أولًا: اسم (المغيث) بين المعنى والمغزى .
ثانيًا: إغاثة الملهوف في القرآن والسنة .
ثالثًا: الواجب العملي.
عناصرُ الموضوع:
=============
أولًا: اسم (المغيث) بين المعنى والمغزى .
ثانيًا: إغاثة الملهوف في القرآن والسنة .
ثالثًا: الواجب العملي.
المـــوضــــــــــوع:
=============
أما بعد فيقول رب العالمين سبحانه وتعالى: ﴿ {وَلِلَّهِ ٱلْأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا۟ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِىٓ أَسْمَٰٓئِهِۦ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا۟ يعملون} ﴾
أيها الإخوة الكرام: من بين الأسماء الحسنى، ومن بين الصفات العلى لله رب العالمين والتي أجمعت عليه الأمة أنه سبحانه وتعالى هو (المغيث)
قال شيخ الإسلام عليه رحمة الله ” قال العلماء المصنفون في أسماء الله تعالى: يجب على كل مكلف أن يعلم أن لا مُغيث على الإطلاق إلا الله، وأن كل غَوثٍ فمن عند الله، وإن جعل الغوث على يد أحد من خلقه، فالمغيث حقيقة هو الله سبحانه وتعالى.. والمخلوق يغيث فقط فيما يقدر عليه، وبتسخير وتوفيق وإذن من الله سبحانه وتعالى..
ولعل هذا هو المعنى الذي قصده رسول الله صلى الله عليه وسلّم
(المغيث حقيقة هو الله سبحانه وتعالى.. والمخلوق يغيث (إن أغاث) فقط فيما يقدر عليه)
وذلك حينما عاش في زمانه صلى الله عليه وسلم ( رجل منافق من المنافقين) فجعل هذا المنافق يؤذي المؤمنين، فلما تجاوزت أذيته الحدود، وفاض الكيل، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لبعض أصحابه الذين اشتكو من أذية المنافق : قال أبو بكر لهم قوموا بنا لنستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه لا يُستغاث بي، وإنما يُستغاث بالله عز وجل)
هو وحده سبحانه وتعالى المغيث لجميع الخلائق في الأمور كلها يغيث المريض بشفاء عاجل
يغيث الجائع بطعامه وشرابه
يغيث الأعمى بقائد يقوده
يغيث الضعيف بسلطان ينصره
يغيث المهموم بزوال همه
يغيث المكروب بفك كربه
يغيث المبتلى بالعافية
قال رب العالمين سبحانه وتعالى:
{﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ ۚ ﴾ ﴿قُلْ أَفَرَءَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَنِىَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَٰشِفَٰتُ ضُرِّهِۦٓ ﴾ ؟! ﴿أَوْ أَرَادَنِى بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَٰتُ رَحْمَتِهِۦ ۚ ﴾ ؟! ﴿قُلْ حَسْبِىَ ٱللَّهُ ۖ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ ﴾}
«عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أنّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ مِنْ بَابٍ كَانَ نَحْوَ دَارِ الْقَضَاءِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا ثُمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ وَانْقَطَعْتِ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنَا فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا قَالَ أَنَسٌ وَلَا وَاللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةً وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ قَالَ فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ فَلَمَّا تَوَسَّطَتْ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ فَلَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سِتًّا ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ يُمْسِكْهَا عَنَّا قَالَ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ قَالَ فَأَقْلَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ قَالَ شَرِيكٌ سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَهُوَ الرَّجُلُ الْأَوَّلُ فَقَالَ مَا أَدْرِي.. »
المغيث هو: الذي يغيث الخلائق ويدركهم بواسع رحمته من بعد ما ضاقت عليهم الدنيا بما رحبت،ومن بعد ما ضاقت عليهم أنفسهم وأيقنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه {﴿ وَهُوَ ٱلَّذِى يُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ مِنۢ بَعْدِ مَا قَنَطُوا۟ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُۥ ۚ وَهُوَ ٱلْوَلِىُّ ٱلْحَمِيدُ ﴾}
المغيث هو: الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء {﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّى مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلَٰٓئِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾}
المغيث سبحانه وتعالى هو: المنقذ من كل الشدة.
المغيث سبحانه وتعالى هو: الذي لا يسأل غيره ولا يستعان إلا به.
المغيث هو الذي يسمع الشكوى ويرفع البلوى.. جل في علاه .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ، قَالَ : ” يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ، بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ» “.
من أسماء الله الحسنى أسماءً، ومن الصفات العلا صفاتاً لا يسمح الله سبحانه وتعالى أن يشاركه فيها أو يتسمى بها أو يتصف بها غيره، ومن سمى بها نفسه أو اتصف بها أخذه الله تعالى أخذ عزيز مقتدر فلا عظمة إلا لله وحده، ولا جبروت إلا لله وحده، ولا جلال إلا لله وحده، ولا كبرياء إلا لله.. قال عز وجل في الحديث القدسي ” العظمة إزارى ، والكبرياء ردائى ، فمن نازعنى واحدا منها أسكنته نارى ” .
ومن أسماء الله الحسنى أسماءً، ومن الصفات العلا صفاتاً يسمح الله سبحانه وتعالى أن يشاركه فيها غيره، من أسماء الله الحسنى، ومن الصفات العلا ما يسمح الله جل وعلا أن يتسمى بها أو يتصف بها عباده..
ك( الرحمة، والرأفة، والحكمة، والعلم، والحلم، والعفو…) ومن بين أسماء الله الحسنى، ومن بين الصفات العلا التي يسمح الله سبحانه وتعالى أن يشاركه فيها أو يتسمى بها أو يتصف بها عباده اسم الله ( المغيث).. الله سبحانه وتعالى يغيث عباده، والمؤمن يغيث إخوانه بإذن الله تعالى وتوفيقه ..
أخرج أبو يعلى من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ««الدَّالُّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ، وَاللهُ يُحِبُّ إِغَاثَةَ اللَّهْفَانِ» »
إغاثة الملهوف: هى نصرة المظلوم الذي أوذى في نفسه وماله فهو ينادي ويستغيث قال الله تعالى في شأن موسى عليه السلام {﴿ وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِۦ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِۦ ۖ فَٱسْتَغَٰثَهُ ٱلَّذِى مِن شِيعَتِهِۦ عَلَى ٱلَّذِى مِنْ عَدُوِّهِۦ فَوَكَزَهُۥ مُوسَىٰ ﴾}
إغاثة الملهوف هى الأخت الشقيقة للنجدة والشهامة والمروءة والنخوة ينهض بها ويسعى إليها كل ذي نفس سوية وفطرة نقية قال الله تعالى في شأن الكليم موسى عليه السلام
{ (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)}
أحد أكرم الصالحات من الأعمال أن تغيث ملهوفاً، من أجلِّ القربات،ومن أوفر الصدقات حظاً بالقبول أن تعين ضعيفاً أو تنصر مظلوماً، أو ترد حقا مهضوماً..
وقَالَ أَبُو ذَرٍّ رضي الله عنه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
«« عَلَى كُلِّ نَفْسٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ صَدَقَةٌ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ»» «قال أبو ذر فقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ أَيْنَ أَتَصَدَّقُ وَلَيْسَ لَنَا أَمْوَالٌ؟؟! فقَالَ صلى الله عليه وسلّم«لأَنَّ مِنْ أَبْوَابِ الصَّدَقَةِ التَّكْبِيرَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، وَتَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتَعْزِلُ الشَّوْكَةَ عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ وَالْعَظْمَ وَالْحَجَرَ، وَتَهْدِي الأَعْمَى، وَتُسْمِعُ الأَصَمَّ وَالأَبْكَمَ حَتَّى يَفْقَهَ، وَتَدُلُّ الْمُسْتَدِلَّ عَلَى حَاجَةٍ لَهُ قَدْ عَلِمْتَ مَكَانَهَا، وَتَسْعَى بِشِدَّةِ سَاقَيْكَ إِلَى اللَّهْفَانِ الْمُسْتَغِيثِ، وَتَرْفَعُ بِشِدَّةِ ذِرَاعَيْكَ مَعَ الضَّعِيفِ، كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الصَّدَقَةِ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ)»
إغاثة الملهوف: هى مواساة محزون ذهب ماله، أو هلك زرعه، أو فُجعَ في والد، أو زوج، أو ولد
[أخرج النسائي في السنن] «أن نَبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إِذَا جَلَسَ يَجْلِسُ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَفِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ يَأْتِيهِ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ فَيُقْعِدُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ.. فَمات ذلك الولد فَامْتَنَعَ الرَّجُلُ أَنْ يَحْضُرَ الْحَلْقَةَ لِذِكْرِ ابْنِهِ فَحَزِنَ عَلَيْهِ.. فَفَقَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَالِي لَا أَرَى فُلَانًا؟! قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ بُنَيُّهُ الَّذِي رَأَيْتَهُ مات فَلَقِيَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ بُنَيِّهِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ مات فَعَزَّاهُ عَلَيْهِ النبي عليه الصلاة والسلام ثُمَّ جعل يواسيه ويمسح الحزن عن قلبه ويقول « يَا فُلَانُ أَيُّمَا كَانَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَنْ تَمَتَّعَ بِهِ عُمُرَكَ أَوْ لَا تَأْتِي غَدًا إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلَّا وَجَدْتَهُ قَدْ سَبَقَكَ إِلَيْهِ يَفْتَحُهُ لَكَ قَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ بَلْ يَسْبِقُنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَيَفْتَحُهَا لِي لَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ فقَالَ صلى الله عليه وسلّم فَذَاكَ لَكَ» »
إغاثة الملهوف: هى بقدر المستطاع تفريج همِّ، بقدر المستطاع فكُّ كربٍ، إطعام جائعٍ، قضاء دينٍ، قال النبي عليه الصلاة والسلام «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ»
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلّم أصحابه عن الجلوس في الطرقات، فتعللوا بأنها مجالسهم يبيعون فيها ويشترون.. فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالجلوس في الطرقات بضوابط شرعية..
قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «« إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ قَالُوا وَمَا حَقُّهُ قَالَ غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الْأَذَى وَرَدُّ السَّلَامِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ» »
بعد هذا الموقف مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْمٍ جُلُوسٍ فِي الطَّرِيقِ قَالَ «« إِنْ كُنْتُمْ لَا بُدَّ فَاعِلِينَ فَاهْدُوا السَّبِيلَ وَرُدُّوا السَّلَامَ وَأَغِيثُوا الْمَظْلُومَ»»
إِغَاثَةُ المَلْهُوفِ وَالمَظْلُومِ وَتَقْدِيمُ العَوْنِ لِكُلِّ محتاج إِلَيْهِ هُوَ سُلُوكٌ إِسْلَامِيٌّ أَصِيلٌ، وَخُلُقٌ رَفِيعٌ تفرضه حُقُوقُ الأُخُوَّةِ الإِيمَانِيَّةِ، وَقَدْ عُرِفَ هَذَا الخُلُقُ الرَّفِيعُ في شَخْصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشهدت به السَّيِّدَة خَدِيجَة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: ليلة قال لها أي خديجة والله « «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي»» .
فَأَجَابَتْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا في ثِقَةٍ وَاطْمِئْنَانٍ: كَلَّا أَبْشِرْ، فَوَاللهِ لَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدَاً، وَاللهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ.
وفي ظل الإسلام لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلّم يعين ذا الحاجة، ويساعد الضعيف، ويعين المغلوب، وينصر المظلوم، ويغيث الملهوف بكل وسيلة ممكنه بيده إن استطاع، وبلسانه إن استطاع..
بعد صلح الحديبية بسنتين اثنتين نقضت قريش وحلفاءها بنو بكر عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم وحلفاءه بني خزاعة وقتلوهم ليلا حتى ألجئوهم إلى الحرم، فركب عمرو بن سالم حتى قدم إلى المدينة ملهوفا يستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلّم من غدر قريش وغدر بني بكر، فَقَال رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« نُصِرْتَ يَا عَمْرَو بْنَ سَالِمٍ ». فَمَا بَرِحَ حَتَّى مَرَّتْ سحابة فِي السَّمَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« إِنَّ هَذِهِ السَّحَابَةَ لَتَسْتَهِلُّ بِنَصْرِ بَنِي كَعْبٍ ». وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- النَّاسَ بِالْجِهَازِ وَكَتَمَهُمْ مَخْرَجَهُ وَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُعَمِّيَ عَلَى قُرَيْشٍ خَبَرَهُ حَتَّى يَبْغَتَهُمْ فِي بِلاَدِهِمْ، وكان فتح مكة في رمضان في ثامن الأعوام من هجرة النبي عليه الصلاة والسلام..
لنعلم أن أول من أسس للنجدة والشهامة والمروءة والنخوة وإغاثة الملهوف في هذه الأمة هو النبي محمد صلى الله عليه وسلّم..
خطب عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الناس فقال:
إِنَّا وَاللَّهِ قَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ وَكَانَ يَعُودُ مَرْضَانَا وَيَتْبَعُ جَنَائِزَنَا وَيَغْزُو مَعَنَا وَيُوَاسِينَا بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ ….
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجبر كسرنا وأن يرحم ضعفنا وأن يصب علينا وعلى بلادنا وعلى بلاد المسلمين الخير صبًا إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير..
الخطبة الثانية
بقى لنا في ختام الحديث عن فضل إغاثة الملهوف وقضاء حاجة المحتاج بقى لنا أن نقول وماذا يراد منا؟
بعد ما سمعنا ما سمعنا أقول: يراد منا الكثير..
يراد منا أن نفهم أن إغاثة الملهوف وإعانة المحتاج هي:
من قبيل شكر الله تعالى على نعمه، وبالشكر تدون النعم، فمن كثرت نعم الله عليه كثرت حوائج الناس إليه، فإن قام بما يجب لله فيها فقد شكرها ودامت النعمة عنده وبقيت ، وإن لم يقم فيها بما يجب عليه فيها فقد جحدها وتوشك النعمة أن تزول عن وجه الجَحُود ، نعوذ بالله من زوال نعمه، وتحول عافيته..
ثم إن الجزاء من جنس العمل، فكما تعمل تجازى وكما تدين تدان ومن أعان يومًا ما أُعينَ يومًا ما، ومن أَغاث يومًا ما أُغيث يومًا ما..
يراد منا كذلك أن نعلم يقينا أنه ليس لنا في هذه الدنيا بعد الله من أحدٍ، لا والد ينفع ولا والدة النافع الله سبحانه وتعالى..
لا يغني عنك زوجٌ ولا ولدٌ.. ليس لنا في هذه الدنيا بعد الله من أحدٍ..
قال النبي عليه الصلاة والسلام «(إنه لا يُستغاثُ بي، وإنما يُستغاثُ بالله عز وجل)»
{﴿ مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُۥ مِنۢ بَعْدِهِۦ ۚ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ﴾ }
ومن هذه الساعة وإلى ما شاء الله كن على يقين تام أنه لا مُسعف لك إلا الله، ولا مُنقذ لك إلا الله، ولا نافع لك إلا الله، ولا مُغيث لك إلا الله، وإن نفعك أحدهم، أو أنقذك، أو أغاثك، فاعلم أن الله تعالى هو الذي سخره لك..
قال النبي عليه الصلاة والسلام ««إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ» »
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعز الإسلام، وأن ينصر المسلمين، وأن يعز بقدرته كلمة الحق والدين… اللهم آمين.
———————————————————————————–
✍جمعها، وأعدها، وراجعها بقدر المستطاع، وكتبها : خادم الدعوة:
الشيخ /محمد سيد حسين عبد الواحد.
Source link