منذ حوالي ساعة
القراءة هي أعظمُ وسائل التعلُّم واكتساب العلوم، والمعارف والثَّقافات، والتغلُّب على التحديات التي تواجه المجتمع، وقد أمر بها الإسلام، وحَثَّ عليها؛ لأنَّها أفضل الطرق لعمارة الأرض، والارتقاء بالإنسان، وبناء التجديد، والنهضة الإنسانية.
القراءة ضرورة معرفيَّة لبناء الحضارات، وتنظيم المجتمعات الإنسانية، ونهضة المواهب البشرية، ولذلك فإنَّ النهضات الإنسانية تَهبط عندما تستغني عن القراءة، وتصعد حينما تجعل من القراءة منطلقًا لنهضة واعية.
فالقراءة النافعة هي التي تقود المجتمع نحو الخير، والنهضة، والإصلاح، ولقد كانت أول كلمة من القرآن نزلت إلى الأرض هي “اقرأ” التي فتحت للإنسان بابَ المعرفة الربانية، والإيمان، والعمل، والثبات، والجهاد، والمسابقة إلى فعل الخيرات، والابتكار الذي أدَّى إلى ازدهار الحضارة الإسلامية.
القراءة هي أعظمُ وسائل التعلُّم واكتساب العلوم، والمعارف والثَّقافات، والتغلُّب على التحديات التي تواجه المجتمع، وقد أمر بها الإسلام، وحَثَّ عليها؛ لأنَّها أفضل الطرق لعمارة الأرض، والارتقاء بالإنسان، وبناء التجديد، والنهضة الإنسانية.
ويقينًا فإنَّ القراءة المنظمة تؤدِّي إلى ترسيخ المعلومات وبناء التكنولوجيا المتطورة، وتمكين الثقافة الواعية من الانتقال بالناس من الضَّعف والهوان إلى القوة والعزة، والتمكن الفعلي؛ لأنَّها الطريق الصحيح لبناء العقل السليم، والأخلاق الحسنة، والتخطيط الرشيد، والتغيير السديد، والعمل المنضبط.
عندما يُشاع عن عالمنا العربي والإسلامي أنَّه عالم القراءة، وأنه عطل أقوى مِفتاح للتفوق والتميز الكوني والبشرى، فهذا يدعو إلى وقفة صريحة مع أنفسنا؛ لنعدلَ مسارَنا، ونتجه نحو مجتمع العلم والمعرفة والقراءة التي تُعيدنا إلى الوضع الحضاري الصحيح والقيادة الإنسانية الواعية الحكيمة.
إن كل عظيم نال نصيبًا من العظمة كانت القراءة بدايته، وكل مجد صنعته اليد الإنسانية أساسه القراءة والوعي، والانطلاق الثقافي اللامحدود، ويتَّسع دور القراءة مع التطور المذهل في المعلومات والاتِّصالات؛ مما أدى إلى إزالة الحواجز المكانية والثقافية، وهنا يكمُن دور القراءة في استلهام القِيَم والتوجيهات، والأفكار القوية التي تدعم رسالةَ الشخصية الإسلامية في عالم اليوم والغد.
يُعرِض الكثيرُ من الناس عن القراءة بحجة أنَّ القراءة ثقيلةٌ، أو أنَّ الوقت ليس كافيًا للقراءة، فمتطلبات الحياة كثيرة، ولا تعطي فُرصةً للنظر في كتاب من الكتب، أو أنَّ مادة بعض الكتب صعبة، ومُعقدة، وغير مفهومة، وغياب القراءة لهذه الأسباب الواهية يقتُل حوافز التغيير عند الإنسان وبواعث اليَقَظة في المجتمع بما يعرضه لضعف ثقافي شديد الخطورة على حياة الناس في سائر شؤونهم.
إنَّ القراءةَ من أقوى العوامل التي يُمكن أن تبني الهمم العالية، وتَجعل المجتمع أكثر التزامًا في مسؤوليَّاته وواجباته، وتَحميه من الضياع والبطالة، وتضييع الوقت في الأمور التافهة، كما أنَّها تخفف من آلام الحياة وهمومها، وتشكل المجتمع العلمي المتبصر لشؤونه.
إنَّ غياب القراءة يؤدي إلى مجتمع غير منضبط في أحواله وتصرفاته، وعندما تغيب القراءة يسود الجهل، وتعم الأمية، وينتشر التخلُّف، وتكثُر المشكلات في المجتمع، وتقلُّ الحلول الملائمة لهذه المشكلات، فإذا رجع المجتمع إلى القراءة، فإنَّه يتغير ويتطور إلى الأفضل، ويواجه ظروف العصر ومتغيراته، ويتغلَّب على مشكلاته الصغيرة والكبيرة.
القراءة توجيه رباني لإسعاد النفس الإنسانية: ﴿ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} ﴾ [العلق: 1]، فهي مفتاح التعرف على العلوم الشرعية والكونية والحضارية، وإذا تحولت هذه القراءة إلى عمل، فإنَّها تثمر النجاح والتميز والإبداع.
لا يزال الإنسان عالِمًا ما قرأ وتعلم، فإذا فقد القراءة والتعلم، صار جاهلاً، وعندما تنقطع صلةُ الإنسان بالقراءة، فإنَّه يشعر بجفاء معرفي لا يطاق، ولن يشعر إلاَّ بحاجته للقراءة؛ إذ لا يعوض فقد القراءة شيء من متاع الدُّنيا مهما كبر حجمه.
إنَّ توجيه المسلم المعاصر إلى القراءة يُمكن أن يوفر لنا جيلاً من القارئين الذين يتمتعون بالمعرفة الصحيحة بما يؤدي إلى النهوض الحضاري، كما أنَّ الطفل الصغير عندما ينشأ على حب القراءة، فسوف يكون إيجابيًّا في أسرته ومجتمعه، وسوف يُصبح عنصرَ خير في بيئته؛ لذلك فإنَّ مؤسساتِنا التعليمية ووسائل الإعلام ينبغي أنْ تُشجع القراءة.
وحتى يستفيد القارئ مما يقرأ ولا ينحرف بقراءته عن الهدف الصَّحيح من القراءة، فإنَّه لا ينبغي أن يكون اهتمامه متوجهًا لنقد ما يقرأ والبحث في عيوبه أو يَهتم بشكل ما يقرأ فقط؛ بل يُعطى اهتمامًا وتفاعلاً مع الشكل والمضمون، ويبني على صحيح ما يقرأ كثيرًا من خططه وأهدافه وتطلعاته المستقبليَّة، ويُحول قراءته إلى عمل وتنمية ونهضة وإبداع.
هناك من الأفكار ما يهز الأرواحَ ويغذي العواطف والأحاسيس بالأفكار الإيجابية، وأجمل القراءات ما كان غايتها استرضاء الله – عزَّ وجلَّ – إذ إنَّها تضبط السلوك الإنساني، وتحث على أداء الحقوق والواجبات، وتمنع الفوضى والسلبية والخيانة والظلم والفوضى، ومع القراءة يتحوَّل فريقٌ من القراء إلى مبدعين في عالم الكتابة، فيُضيفوا كثيرًا من الأفكار إلى ما يكتب وينشر في عالم الأفكار.
إنَّ استيعاب المقروء يؤدي إلى حسن الاستفادة منه، وكم من جمل مُفيدة تحولت إلى مشروعات ضخمة وفتحت الطريقَ لمعرفة الحق والعمل به! فحاجتنا إليها شديدة لنرد الشبهات التي يثيرها أعداءُ الإسلام ضدنا ونعرف كيف نربي أطفالنا، ونبني كياننا الثقافي والتنموي والاجتماعي، ونسعد في الدنيا والآخرة، فمن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سَهَّل الله له طريقًا إلى الجنة.
لا بُدَّ من القراءة حتى تؤدي الحياة رسالتها، فالقراءة قوام الشخصية السويَّة، والعقلية الإبداعية، وما من أحد يستغني عنها، فالقراءة تزيل الغشاوات التي تُحيط بالعقول، كما أنَّها تصلح الدنيا والدين، يظل المرء في طفولة معرفيَّة حتى يدخل عالم القراءة، فتدفعه إلى الاتزان والاعتدال.
نحتاج القراءة في حياتنا؛ كي تشيع اللغة السليمة، وينتقل واقع اللغة العربية في مجتمعاتنا من الضعف إلى القوة، وينتشر التفاهُم البشري، ويعلو الذوق الرفيع، وتتعاظم مكانة الأخلاق في المجتمع، ويتحسن مستوى الأداء التنموي في مجتمعاتنا، ونحافظ على هويتنا الثقافية الإسلامية.
إنَّ المسلم يؤجر على كل شيء ينفعه وينفع وطنه وأمته، ولا بد أن تعود القراءة إلى خير أمة تحمل أعظمَ رسالة في الكون؛ لتنفتح على العلوم الكونيَّة والطبية، والاجتماعية، والاقتصادية والسياسية والحضارية، ونُؤسس لجيل القراءة الذي يؤمن برسالته، ويدرك أن طلبَ العلم فريضة؛ وذلك لكي تنضج ملكاته وتتسع آفاقه المعرفية، ويعمل للآخرة كما يعمل للدنيا، فينجح ويسعد في الدارين.
القراءة هي أكبر عون للإنسان الذي يريد النهوض، وإذا ترسخت آثارها في عقل الإنسان وقلبه ستجعل الإنسان يُداوم عليها، ولا يَمل منها، والأفضل أنْ يَمتلك القارئ خطة منظمة للقراءة، وأن يجعل من القراءة منطلقًا لفهم متغيرات الواقع، والتعرف على عقل الآخر.
إنَّ أخطر الزلازل المدمرة التي تَهز كيان الشعوب هو زلزال التخلُّف عن القراءة، وكم من قراء وطلاب علم نافع تَحوَّلوا إلى عظماء في عالم الأخلاق والمعرفة، والقيادة والإنسانية! فإلى القراءة من جديد.
__________________________________________________
الكاتب: د. محمود حسن محمد
Source link