منذ حوالي ساعة
جاءت كل هذه الإنذارات من الحرائق والصواعق والزلازل والرياح والأمطار والطوفان من الله ليتذكر أولوا الألباب
لقد اعتداد الإنسان أن يرى الكون من حوله بجماله ودقته وروعته في خدمته، يراه مذللًا له بكل مكوناته. وهنا نسمع الكثير من الناس يتحدث بأن الطبيعة قد فعلت كذا وكذا، وأنها أبدعت، وأنها أنتجت كذا وكذا، وأن الطبيعة قادرة على فعل كذا وكذا، ومن الناس من يتحدث عن الطبيعة بأنها أوجدت نفسها.
إن هؤلاء ينظرون تحت أقدامهم لقصر نظرهم، ففتنوا بما أمامهم ولم يفكروا بخالق هذا الكون ومدبره، {لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179].
فسعوا في الكون فسادًا، وارتكبوا من المعاصي والموبقات ما لا يتصوره عاقل، وعصوا الله وبارزوه كفرًا وجبروتًا وعنادًا، وظنوا أنهم قادرون على فعل كل ما يريدون؛ {حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا} [يونس: 24].
وهنا يأتي أمر الله ليذكر الناس بأن هذا الكون له خالق ومدبر، وأن الله في علاه، يرقب كل صغيرة وكبيرة يفعلها الإنسان؛ {أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [يونس: 24].
نعم جاءت الحرائق والصواعق والزلازل والرياح والأمطار والطوفان، خلال الأيام الماضية، فأهلكت ما أهلكت، وأنذرت ما أنذرت؛ ليتذكر من تذكر، وليهلك من هلك.
رأينا ما حدث في المغرب، ومن بعده بأيام ما حدث في ليبيا، فهلك الكثير، ومن قبل ذلك، رأينا الصواعق على أعلى أبراج مكة بجوار الحرم، إنذارا من رب العلمين، رأيناها والركع السجود داخل بيت الله الحرام، ولكن وعد الله لعباده لهذا البيت بأن يكون آمنا.
هنا يستيقظ ضمير المؤمن، ويتطلع إلى الكون من حوله، فإذا هو مسخر له، لحياته وحوائجه؛ ويتأمل فيما حوله فإذا هو برحمة الله، معين بقدرة الله له، ذلول له بتسخير الله… حين يستيقظ ضمير الإنسان فيتطلع ويتأمل ويتدبر، لا بد له أن يرتجف ويخشع ويسجد ويشكر، ويتطلع دائمًا إلى ربه المنعم: حين يكون في الشدة ليبدله منها يسرًا، وحين يكون في الرخاء ليحفظ عليه النعماء.
هنا نتذكر قول إبراهيم عليه السلام: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [ابراهيم: 35].
لقد أدرك إبراهيم عليه السلام هذا الكون من حوله بالتدبر والتفكر فعلم أن له خالقًا ومدبرًا، الواحد الأحد لا شريك له.
{وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ ۚ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ ۚ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا ۗ وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ۗ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ * وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ ۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام: 75-83].
لقد توصل إبراهيم عليه السلام إلى التوحيد الخالص بقراءة هذا الكون والتدبر فيه، فكان حقًّا كما وصفه ربه: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران: 67].
وهنا نتوقف ونتدبر جيدًا: لم يكن إبراهيم لا يهوديًّا ولا نصرانيًّا كما أراد أصحاب الفرق الضالة التي تطلق على نفسها مسميات من تلبيس إبليس واليهود والنصارى، بزعمهم وتلفيقاتهم، وفرقوا بها أمة التوحيد الخالص، وزعموا أنهم هم الموحدون كذبًا وزورًا.
{إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَىٰ} [النجم: 23].
لذلك فإنَّ للمسلمين اسم واحد، لا ينبغي أن يتسموا بغيره ولا أن يرفعوا تلك الشعارات الباطلة التي ما أنزل الله بها من سلطان، وتلك المسميات كلها ما هي إلا من تلبيس الشياطين، ولم يزدد بها المسلمون إلا فرقة وشتاتًا.
ويبدو في دعوة إبراهيم: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} تسليمه المطلق لربه، والتجاؤه إليه في أخص مشاعر قلبه، فهو يدعوه أن يجنبه عبادة الأصنام هو وبنيه، يستعينه بهذا الدعاء ويستهديه، ثم ليبرز أن هذه نعمة من نعم الله، وإنها لنعمة أن يخرج القلب من ظلمات الشرك وجهالاته إلى نور الإيمان بالله وتوحيده، فيخرج من التيه والحيرة والضلال والشرود، إلى المعرفة والطمأنينة والاستقرار والهدوء.. ويخرج من الدينونة المذلة لشتى الأرباب، إلى الدينونة الكريمة العزيزة لرب العباد إنها لنعمة يدعو إبراهيم ربه ليحفظها عليه، فيجنبه هو وبنيه أن يعبد الأصنام.
لقد أصبحت المسميات التي أطلقتها الفرق المختلفة على نفسها أصنامًا تعبد من دون الله، وأبعدت الناس عن التوحيد الخاص، كما ظهرت مسميات أخرى انشغل بها الناس وروج لها اليهود على وسائل النشر المختلفة من أجل إفساد البشرية وإبعادها عن ربها، كأسماء الممثلين والممثلات، وأسماء الرياضيين، وغيرهم، فتري صورهم يوميًّا تعرض في وسائل النشر والأخبار، وتطبع صورهم على الملابس وتعلق في المحلات والطرقات وأماكن يراها الكل، وأصبح الشباب والأولاد المسلمون مولعين بهذه الأسماء ويعتبرونها القدوة التي يجب الوصول إليها.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
لذلك جاءت كل هذه الإنذارات من الحرائق والصواعق والزلازل والرياح والأمطار والطوفان من الله ليتذكر أولوا الألباب، ويهلك من يهلك بقدر الله عن بيِّنةٍ.
فهل لنا أن نقتدي بأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام ونكون مسلمين موحدين لله، بعيدين عن الشرك بمسميات زينها لنا اليهود وأقنعوا بها البعض ليفرقوا المسلمين ويدخلوهم في دائرة الشرك. فلا بد لنا أن نكون حنفاء بعيدين عن هذه الدعاوى، فنحن مسلمون حنفاء وما نحن بمشركين.
___________________________________________________
الكاتب: أ. د. فؤاد محمد موسى
Source link