذي حدث؟!”.

الذي حدث أنَّ المسلمين استطاعوا أن يستردُّوا بيتَ المقدس بعد تسعين سنة من قيام دولة لاتينية فيه؛ حيث كانت فرنسا والفاتيكان هم الذين يُعيِّنون الولاة في بيت المقدس، سقطت الدولة اللاتينية في فلسطين، أسقطها صلاح الدين، وأعاد الأذان إلى المنارة الخرساء، وأعاد التوحيد وكلمته إلى المنبر الساكت، واستطاع المسلمون شرق العالم الإسلامي أن يُدخلوا التتار في الإسلام.

فإذا العالم الإسلامي يستأنف صفحةً جديدة، يتجاوز الهزائم، ويفتح دولاً جديدة؛ يفتح القسطنطينية على يد محمد الفاتح؛ لتسقط دولة الروم الشرقية، ويرفع علم التوحيد هناك.

هذا هو دين الإسلام، وهذه هي أمَّة الإسلام.

يجب أن يُعرف أنَّه لا يموت، إنَّه باقٍ إلى قيام الساعة، وعندما ينتظر أعداؤه أن تُشيَّعَ جنازة الأمَّة المسلمة، يبدأ شروق شمسها من جديد.

إنَّ انتصارنا وانكسارنا لا يرجعُ إلى قُوَّة أعدائنا أو ضعفهم، إنَّ انتصارَ المسلمين وانكسارهم يَعُودان إلى الأمة الإسلاميَّة نفسها، فإذا وحَّدت كلمتها، ومن قبل ذلك وحَّدت ربَّها، ولزمت أمره وأقامت حقه، نصرها؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7].

القِلَّة والكثرة ليست هي السبب الحقيقي للنَّصر، فلقد انتصر المسلمون في بدر وهم قِلَّة، وانهزموا في حنين وهم كثرة، إنَّما ينتصر المسلمون إذا أحسنوا عَلاقتهم بالله، وأدَّوا ما عليهم له.

وفي هذه الظُّروف ونحن نشهد هذه الحرب بين الإسلام وأعدائه، لا بُدَّ أن يستيقظَ إيماننا، وأن يُحركنا إلى الوجهة الصَّحيحة، فالشعور والتعاطُف إيمانٌ، والدَّمع في السَّحَر إيمان، والدَّعوات إيمان، وكُلُّ عمل يخدم الإسلام من الإيمان.

واللامبالاة وعدم الاهتمام من النِّفاق، فضلاً عن التخذيل والتنكيل.

إن على المسلمين أن يستيقظوا، وأن يعرفوا أن صلحهم مع الله هو أساس نجاحهم، وأن انتصارهم رهن باستقامة أمورهم.

إنَّنا نستبشر بمستقبل الإسلام، إننا نعتقد أن بعد الليل فجرًا، وأن مع العُسر يسرًا، وأن هذا الإسلام سينتصر؛ قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33].
وقال – صلَّى الله عليه وسلم -: «ليبلغن هذا الأمر ما بَلَغ الليل والنَّهار، ولا يترك الله بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلاَّ أدخله الله هذا الدِّين بعِزِّ عزيز، أو بِذُلِّ ذليل، عزًّا يعزُّ الله به الإسلام، وذلاًّ يذل الله به الكفر»؛ (مسند الإمام أحمد) .

آن لنا أنْ نعرف أنفسنا، نَحن مُسلمون قبل كُلِّ شيء، ونحن بالإسلام كلُّ شيء، وبغير الإسلام لا شيء، لا نقبل من أحد أنْ يقولَ لنا: عيشوا بغير الإسلام مهما كان؛ إننا مسلمون نعتزُّ برسالة الإسلام، نعيش بها، ونعيش لها، ونموت عليها.

______________________________________________________
الكاتب: 
محمود سفور


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

الشدة والفرح – علي بن عبد العزيز الشبل

«إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ» جاءت هٰذِه الكلمة دلالةً عَلَىٰ ما في قلوب المؤمنين، من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *