يبدأ وقت صلاة الليل من صلاة العشاء وآخر وقتها طلوع الفجر، وآخر الليل أفضل فهو وقت النزول الإلهي وتشهدها الملائكة.
يبدأ وقت صلاة الليل من صلاة العشاء وآخر وقتها طلوع الفجر فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ((مِنْ كُلِّ اَللَّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى اَلسَّحَرِ ) (رواه البخاري (969) ومسلم (745) وآخر الليل أفضل فهو وقت النزول الإلهي وتشهدها الملائكة فعن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل» (رواه مسلم (755) ونحن نستيقظ لصلاة الفجر فلنستيقظ قبل الأذان بما تيسر ولنحافظ على ذلك ولو كان ثلاث ركعات قبل صلاة الفجر.
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفتتح قيام الليل بركعتين خفيفتين فعن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام من الليل ليصلي افتتح صلاته بركعتين خفيفتين (رواه مسلم (767). وأمر بهاتين الركعتين أمر ندب و استحباب فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين» (رواه مسلم (768) فإن تيسرتا فحسن و إن نوى المصلي براتبة العشاء راتبة العشاء و سنة افتتاح قيام الليل أدى هذه السنة إن شاء الله.
ويسن أن يفتتح صلاة الليل بعد تكبيرة الإحرام بدعاء الاستفتاح فعن عائشة -رضي الله عنه- قالت: كان إذا قام من الليل افتتح صلاته: «اللهم رب جبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم» (رواه مسلم (770).
وظاهر الحديث أنه يستفتح مرة واحدة أول الصلاة ثم لا يعود يستفتح مرة ثانية بعد السلام فصلاة الليل صلاة واحدة فأحيانا يفرق بينها بسلام وأحيانا تكون بسلام واحد والله أعلم.
المنقول عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في عدد ركعات صلاة الليل وفي صفة الصلاة أنواع مختلفة فمن ذلك ما في حديث عائشة -رضي الله عنها-: َيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لا يَجْلِسُ فِيهَا إِلا فِي الثَّامِنَةِ، فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يَنْهَضُ وَلا يُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي التَّاسِعَةَ، ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ وَهُوَ قَاعِدٌ وَتِلْكَ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً فَلَمَّا سَنَّ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَخَذَهُ اللَّحْمُ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ وَصَنَعَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَنِيعِهِ الأَوَّلِ فَتِلْكَ تِسْعٌ (رواه مسلم (746). وفي رواية للنسائي (1718) بإسناد صحيح صَلَّى سَبْعَ رَكَعَاتٍ لَا يَقْعُدُ إِلا فِي آخِرِهِنَّ. ففي هذا الحديث صلاة ركعتين بعد الوتر ويؤخذ منه أن من يصلي مع الإمام في رمضان يؤتر مع الإمام وله أن يصلي بعد ذلك شفعاً.
ومن المنقول عن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاته بإحدى عشرة ركعة، يسلم من كل ركعتين، فعن عائشة قالت: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلاةِ الْعِشَاءِ إِلَى الْفَجْرِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ (رواه مسلم (736).
ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يزيد في صلاته على إحدى عشرة ركعة لكنه كان يطيل فيها فعن عائشة رضي الله قالت ما كان يزيد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثاً (رواه البخاري (1147) ومسلم (738).
وصلاة النبي صلى الله عليه و سلم إحدى عشرة ركعة ليست على سبيل التحديد فللمصلي الزيادة على إحدى عشرة ركعة لعموم قوله -صلى الله عليه وسلم- «صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى» (رواه البخاري (2013) ومسلم (749) لكن الأفضل الاقتصار على العدد الوارد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- مع إطالته لقيام الليل يقرأ قراءة تدبر و تأمل يقف يسأل ربه في مواطن السؤال و ينزه و يعظمه في مواطن التعظيم فعن حذيفة -رضي الله عنه- قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت يركع عند المائة ثم مضى فقلت يصلي بها في ركعة فمضى فقلت يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسلا إذا مر بآية فيها تسبيح سبح وإذا مر بسؤال سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ ثم ركع فجعل يقول سبحان ربي العظيم فكان ركوعه نحوا من قيامه ثم قال سمع الله لمن حمده ثم قام طويلا قريبا مما ركع ثم سجد فقال سبحان ربي الأعلى فكان سجوده قريبا من قيامه (رواه مسلم (772).
وعن عوف بن مالك الأشجعي -رضي الله عنه- قال: ((قُمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَيْلَةً، فَقَامَ فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، لا يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إِلا وَقَفَ فَسَأَلَ، وَلا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إِلا وَقَفَ فَتَعَوَّذَ، قَالَ: ثُمَّ رَكَعَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ، يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ، ثُمَّ سَجَدَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ فِي سُجُودِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ بِآلِ عِمْرَانَ ثُمَّ قَرَأَ سُورَةً سُورَةً ) (رواه أحمد (23460) وغيره بإسناد حسن.
وفي الحديثين سنتان الأولى تناسب أركان صلاة النفل فإذا أطال القراءة أطال بقية الأركان فأطال الركوع والقيام الذي يلي الاعتدال و السجود و الجلسة بين السجدتين و إذا خفف القراءة خفف بقية الأركان وكذلك صلاة الفرض فعن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال رمقت الصلاة مع محمد صلى الله عليه وسلم فوجدت قيامه فركعته فاعتداله بعد ركوعه فسجدته فجلسته بين السجدتين فسجدته فجلسته ما بين التسليم والانصراف قريبا من السواء رواه البخاري (801) و مسلم.
الثانية تكرار ذكر واحد في الركوع والسجود وعدم الجمع بين الأذكار فهذه الإطالة في صلاة الليل مظنة جمع أكثر من الذكر في الركوع والسجود ولم ينقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يجمع بين الأذكار في الاستفتاح ولا في الركوع ولا في السجود ففي حديث حذيفة قال سبحان ربي العظيم في الركوع وسبحان ربي الأعلى في السجود وفي حديث عوف بن مالك الأشجعي يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وسجود سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ ولم يذكرا أنه يقول معها ذكر آخر. قال الحافظ ابن حجر في نتائج الأفكار (2/96) لم أر ذلك [أي الجمع بين الأذكار] صريحاً في حديث.
والسنة في صلاة الليل والفرض أن ينوع في الأذكار الواردة ولا يلتزم ذكرا واحدا ففي صلاة يقول في الركوع والسجود سبوح قدوس رب الملائكة والروح وفي صلاة أخرى يقول سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي ويقول في صلوات أخرى غير ذلك من الأذكار الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد يشكل هذا عند البعض على القول بوجوب سبحان ربي الأعلى والعظيم والقول الآخر عدم وجوبهما وهو قول جمهور أهل العلم منهم الأئمة الثلاثة ورواية عن الإمام أحمد [1]. قال ابن قدامة في المغني (1/543) عن أحمد: أنه غير واجب وهو قول أكثر الفقهاء؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يعلمه المسيء في صلاته، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولأنه لو كان واجبا لم يسقط بالسهو، كالأركان.
ومن السنة في الصلاة السواك بعد كل سلام فعن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ركعتين، ثم ينصرف فيستاك» (رواه الإمام أحمد (1881) ورواته ثقات.
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في آخر صلاة الليل بسبح والكافرون والإخلاص فعن عبد الرحمن بن أبزى -رضي الله عنه- قال: ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُوتِرُ بِـسبح اسم ربك الأعلى، وقل ياأيها الكافرون وقل هو الله أحد، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ قَالَ: «سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ثَلاثًا يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ» (رواه أحمد (14936) وغيره بإسناد صحيح.
وفي الحديث من السنة قول سبحان الملك القدوس ثلاثا بعد الفراغ من الوتر.
ومن السنة القنوت أحياناً في آخر الوتر فعن الحسن بن علي -رضي الله عنه- قال: عَلَّمَنِي رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ اَلْوِتْرِ: «اَللَّهُمَّ اِهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلا يُقْضَى عَلَيْكَ، وإِنَّهُ لا يَذلُّ مَنْ وَالَيْتَ، ولا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ» (رواه الترمذي (464) وحسنه.
وفي الحديث بيان قدر دعاء القنوت وعدم إطالته وكذلك المنقول عن عمر -رضي الله عنه- فإطالة القنوت خلاف السنة.
المداومة على القنوت في الوتر خلاف السنة فظاهر السنة ترك القنوت أكثر من فعله فمن نقل لنا صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الليل كعائشة وابن عباس وحذيفة وغيرهم -رضي الله عنهما- لم يذكروا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قنت في آخر صلاته وأحاديثهم أكثر وأصح والله أعلم.
[1] انظر: البحر الرائق (1/529) والقوانين الفقهية ص:45 والمجموع (3/414) والمغني (1/543).
_______________________________________________
الكاتب: الشيخ أحمد الزومان
Source link