السلام عليكم, انا اتذكر اني في عندما كان عمري 15 سنة الى 16 سنة كنت انشر على فيسبوك كلام يستههزاء بالله وبالدين اسلام وكنت اقول انا ملحد او كنت اقول انا مسيحي او منشورات استهزائية… بعدها نصحتني بعض الرفقة الصالحة وتوقفت عن ذلك وحذفت كل شيء وطلبت من الله ان يغفر لي وكملت حياتي بشكل طبيعي. قبل شهرين اردت ان اتقرب الى الله اكثر …بعدها تذكرت ذلك الحساب الذي قمت به فبدات تاتيني افكار ان هناك شخص ارتد بسببي او… الان الحساب محذوف ولا استطيع الوصول الى اي شخص كان في ذلك الحساب هل لي من توبة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمَّا بعد:
فإن من سعة رحمة ربّ العالمين – جلَّ وعلا – أنه يغفر للعبد أيَّ ذنب تاب منه، فمن تاب من الشرك غفر الله له، ومن تاب من الكبائر غفر الله له؛ فأيّ ذنب تاب العبد منه غفر الله له؛ قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}[التحريم: 8]، والتوبة النصوح هي الخالصة من كل غش، وهي أن يتوب ولا يعود للذنب؛ قال الله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا}[النساء: 110]، وقال – تعالى -: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الزمر: 53]، فنهي عن القنوط من رحمة الله تعالى، وإن عظمت الذنوب وكثرت فلا يحل لأحد أن يقنط من رحمة الله، وقال – تعالى -:{وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الفرقان:67-70]، وقال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور31]، وقال: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [الشورى: 25].
والآيات بهذا المعنى كثيرة جدًا، وجميعها تدل على مذهب الصحابة وهو القطع بقبول توبة التائب، ومغفرة ذنوبه؛ فالله سبحانه وتعالى أرحم الراحمين، ورحمته تسبق غضبه، كتب على نفسه الرحمة، وأنه يحب الإحسان والجود والعطاء والبر، والعفو والمغفرة والرحمة أحب إليه من الانتقام، والعقوبة والغضب، والفضل أحب إليه من العدل، والعطاء أحب إليه من المنع، حتى صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لله أرحم بعباده من الوالدة بولدها”؛ متفق عليه، وأين تقع رحمة الوالدة من رحمة الله التي وسعت كل شيء؟! ويفرح سبحانه بتوبة عبده أعظم من فرح الواجد لراحلته في الأرض المهلكة، بعد اليأس منها؛ كما في الصحيح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “واللهِ، لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة”، والتائب حبيب الرحمن؛ كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222].
ومن تأمل قول الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133]، ثم ذكر منهم: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ* أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران: 135، 136]، من أعطاها حقا من التدب تعجب غاية العجب من عظيم رحمة الله سبحانه، حيث لم يقبل توبة التائب حتى جعله في أول ركب المتقين، وأبى – سبحانه – أن يجعله في آخر القائمة! فتأملها!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في “مجموع الفتاوى” (2/ 358): “… والذنب وإن عظم، والكفر وإن غلظ وجَسُمَ، فإن التوبة تمحو ذلك كله؛ والله سبحانه لا يتعاظمه ذنب أن يغفره لمن تاب، بل يغفر الشرك وغيره للتائبين؛ كما قال تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، وهذه الآية عامة مطلقة؛ لأنها للتائبين”. اهـ.
جاء في “منهاج السنة النبوية” (2/ 429): “… وإذا عرف أن أولياء الله يكون الرجل منهم قد أسلم بعد كفره، وآمن بعد نفاقه، وأطاع بعد معصيته، كما كان أفضل أولياء الله من هذه الأمة – وهم السابقون الأولون – والإنسان ينتقل من نقص إلى كمال، فلا ينظر إلى نقص البداية ولكن ينظر إلى كمال النهاية”. اهـ.
والحاصل أن التوبة من الردة تكون مقبولة؛ كما قال تعالى: { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}[الأنفال: 38].، وقال تعالى{كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ* أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ* خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ* إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [آل عمران: 86 – 89]، وقد ذكر الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية أنها نزلت فيمن ارتد ثم رجع للإيمان، فقبل الله توبته وغفر له.
وقال سبحانه وتعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } [التوبة: 11]، فعلق سبحانه الأخوة الإيمانية على التوبة من الكفر وإقامة الصلاة وإخراج الزكاة.
لما ذكر سبحانه المغفرة للتائبين قال: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الزمر: 53]، فعمم المغفرة وأطلقها.
إذا تقرر هذا؛ فإن ما تشعر به محض وسوسة من الشيطان ليحزنك ويصدك عن التوبة ويثبطك عن العمل، فادفعها عنك، واحذر الاسترسال معها، واستعن بالله واستعذ به من الشيطان الرجيم، وأكثر من قراءة القرآن الكريم بتدبر،، والله أعلم.
Source link